المهندس خالد بدوان السماعنة
رغم أن قانون التقاعد المبكر جاء في الأصل لتوفير مرونة للعاملين ومراعاة لظروفهم الاجتماعية والصحية، إلا أن التوسع في تطبيقه خلال السنوات الماضية بدأ يدق ناقوس الخطر بشأن مستقبل مؤسسة الضمان الاجتماعي في الأردن، ويثير تساؤلات جدية حول قدرتها على الاستمرار في الوفاء بالتزاماتها في العقود المقبلة.
وفقًا لبيانات رسمية صادرة عن المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، فإن أكثر من 58% من المتقاعدين الحاليين استفادوا من خيار التقاعد المبكر، وهي نسبة مقلقة تعني أن غالبية المشتركين يغادرون سوق العمل قبل بلوغ السن القانوني للتقاعد (60 عامًا للذكور، و55 عامًا للإناث). هذا الواقع يُنذر باختلال هيكلي في النظام التقاعدي، مع تراجع في عدد المشتركين النشطين وارتفاع مطرد في أعداد المتقاعدين الذين يتقاضون رواتب شهرية لعقود.
عبء مالي متزايد ,,,
المؤسسة تواجه ضغوطًا متزايدة ناجمة عن انخفاض إيرادات الاشتراكات، مقابل تصاعد فاتورة النفقات التقاعدية، وهو ما يجعل صندوق التقاعد أمام تحدٍ حقيقي في الحفاظ على استدامته المالية. خبراء اقتصاديون حذروا من أن استمرار الوضع الحالي سيؤدي إلى عجز فعلي في الصندوق بحلول عام 2030، مما قد يضطر المؤسسة لإعادة النظر في المعاشات أو تأخير صرفها، وهو سيناريو لم يكن مطروحًا قبل عقدين من الزمن.
لماذا يتجه الأردنيون للتقاعد المبكر؟ ،،،
تشير تحليلات اقتصادية واجتماعية إلى أن الإقبال الواسع على التقاعد المبكر لا يرتبط فقط بالظروف الصحية أو الإجهاد المهني، بل يرتبط أيضًا بواقع اقتصادي صعب، حيث يفضل كثيرون الخروج من سوق العمل للاستفادة من المعاش التقاعدي والبحث عن مصدر دخل آخر في القطاع غير الرسمي أو خارج البلاد.
غياب الحوافز للاستمرار في الوظيفة، وضعف الأجور، ومحدودية بيئة العمل الآمنة، كلها عوامل تدفع الأردنيين إلى التقاعد المبكر، حتى لو كان على حساب أمنهم المالي المستقبلي.
ومما زاد العبء التزام الوزارات بقرار إحالة موظف القطاع العام إلى التقاعد المبكر بعد إكماله خدمة (٣٠) عاما حتى ولو لم يصل سن تقاعد الشبخوخة.. وهو الأمر الذي أثر على جهتين معا (!)
الجهة الأولى: الموظف نفسه الذي أحيل إلى التقاعد المبكر قسرا ودون طلب أو رغبة منه، ثم تمت معاملته معاملة من طلب إحالته على التقاعد برغبته. وبهذا فقد حرم من جزء من راتبه التقاعدي وليس له ذنب إلا أنه أتم خدمة ثلاثين عاما سدد فيها كامل اشتراكات الضمان (٣٦٠ اشتراكا).
الثانية: إضافة عبء مالي جديد ومركب على مؤسسة الضمان الاجتماعي.
الحلول على الطاولة ،،،
في ظل هذه المعطيات، تتزايد الدعوات لإعادة النظر في شروط التقاعد المبكر، وفرض قيود أكثر صرامة عليه. فبعض المقترحات تدعو إلى رفع عدد الاشتراكات المطلوبة، وفرض خصومات أكبر على المعاش المبكر، وربط إمكانية التقاعد بواقع سوق العمل وليس فقط بعدد السنوات.
كما يقترح خبراء تبني سياسات تحفيزية تبقي الكفاءات في سوق العمل لأطول فترة ممكنة، وتحسين بيئة العمل، خصوصًا في القطاع الخاص، إلى جانب إطلاق حملات توعية حول الأثر السلبي للتقاعد المبكر على الأمن المالي للفرد والدولة.
الضمان الاجتماعي: الحاجة إلى إصلاح شامل،،،
لا شك أن مؤسسة الضمان الاجتماعي لعبت دورًا أساسيًا في تعزيز الأمن الاجتماعي والاقتصادي في الأردن على مدى العقود الماضية، إلا أن المرحلة الحالية تتطلب مراجعة جادة للسياسات والقوانين الناظمة لها، خصوصًا في ظل التحولات الديموغرافية والاقتصادية التي تشهدها المملكة.
فاستمرار الاعتماد على قانون تقاعد مرن دون ضوابط مالية صارمة، قد يقود إلى أزمة ثقة بين الأجيال، ويعرض النظام التقاعدي بأكمله لمخاطر وجودية.
الخلاصة ،،،،
التقاعد المبكر خيار شخصي له أسبابه وظروفه، لكنه لا يجب أن يتحول إلى باب خلفي لهدر أموال الأجيال القادمة.
الإصلاح ضرورة وطنية، والتوازن بين حقوق الأفراد واستدامة المؤسسات هو التحدي الحقيقي الذي يجب أن نواجهه بشجاعة وعقلانية.
دمت يا أردن بخير