عبدالرؤوف الروابدة.. شهادة رجل على وطن لم يشهد عليه زورًا

17 ثانية ago
عبدالرؤوف الروابدة.. شهادة رجل على وطن لم يشهد عليه زورًا

المهندس مدحت الخطيب

بقناعتي أن السياسة ليست مهنة للباحثين عن التصفيق، بل ميدانٌ لأصحاب الشجاعة في اتخاذ القرار وسط عتمة الصخب.

بهذا المعنى العميق، يمكن قراءة المشهد الذي رافق إشهار كتاب «شذرات من تاريخ الأردن» لدولة رئيس الوزراء الأسبق عبدالرؤوف الروابدة، في حفلٍ استثنائي فاق حضوره التوقعات، وارتفعت فيه رمزية المناسبة بعلوّ من حضرها: رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز، ورئيس الديوان الملكي يوسف العيسوي، ورئيس مجلس النواب، إلى جانب عدد كبير من رؤساء الوزراء السابقين، وحضور لافت من وزراء، وأعيان، ونواب، وشخصيات سياسية وأكاديمية، ونقابية واعلامية واقتصادية من مختلف أطياف الدولة.

أبدع المؤرخ الدكتور علي محافظة وهو يغوص في مدخلات الكتاب، كمن يفتح أبواب التاريخ بحذر العارف وحنكة العاشق، فسلّط الضوء على اللحظات المفصلية وصاغ من الوثائق والوقائع جسراً نحو الفهم العميق لما بين السطور.

أما الأستاذ أحمد سلامة، فقد تنفس الكلمات كما لو كانت عطرًا، ونثرها على السطور بذكاء الأديب الكاتب وصدق المُحب، وهو يرسم ملامح الدكتور عبد الرؤوف الروابدة، لا كسياسي عابر، بل كرمزٍ مشاكسٍ للفكرة، وندٍّ صلبٍ للحدث، ورجلٍ ظلّ حاضرًا في العتمة كما في الضوء.

صدر الكتاب عن مركز التوثيق الملكي، لكنه في مضمونه أبعد من التوثيق، هو سردية وطن بعيون رجلٍ لم تنكسر في الممرات الضيقة، ولم تتلوّن في محطات التردد. عبدالرؤوف الروابدة – كما عرفه الأردنيون – لا يشبه أحدًا، ولم يسعَ يومًا لأن يشبهه أحد.

نعم في زمنٍ يتكاثر فيه الصدى ويقل فيه الصوت، ظلّ الروابدة صوتًا واضحًا. لا يُراوغ في لغته، ولا يتخفّى خلف العبارات، قال كلمته حين صمت الآخرون، ووقف في موقع الاختلاف حين تدافع البعض نحو الانحناء. لذلك، لم يكن مجرد رجل دولة، بل ظاهرة سياسية فردية فريدة، ذات استقلالية فكرية وشخصية تشبه البدايات الكبرى التي صُنعت منها الدول.

لقد قرأ الروابدة الأردن من قلب التجربة، لا من هوامشها، وكتب شهادته لا ليُجمّل، بل ليقول: هذا ما كان، وهذه شهادتي فيه، لوطن لم يشهد علينا بزور، لكن وللأسف شهد الكثير من أبنائه عليه بذلك.

الكتاب عنوانه «شذرات من تاريخ الأردن»، لكنه في مضمونه صراحة كاملة لا تعرف الحذر، وذاكرة لا تُجمِّل التاريخ ولا تنقّيه. والاحتفاء به لم يكن احتفاءً بكتاب فحسب، بل بذاكرة رجلٍ نذر تجربته لتكون جزءًا من سردية الدولة الأردنية، الصادقة كما عاشها منذ عهد الراحل الحسين بن طلال وبداية عهد الملك عبدالله حيث كان أول رئيس للوزراء في عهد الملك عبدالله.

من يعرف الروابدة، يدرك أن حضوره لا يُقاس بعدد المقاعد التي تجتمع حوله، بل بثقل الكلمة التي يقولها، والثمن الذي لا يتردد في دفعه إن لزم الأمر.

يوم أمس عندها اقتربت منه لكي يوقع على نسختي من الكتاب نظر الي وقال مبروك النظارة صاير حلو أكثر ما عرفتك، نعم رجل يهتم بكل من حوله ويبتسم في وجه من يعرفه ومن لا يعرفه.

في زمن المواقف الرمادية، لا يزال عبدالرؤوف الروابدة متمسكًا بلونٍ واحد: صدقُ القول ووضوحُ الموقف. وهذا – بلا شك – ما يجعل من شهادته على التاريخ الأردني، شهادة يُحسب لها ألف حساب.

شذرات من تاريخ الأردن» ليست مجرد صفحات من الذاكرة، بل فصلٌ في سردية دولة لا تزال تبحث عن هويتها بين الموروث والحداثة، بين البدايات الصلبة والانكسارات الطارئة.

الروابدة، قال كلمته، ومشى، أما شذرات الكتاب فقد وضعتنا جميعًا أمام المرآة، وطرحت السؤال الكبير: هل كنا أوفياء بما يكفي لهذا الوطن؟؟
مقالي ليوم الأربعاء في الدستور
Medhat_505@yahoo.co