العلاقة بين الرأسمالية، الديمقراطية، واللامساواة

25 ثانية ago
العلاقة بين الرأسمالية، الديمقراطية، واللامساواة

د. عادل يعقوب الشمايله

يشغل تصاعد معدلات اللامساواة وتداعياتها على حاضر ومستقبل المجتمعات الغربية اهتمام العديد من المفكرين وعلماء الاقتصاد والسياسة.
في هذا المقال سأقدم مساهمة علماء اقتصاد بارزين مثل جوزيف ستيغليتز، بول كروجمان، وتوماس بيكيتي في تشخيص اسباب الازمة والحلول المقترحة لعلاجها وتفادي الكوارث التي ستنجم عنها نظراً لأن هذه الظاهرة قد وصلت دول العالم الثالث ومن بينها دولتنا. فهي كسائر الظواهر المدمرة لا توقفها الحدود وإنما الخطط والبرامج الواعية الملتزمة.
أولًا: جوزيف ستيغليتز – الديمقراطية المخطوفة وتحالف المال والسياسة

يرى جوزيف ستيغليتز في كتابه “كلفة اللامساواة او كلفة غياب عدالة التوزيع أن الخلل الرئيسي في الاقتصاد الأمريكي ليس مجرد مشكلة اقتصادية بل «مشكلة سياسية» ناجمة عن اختطاف الاغنياء للنظام السياسي برمته (Stiglitz, The Price of Inequality, 2012, p. 32).
لأن السياسات ترسمها النخب لمصالحها مما يؤدي إلى اضعاف النقابات، زيادة تركز الاحتكار، تناقص تصاعدية الضرائب على اصحاب الدخول العالية واصحاب الثروات الأمر الذي ادخل المجتمع في حلقة مفرغة: غنى يولد نفوذًا سياسيًا، ثم نفوذ سياسي يضخم الثروة أكثر.
النتيجة: لم يعد المجتمع الامريكي يعاني من توزيع مختل يتمثل في حصة ال ٩٩٪؜ مقابل حصة ال ١٪؜ بل نخبة ال ١٪؜ مقابل بقية المجتمع.
يرجع ستيغليتز اصل المشكلة الى نظام التمويل السياسي الأمريكي الذي يسمح بتدفق الأموال من المتبرعين اصحاب المصالح لاليات الحملات الانتخابية. النتيجة الطبيعية هي سيطرة منفلته من قبل كبار المتبرعين على راسمي السياسات في السلطة التشريعية. ويضيف ان تزايد الاحتكار ليس ناجما عن اليات السوق، بل عن التشريعات التي تصممها القوى السياسية والاقتصادية المتحكمة.
لا يكتفي ستيغليتز بتشخيص المشكلة بل يقترح الحل وهو العودة عن مسبباتها، اي إصلاح النظام الانتخابي والتمويلي، إعادة تنظيم الأسواق لمنع الاحتكار، فرض ضرائب تصاعدية حقيقية، وتعزيز دور النقابات.

أمَّا بول كروجمان في كتابه The Conscience of a Liberal (2007) فإنه لا ينكر أثر المال السياسي على الانتكاسة في العدالة والزيادة في الاحتكار وخضوع السياسات للمتبرعين لكنه لا يجعله التفسير المركزي مثل ستيغليتز. بل يرى أن تغيير السياسات الضريبية، الاستثمار في التعليم والبنى التحتية، وسياسات الرعاية الصحية يمكن ان تكون الحل.
يعتمد بول كروجمان التفسير الكينزي العملي، وهو أن السياسات اليومية هي التي تسببت في ارتفاع معدل اللامساواة وبالتالي انهيار نموذج «عصر الازدهار» الذي ابتدأ عام 1945 وأخذ بالتلاشي منذ بداية الثمانينات وهي فترة حكم الرئيس ريغان في امريكا وتاتشر في بريطانيا.
يرى بول كروجمان أن السياسات المالية والتحفيز الحكومي كفيلان باستعادة العدالة في التوزيع وتحقيق النمو الاقتصادي بدلًا من انتظار تغير بنية النظام الاقتصادي جذريًا.
-توماس بيكيتي – القراءة التاريخية وتفوق رأس المال البنيوي

من جانب آخر يُقَدِم توماس بيكيتي في كتابه Capital in the Twenty First Century (2013) تفسيرا تاريخيًا طويل المدى، يُظهر أن معدل تراكم رأس المال ظل يتجاوز معدل النمو الاقتصادي. وأنه عندما يتجاوز معدل العائد على رأس المال معدل النمو الاقتصادي فإن الرأسمالية تؤدي اوتوماتيكيا الى الخلل المتقلب والمتزايد في معدلات العدالة. هذه العلاقة الديناميكية تجعل غياب العدالة سمة بنيوية للنظام الرأسمالي. وقد عبر توماس عن فكرته في المعادلة التالية:

‏ r > g,
حيث r هو معدل العائد على رأس المال، و g هو معدل النمو الاقتصادي.
الحل الذي يقدمه توماس للديموقراطيات الليبرالية هو فرض ضرائب تصاعدية عالية جدًا على الثروات والميراث، وإجراء إصلاحات عالمية لوقف هروب رأس المال.

تظهر هذه المقارنة أن أزمة الديمقراطية واللامساواة لا تنبع من سبب واحد، بل هي نتاج تفاعل بنيوي وتاريخي وسياسي معقد.
وأن معالجتها تتطلب الجمع بين إصلاح مسار وتطبيقات الديمقراطية ، اتباع سياسات كينزية عملية، وتغيير النظام الضريبي العالمي للحد من تأثير رأس المال العابر للحدود والرجوع عن فرضية ان تخلي الدولة عن التزاماتها الاجتماعية وخاصة الدعم وتطوير نظامي التعليم والصحة يؤدي الى تسارع النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات الدخل الفردي وتراجع معدلات الفقر والبطالة وتقلص عبء المديونية وهي فرضية ثبت فشلها خلال العقود الثلاث الفائتة.