الصفدي والكرسي ومغزى المقال

23 دقيقة ago
الصفدي والكرسي ومغزى المقال

بقلم ماجد أبو رمان

يبدو أن الكرسي ليس قطعة أثاث كما كنّا نظن، بل جهاز معقّد لتعديل السلوك، وربما لإعادة تشكيل الشخصية من جذورها. الغريب أن هذا الكرسي لا يصدر صوتًا، لكنّه يهمس في الأذن: “أنت الآن أهمّ، أنت فوق، لا وقت لهؤلاء ، ولا مكان للملاحظات الصغيرة”. فيبتلع الجالس عليه كل تواضعه القديم، ويضع على وجهه قناعًا جديدًا: مزيج من الجدية المصطنعة، والهيبة الزائفة، والحذر المَرَضيّ من كل رأي لا يبدأ بالتصفيق. بلغني أن أحمد الصفدي في حالة “امتعاض راقٍ” بسبب مقالي الأخير. ولا أخفي أنني وقفت طويلاً عند هذا الإمتعاض، أحاول أن أفهم أي عبارة، أو إيحاء، أو زاوية كان وقعها مستفزًا إلى هذا الحد. ومع أني إختلفت سابقآ مع أحمد لكننا لم نحمل الضغينه لبعض فالخلاف كان يخلوا من سوء النوايا بالخصوص مع وجود *محمود وعواد* لذلك إتصلت على *أبو زيد *– كما هي عادتي – لكنه حتى الآن لم يعاود الاتصال، مع أن غيابه عن الرد ليس من طباعه. أحمد ليس ممن يُأخذ برأي ناقل، ولا ممّن تهتز قناعاتهم من أول همسة. هكذا عرفته. رجل لا يأكل من أذنه، ولا تهزّ شاربه التهويلات، ولا يلهث خلف ردود الأفعال. لكن يبدو أن للمناصب شأناً آخر، فالكرسي ــ حين يعلو ــ يُثقِل صاحبه ظاهرياً، لكنه في الحقيقة قد يخفف من وزنه الإنساني، كالبالون: كلما امتلأ بالهواء، انتفخ أكثر، وازداد حجمه، لكنه فقد من ثباته ورسوخه على الأرض. وسألت نفسي ثلاث أسئله هل تغيّر أحمد الصفدي، أم تغيّر الموقع؟ هل قرأ كلماتي بعين الصديق الذي يعرف نبرة قلمي، أم بعين “المسؤول” الذي يتعامل مع الكلمات كسهام؟ أم أن هناك من يتلذذ باجتزاء المعاني وبناء الحساسيات؟ وبعد تفكير وجدت الجواب أن الكرسي، كعادته، ،حالة شعورية كاملة تغيّر في تركيبة النفس البشرية، تجعل من الكلمة خنجراً، ومن الرأي مؤامرة، ومن النقد جريمة أخلاقية. مع أن أحد المعارف من هؤلاء اللذين يستطيعون الوقوف في *الكريدورات*ويتقنون إستراق السمع لما يدور في المكاتب المغلقه وبعد مقالي السابق أخبرني أن *ابوزيد*باقي على الكرسي طويلآ وأن خصومه لن يستطيعون النيل منه أسعدني هذا الخبر فأنا أحترم الصفدي ومقتنع بشخصيته ومازلت ألمس الصدق بها ولذلك عندما كنت أدافع عن مواقفه وخصوصاً بعد الجلسه المشؤومه كنت أحتمل النقد وهو يعلم أن خصومه كثر وأكثرهم ممن يلتفون حوله ‘ ومع كل ذلك وفي كل الحالات، ما كتبته لم يكن طعناً، ولا تسديداً تحت الحزام، بل توصيفاً لمشهد عام، فيه من الوضوح ما لا يحتمل التأويل، ومن الصدق ما لا يحتاج تزييناً. فإن كان في الكلمة ما أثقل القلب، فسيكون للحديث بقيه.