فادي السمردلي يكتب: الأردن والجنوب السوري بين نداءات فتح الحدود وذكاء الرد السيادي

ساعة واحدة ago
فادي السمردلي يكتب: الأردن والجنوب السوري بين نداءات فتح الحدود وذكاء الرد السيادي

بقلم فادي زواد السمردلي

في الفترات الأخيرة، تزايدت الدعوات من داخل محافظة السويداء لفتح الحدود الأردنية، في ظل تصاعد الاشتباكات بين مجموعات مسلحة مختلفة، وتدهور الأوضاع في المنطقة، ووسط ما اعتبره البعض “تخليًا” من قبل الدولة السورية عن مسؤولياتها هناك وجاءت أبرز هذه الدعوات من المرجعية الدينية البارزة لدى الطائفة الدرزية، الشيخ حكمت الهجري، الذي طالب بإيجاد ممر إنساني إلى الأردن، في محاولة للاستجابة لمطالب المدنيين المحاصرين بين الانهيار الأمني والتدهور الاقتصادي إلا أن الرد الأردني، الذي بدا هادئًا من حيث الشكل، جاء محكمًا من حيث المضمون؛ إذ اختار أن يرد بعقل الدولة، لا بعاطفة اللحظة، فعبّر عبر مصدر مسؤول عن موقف لا يقبل التأويل: “الأردن لا يتعامل مع ميليشيات مسلحة، وإنما يتعامل مع الجمهورية العربية السورية.”

هذا التصريح لم يكن مجرد توضيح لموقف تقني، بل إعلان دبلوماسي دقيق عن قواعد الاشتباك السياسية التي يتمسك بها الأردن في تعامله مع الملف السوري عمومًا، ومع الجنوب السوري خصوصًا. فعمان تدرك تمامًا أن الانجرار خلف أي مطلب يأتي من خارج إطار الدولة السورية – مهما كانت خلفياته أو وجاهته الإنسانية – يعني فتح الباب لتورط سياسي وأمني قد لا تُحمَد عقباه وفتح الحدود، وإن بدا ظاهريًا تعبيرًا عن تضامن إنساني، إلا أنه في الواقع يمثل اعترافًا ضمنيًا بوجود “كيانات مستقلة” على الأرض السورية، وهو ما يتناقض مع التزام الأردن الثابت بوحدة سوريا وسيادتها.

ثمّة من يحاول إظهار الأردن كقوة إقليمية قادرة على أن تلعب دورًا إنقاذيًا في الجنوب السوري، أو كملجأ آمن للجوار، ولكن عمّان التي دفعت أثمانًا باهظة في السنوات السابقة – نتيجة استقبال موجات لجوء، وتهريب سلاح ومخدرات، وتسلل عناصر مسلحة – لم تعد تقبل بتكرار سيناريو الفوضى نفسه وقد بات واضحًا أن الأمن القومي الأردني لم يعد يحتمل أي تهاون على حدوده الشمالية، لا من قبل الفصائل ولا من قبل أي فراغ سلطوي، خاصة في ظل ما تشهده المنطقة من استقطاب إقليمي متجدد، وحالة استنزاف مستمرة لموارد الدولة الأردنية.

ولعلّ الرسالة الأعمق في الموقف الأردني ليست فقط رفضه التعاطي مع الفصائل، بل تأكيده على معادلة جوهرية من أراد فتح قنوات إنسانية أو سياسية مع الأردن، فعليه أن يفعل ذلك عبر الدولة السورية، لا عبر الميليشيات أو الجماعات الخارجة عن الشرعية وهذا تمسك لا يعكس تصلبًا، بل حنكة سياسية تستند إلى تجارب مريرة في الماضي، حيث كان التورط في التفاصيل السورية كفيلاً بخلخلة الداخل الأردني، أمنيًا واجتماعيًا واقتصاديًا.

من هنا، فإن الرد الأردني لم يكن مجرد تحفظ سياسي، بل كان في جوهره موقفًا سياديًا استباقيًا، أذكى من أن يُستدرج إلى ساحة مشتعلة يُراد له أن يكون فيها جزءًا من معادلة محلية لا تعنيه. لقد أثبتت عمان مرة أخرى أنها تفكر بعقل الدولة، لا بردة فعل العواطف، وأنها تدير حدودها بحكمة الجغرافيا، لا بضجيج الشعارات وفي لحظة إقليمية دقيقة كتلك، يبدو أن البقاء خارج التجاذب السوري الداخلي ليس انسحابًا، بل نضجٌ سياسي يستحق الاحترام.