بقلم: د. قاسم العمرو
في زمن تعيش فيه الخطابات النيابية على وقع المجاملة والتحفظ، جاء منشور النائب محمد جميل الظهراوي كصرخة مفاجئة، لاذعة، ومشحونة، تخترق جدار الإنكار الرسمي، وتلامس جراح الفقراء والمهمشين بلغة ساخرة لا تخلو من مرارة التجربة.
الظهراوي، الذي اعتاد أن يكون صوتاً احتجاجياً في البرلمان، لم يكتفِ هذه المرة بالتصريحات التقليدية تحت القبة، بل لجأ إلى منصته الشخصية ليكتب، لا كنائب، بل كواحد من أبناء الطبقات التي وصفها بـ”الملطمين” و”السكرجية الطفارى”، في محاولة رمزية للاقتراب من الواقع القاسي الذي يعيشه الأردنيون خارج دوائر الرفاه والنفوذ.
المنشور الذي جاء في هيئة خطاب مباشر، لم يُوجَّه إلى الحكومة فقط، بل إلى طبقة كاملة وصفها بـ”المليون الذهبي”، تتألف من كبار المسؤولين وأصحاب الثروات الذين يعيشون ـ حسب تعبيره ـ في رفاهية منفصلة عن معاناة الشعب. ووسط تعبيرات ساخرة مثل “يشربوش إلا مستورد” و”الناس بتلطم”، كان النائب يرسم صورة طبقية حادة تفصل بين من يملكون كل شيء، ومن لم يعد يملكون حتى القدرة على الشكوى.
لكن خلف هذا الأسلوب الساخر، تختبئ رسائل سياسية بالغة الأهمية. فالنائب يُحمِّل المسؤولية لحكومات متعاقبة، لم تُنتج إلا مزيداً من الإفقار والتهميش، ويشير إلى تورط بعض النواب أنفسهم في الصمت، أو التواطؤ، أو حتى التخلي عن دورهم الرقابي والتشريعي في مواجهة هذا التدهور.
كما أن المنشور يسلّط الضوء على ما يمكن وصفه بـ”أزمة المعنى” لدى النخبة السياسية والاقتصادية، إذ يحذّرهم ـ بنبرة قاسية ـ من أن استمرار هذا الانفصال عن الناس، قد يقودهم إلى عزلة فارغة، لا يجدون فيها جمهوراً يُصفّق أو مواطناً يُنافق أو محتاجاً يتوسل.
اللافت أن النائب ذاته، في نهاية المنشور، يُبعد نفسه عن طبقة “المليون الذهبي”، مؤكداً أنه ليس منهم ولن يكون، في ما يشبه التماهي مع المعاناة الشعبية، ومحاولة لإعادة تعريف الدور النيابي بوصفه تمثيلاً حقيقياً للمحرومين، لا امتيازاً على حسابهم.
إن ما كتبه النائب الظهراوي يستحق التوقف والتأمل، ليس فقط لما حمله من محتوى سياسي مباشر، بل لأنه يكشف حجم الاحتقان الكامن في النفوس، ويعكس بداية تحول في الخطاب النيابي نحو التعبير الصريح، وربما الصدامي، مع البنية السياسية والاقتصادية القائمة.
هي ليست مجرد كلمات عابرة، بل جرس إنذارٍ صاخب، بأن الصبر الشعبي قد ينفد، وأن الوقت قد حان لإعادة النظر في معادلة الحكم والتنمية والعدالة، قبل أن تتبدد الثقة، وتفقد “النخب” كل شيء.. حتى متعة التفوق الموهوم.