وطنا اليوم _د. محمد العزة
تتربع قضية الخلية الأمنية الـ16 التابعة لتنظيم جماعة الإخوان المسلمين المحظورة، وما تبعها من تداعيات، على رأس سلم قضايا الساعة في الساحة الأردنية. ولعلها أيضًا كانت أحد الأسباب الرئيسية التي أثارت النقاش والحديث حول تقييم الحالة العامة لأداء السياسة الحزبية، ومدى جاهزيتها لأي تغيرات أو تقلبات قد تستجد في المشهد السياسي.
ورب ضارة نافعة؛ إذ وجدتني أنتظر وأترقب دون كتابة عن العنوان أعلاه حينها، حتى جاءت الفرصة اليوم، لأفتتح به بوابة المكاشفة عبر هذا المقال، مستعيدًا ذاكرة الزمان من صفحتي الشخصية على “فيسبوك”، التي ذكرتني بتصريحات دولة فيصل الفايز، رئيس الوزراء الأسبق ورئيس مجلس الأعيان الحالي، والمنشورة بتاريخ 13/4/2023 عبر “عمون الإخبارية”، والتي كنت قد شاركتها لما حملته من أهمية وصدق وجرأة في الطرح، ووضوح في الرؤية النقدية الموضوعية.
كأن الزمان يعيد قرع الجرس في ذات التاريخ من كل عام، ليحمل إلينا رسالة يجب أن تُقرأ بتمعن، وتُترجم بوعي، ويُستخلص منها الدروس والتوصيات اللازمة.
تنويه مهم:
قبل الخوض في عرض المقال، وجب التنويه، وما أكثر ما نحتاجه في أيامنا هذه، حيث صارت حروفنا تحتاج إلى محامٍ ـ كما قال غسان كنفاني ـ “ننطقها ببراءة ويفهمها غيرنا بسوء”، وسط دعاة التشكيك والاتهام لكل من يكتب في الشأن الوطني دون تدقيق.
(المقدمة هنا جاءت لتوضح أسباب تأخر الكتابة عن الموضوع تزامنًا مع الذكرى، لأهمية الحدث وارتباطه بالعنوان. كما أنها درءٌ لأي محاولات غلو أو إساءة ممن قد يدّعون أن التوقيت غير ملائم للحديث عن شخصية سياسية بوزن أبي غيث، الذي أغنت مسيرته الطويلة في مواقع القيادة شهادته عن أي مديح، بعدما جمع بين الثقة الرسمية والعشائرية، دلالة على قدرته القيادية وحجم الثقة التي نالها.)
أولًا: الجبهة الداخلية ومخاطر التهديدات الخفية
في تصريحاته تلك، تطرق دولة فيصل الفايز إلى نقطتين رئيسيتين:
الأولى كانت أهمية الجبهة الداخلية الأردنية، وعوامل قوتها وضعفها ومخاطر تعرضها للانقسام.
رأى الفايز أن الأردن، رغم ما يواجهه، لا يعاني من تهديدات طائفية أو دينية كما في بعض دول الجوار، لكن هناك خطر أخطر وأدق يتمثل في تمييز الهويات المناطقية والعشائرية الفرعية.
ولفت إلى أن بعض القوى الخارجية الداعمة للتنظيمات المحظورة تسعى لتغذية هذا الانقسام، مضافًا إليه الصراع الأيديولوجي والعقدي الذي تمارسه جماعة الإخوان المحظورة.
طالما سعت هذه الجماعة إلى احتكار الوصاية على القيم والمبادئ الديمقراطية والشريعة الإسلامية، مستعملة مختلف الأقنعة والأغطية، لتخفي وجهها الحقيقي كتنظيم ذي ذراع مسلح يدعو للعسكرة إذا خالفه الآخرون.
ولهذا، جاء حسم الدولة الأردنية بقرار حظر هذا التنظيم بشكل قاطع، صونًا لوحدة الجبهة الداخلية.
ثانيًا: الأحزاب السياسية ومتطلبات التحديث
أما النقطة الثانية التي أشار إليها الفايز، فكانت متعلقة بالحياة الحزبية، وقدرتها على حمل عبء المسؤولية السياسية القادمة.
أكد أن الأحزاب السياسية آنذاك، ولا تزال حتى اليوم، غير مكتملة النضج، ولا مهيأة بعد لتشكيل حكومات برلمانية حزبية بالمعايير المطلوبة. وقد جاءت ملاحظة لاحقة متطابقة مع هذا الطرح من نائب رئيس مجلس الأعيان، سمير الرفاعي.
رؤية الفايز كانت منسجمة تمامًا مع التوجه الملكي الذي دعا إلى أحزاب وطنية برامجية، لا قائمة على الفرد الواحد أو المصالح الضيقة، بل أحزاب جماعية سياسية تستند إلى فكر وطني جامع، تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة وتستطيع اتخاذ القرارات الاستراتيجية.
لقد بينت تصريحات الفايز أن نمطية الأحزاب التقليدية ستظل عائقًا في وجه مشروع التحديث السياسي، خصوصًا بعدما أصبحت الشخصيات الفردية عبئًا على مؤسسة العرش والملك، الذي اضطر مرارًا إلى التدخل لحل مشكلات كان يمكن تسويتها داخليًا لولا ضعف الإدارة والأداء.
رسالة نيسان: رؤى وتحذيرات
رسالة فيصل الفايز كانت واضحة:
الملك يريد رجالًا أمناء قادرين على حمل المسؤولية وتقاسم الأعباء الداخلية، بما يخفف عن كاهله أثقال الملفات المتراكمة.
متانة الجبهة الداخلية، كما أشار الفايز، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بنوعية الإدارة الحكومية القادمة وقدرتها على معالجة الفقر والبطالة، وحماية النسيج المجتمعي، وإعادة بناء جسور الثقة بين الشعب والحكومة.
الشعب الأردني، كما يرى الفايز، قادر على إنتاج أحزاب سياسية برامجية حقيقية، في ظل إرادة ملكية جادة بمنح الأحزاب الدور الأكبر في إدارة المشهد السياسي، بعيدًا عن الأحزاب المؤدلجة أو الفردية أو التقليدية المتصلبة.
الخلاصة: وصفة المستقبل
خلاصة رسالة دولة فيصل الفايز في نيسان كانت:
“لا نريد يسارًا مؤدلجًا متشنجًا، ولا يمينًا عقائديًا مسيسًا، ولا وسطًا محافظًا غارقًا في البيروقراطية والمرجعيات التقليدية المتصلبة.
البرامجية الحزبية هي الخيار الأمثل.
وليكن شعارنا: الأردن يختار المستقبل بأدوات المستقبل ليكون أقوى وأفضل.”
حمى الله الأردن موحدًا بشعبه وقيادته الهاشمية، عزيزًا، كريمًا، آمنًا مطمئنًا، مستقرًا، سندًا لقضيته العادلة: القضية الفلسطينية.