القضاء الواقف (المحاماة) بين التقدم والتراجع المهني

27 ثانية ago
القضاء الواقف (المحاماة) بين التقدم والتراجع المهني

بقلم: المحامي حسين أحمد الضمور

في كل منظومة قضائية متقدمة، لا تكتمل العدالة دون حضور فعّال لـ”القضاء الواقف”، أعني بذلك مهنة المحاماة، التي تُعدّ ركنًا أساسيًا في إقامة ميزان العدل، جنبًا إلى جنب مع القضاء الجالس.
لكنّ واقعنا المهني اليوم يدفعنا للتساؤل بمرارة:
هل نحن في مسار تقدّمٍ حقيقي؟ أم أننا نتراجع خطوةً بعد خطوة، حتى أصبح المحامي يعاني في ساحات العدالة، ويبحث عن مساحة تحفظ له مكانته واحترامه؟

بين الأمس واليوم

كان المحامي يُنظر إليه كصوت العقل، والضامن الحقيقي لحقوق الأفراد في وجه التعسف أو التغوّل، وكان الحضور إلى جانبه في المحاكم جزءًا من مشهد العدالة المتكاملة.
أما اليوم، فثمة مظاهر لا تخطئها العين تدل على تراجع مهني واضح، منها:

تهميش دور المحامي في بعض الإجراءات القضائية والإدارية، وكأنه مُجرّد وكيل توقيع، لا شريك أساسي في سير العدالة.

ضعف التأهيل المستمر، حيث قلّ عدد الدورات التخصصية، وضعف الانخراط في التدريب القانوني العملي المتجدد.

التهاون بالشكليات المهنية التي كانت من قبل تمثل جزءًا من هيبة المحامي وموقعه، بدءًا من المظهر وحتى الالتزام الأخلاقي.

التنافس غير الشريف من قبل بعض المكاتب، في سباق كسب القضايا لا كسب العدالة.

مسؤوليتنا المشتركة

التراجع المهني ليس قدَرًا، بل نتيجة خلل في إدراك قيمة الدور الذي نؤديه كمحامين. نحن بحاجة إلى:
– وقفة مهنية نقابية حازمة، تُعيد الاعتبار لهيبة المحامي في المحاكم.

– مراجعة نظام التدريب، وجعله أكثر فاعلية وارتباطًا بسوق العمل وواقع المهنة.

– نشر الوعي بأخلاقيات المهنة، لأن من يضرب الأخلاقيات يضرب جوهر المحاماة نفسها.

– موقف تضامني أمام أي تعدٍّ على المحامي أثناء تأديته لواجبه، فالسكوت عن الإهانة الأولى يفتح الباب لتكرارها.

التقدم ليس رفاهية

لا يجوز لنا أن نكتفي بالتغني بماضٍ مهني جميل، بل يجب أن نعيد رسم الحاضر، ونصوغ مستقبلاً يُعيد للمهنة بريقها، وللمحامي احترامه، وللعدالة توازنها.

فالقضاء الواقف، إذا تقدّم، تقدّمت العدالة…
وإذا تراجع، خسر الجميع..
تحياتي..