آفاق التعاون التجاري بين الأردن وسوريا: من الأزمة إلى الفرصة

منذ 43 ثانية
آفاق التعاون التجاري بين الأردن وسوريا: من الأزمة إلى الفرصة

د. رعد محمود التل

شهد التبادل التجاري بين الأردن وسوريا تحولات كبيرة على مدار السنوات، حيث كان يُعتبر في فترة سابقة واحدًا من أوجه التعاون الاقتصادي المثمرة، إلا أنه مع تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية في سوريا، تأثرت العلاقات التجارية بشكل كبير، ما أدى إلى تراجع ملحوظ في حجم التبادل التجاري. هذا التراجع انعكس في انخفاض حصة كلا البلدين في الصادرات والواردات، إلا أن هناك فرصًا متزايدة لإعادة تفعيل التعاون التجاري بينهما مع التحولات الكبيرة التي حدثت مؤخراً في سوريا.
أحدث دراسات منتدى الاستراتيجيات الاردني تشير الى أن التبادل التجاري بين الاردن وسوريا قبل عام 2011، قد بلغ مستويات مرتفعة تجاوزت حاجز نصف مليار دولار سنويًا، إلا أن هذه العلاقات تأثرت بشكل كبير بعد بداية الأزمة السورية في 2011، مما أدى إلى انخفاض حجم التبادل التجاري ليصل في عام 2023 إلى 182 مليون دولار فقط. كما انخفضت حصة الصادرات الأردنية إلى سوريا من 5.4% في 2007 إلى أقل من 1% في 2023، بينما انخفضت حصة الواردات من سوريا من 2.7% إلى 0.2% في نفس الفترة. كما تراجعت أنواع السلع المتبادلة بين البلدين من حوالي?75 مجموعة سلعية إلى أقل من 45 مجموعة في 2023.

من أبرز القطاعات التي تأثرت، نجد المنتجات الغذائية مثل الألبان والخضراوات، إلى جانب صناعات السجاد والأسمنت. تأثرت أيضًا الواردات الأردنية من سوريا بشكل ملحوظ بعد عام 2011، نتيجة لانقطاع العديد من الصناعات السورية عن التصدير إلى الأردن، حيث كان من أبرز المنتجات المتأثرة المنتجات النفطية، الحديد، والصناعات الغذائية.

بسبب كل تلك التحديات الكبيرة، تزداد الحاجة للاردن اليوم كعمق استراتيجي لسوريا أكثر من أي وقت مضى، فبعد مرور أكثر من عقد على الأزمة السورية، يواجه الاقتصاد السوري تدهورًا حادًا، حيث تقلص الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 85% من 67.5 مليار دولار في 2011 إلى 9 مليارات دولار في 2021، وفقًا لتقديرات البنك الدولي. كما انخفضت قيمة الليرة السورية بشكل كبير، حيث فقدت أكثر من 90% من قيمتها مقابل الدولار، مما أدى إلى ارتفاع التضخم بشكل كبير. هذا الوضع جعل الأردن يتصدر الحاجة كداعم استراتيجي لسوريا في مرحلة إعادة الإعمار.
لا يزال لكل من الأردن وسوريا مزايا نسبية في قطاعات مختلفة، حيث يتمتع الأردن بميزة في تصدير بعض المنتجات الصناعية، مثل الأسمدة، المركبات العضوية وغير العضوية، بالإضافة إلى المنتجات الإنشائية مثل الأسمنت والحديد، كما يبرز في الصناعات الغذائية وصناعات التعبئة والتغليف. في المقابل، تتمتع سوريا بميزة نسبية في قطاعات مثل الصناعات الغذائية، الجلدية.

ومع قرب الأردن الجغرافي من سوريا، يبرز قطاع النقل والخدمات اللوجستية نقطة محورية لتعزيز التعاون بين البلدين. يمكن أن يسهم ذلك بشكل كبير في تسهيل حركة النقل وتوفير الحلول اللوجستية اللازمة لدعم عمليات إعادة الإعمار في سوريا. وبفضل بنية الأردن التحتية المتطورة في النقل البري والجوي، يمكن أن يلعب دورًا استراتيجيًا في تسريع حركة البضائع إلى السوق السوري.
لا شك أن هناك فرصاً كبيرة لتعزيز التعاون الاقتصادي بين الأردن وسوريا في المستقبل، يمكن للأردن الاستفادة من السوق السوري لزيادة صادراته من الأسمدة، الأدوية، والمعدات الهندسية. من جانب آخر، تستطيع سوريا أن تقدم للاردن منتجات متميزة في مجالات مثل المواد الغذائية والصناعات الجلدية. إذا تم إعادة فتح قنوات الحوار بين القطاعين الخاصين في كلا البلدين، فسيتمكنان من إيجاد فرص تجارية جديدة وتعزيز التكامل بين اقتصادهما، مما سيساهم في تحسين الوضع الاقتصادي لكلا الطرفين.
كما أن بناء شراكات مبتكرة بين الشركات التكنولوجية الأردنية والسورية، يمكن ان يوفر حلولاً جديدة لاحتياجات السوق السوري، خاصة في مجالات التجارة الرقمية، حلول الدفع الإلكتروني، وتطوير التطبيقات الذكية التي تسهم في رفع كفاءة الأعمال التجارية.
ويملك الأردن القدرة على أن يساعد في تدريب الكوادر السورية على التقنيات الحديثة وتوفير الموارد اللازمة لتسريع التحول الرقمي في سوريا. هذا التعاون لا يقتصر فقط على التبادل التجاري، بل يشمل أيضًا نقل المعرفة والخبرة في مجال التكنولوجيا، مما يعود بالنفع على الاقتصاد السوري في مرحلة ما بعد الأزمة.
من خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية في هذه المجالات المتنوعة، سيكون لدى الأردن وسوريا الفرصة لبناء مستقبل اقتصادي مستقر وقوي، فالتعاون بين البلدين في هذه القطاعات لن يكون مجرد تبادل تجاري، بل سيمثل منصة لتطوير قطاعات جديدة تساهم في رفع مستوى النمو الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة. ومن خلال إعادة بناء الثقة بين القطاعين الخاصين في كلا البلدين والعمل معًا لتطوير حلول مبتكرة، يمكن للأردن وسوريا أن يعززا من مصالحهما المشتركة ويوجها اقتصاديهما نحو آفاق أوسع من التعاون والازدهار المشترك.

رئيس قسم الاقتصاد – الجامعة الاردنية