رفع الحد الأدنى للأجور: هل مصلحة المواطنين أقل أهمية من المستثمرين؟

16 ديسمبر 2024
رفع الحد الأدنى للأجور: هل مصلحة المواطنين أقل أهمية من المستثمرين؟

كتب الدكتور محمد الهواوشة :

منذ عام 2021، بقي الحد الأدنى للأجور في الأردن ثابتاً عند 260 ديناراً أردنياً، في تجاهل واضح للواقع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه المواطن الأردني. لو تم تفعيل قرار تعديل الحد الأدنى للأجور بشكل سنوي، كما هو مفترض وفق قرارات اللجنة الثلاثية لشؤون العمل، وبزيادة 40 ديناراً سنويًا فقط، لكان الحد الأدنى الآن 420 ديناراً أردنياً على الأقل. ولكن يبدو أن الحكومة، وعلى رأسها رئيس الوزراء جعفر حسان، تخشى أن يمس هذا القرار مصالح المستثمرين وصندوق الضمان الاجتماعي أكثر مما تهتم بحياة العاملين اليومية.

أين الخلل؟

الحكومة ملزمة قانونيا بتطبيق قرار اللجنة الثلاثية الصادر في 24 فبراير 2020، والذي نص على رفع الحد الأدنى للأجور بواقع 260 دينارًا اعتبارًا من 2021، وزيادته سنويًا بناءً على نسب التضخم أو وفق سياسة واضحة تراعي ارتفاع تكاليف المعيشة. ومع ذلك، فإن هذا القرار لم يُفعّل فعليًا، مما يعكس تفضيل الحكومة لمصالح الضمان الاجتماعي والمستثمرين على حساب العمال الذين يعانون من تدني مستويات الدخل في ظل ارتفاع الأسعار.

لو تمت الزيادة السنوية المتوقعة بـ 40 دينارًا فقط لكل عام، فإن الحد الأدنى للأجور كان سيصل اليوم إلى 420 دينارًا. ومع ذلك، حتى هذا الرقم يظل غير كافٍ لتغطية الاحتياجات الأساسية للمواطن، حيث تشير التقارير إلى أن تكلفة المعيشة لعائلة صغيرة تفوق 600 دينار شهريًا، مما يعني أن الحد الأدنى الحالي لا يغطي سوى أقل من نصف الاحتياجات الأساسية.

المستثمرون أولاً.. والمواطن أخيراً

تخشى الحكومة أن يؤدي رفع الحد الأدنى للأجور إلى زيادة التكاليف التشغيلية على الشركات والمستثمرين، ما قد يؤثر على استثماراتهم. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تكون مصلحة المستثمرين دائمًا على حساب العمال؟

في الواقع، رفع الحد الأدنى للأجور لا يُشكل عبئاً على الاقتصاد كما تدعي الحكومة. بل على العكس، يمكن أن يعزز من القوة الشرائية للمواطنين، مما ينعكس إيجاباً على السوق المحلي عبر زيادة الاستهلاك ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة. الدول التي رفعت الحد الأدنى للأجور، مثل تركيا، أثبتت أن هذه الخطوة تساهم في تنشيط الاقتصاد بدلاً من الإضرار به. تركيا، رغم التحديات الاقتصادية الكبيرة، رفعت الحد الأدنى للأجور في 2024 إلى 17,000 ليرة تركية (حوالي 530 ديناراً أردنياً)، وهو رقم يعكس التزامها بتحسين حياة مواطنيها.

الحكومة في مواجهة الأرقام

حسب الخبراء، بلغت نسب التضخم التراكمية في الأردن منذ عام 2021 حوالي 8.2%. ومع غياب أي زيادات سنوية، أصبح العامل الأردني يواجه تكاليف معيشية تتزايد بسرعة دون أي تعديل يتناسب مع هذا الواقع.

إن الأسعار ارتفعت بشكل كبير خلال السنوات الماضية، حيث تجاوزت تكلفة الإيجار في اسوء المناطق 250 دينار، بينما تضاعفت أسعار السلع الأساسية مثل الأرز، السكر، والزيوت، مما يجعل مبلغ 281 ديناراً لا يكفي سوى لبضعة أيام في الشهر.

الضمان الاجتماعي.. عذر واهٍ

تدّعي الحكومة أن رفع الحد الأدنى للأجور قد يضر بصندوق الضمان الاجتماعي نتيجة زيادة الالتزامات المالية. لكن الحقيقة أن رفع الأجور يساهم في زيادة إيرادات الضمان الاجتماعي من خلال اشتراكات أعلى. هذه الإيرادات الإضافية يمكن أن تُستخدم لتحسين خدمات الضمان الاجتماعي وتعزيز استدامته على المدى الطويل.

أما المخاوف بشأن المستثمرين، فيمكن معالجتها من خلال تقديم حوافز ضريبية أو دعم للشركات الصغيرة والمتوسطة، بدلاً من تحميل العامل الأردني وحده عبء الحفاظ على التوازن الاقتصادي.

رسالة إلى الحكومة

إن رفع الحد الأدنى للأجور إلى 281 ديناراً كما هو مقترح الآن يعكس فجوة واضحة بين قرارات الحكومة واحتياجات المواطن الأردني. هذا الرقم لا يغطي إلا جزءاً بسيطاً من تكلفة المعيشة الأساسية، ومع ذلك، فإن الحكومة تستمر في تجاهل هذه الأزمة الاجتماعية.

رفع الحد الأدنى للأجور إلى 300 ديناراً على الأقل هو خطوة ضرورية لتخفيف العبء عن المواطن، ولكنها ليست كافية. على الحكومة أن تتحمل مسؤوليتها وتطبق زيادات سنوية عادلة، مع الأخذ في الاعتبار نسب التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة.

على رئيس الوزراء جعفر حسان ووزير العمل خالد البكار أن يدركا أن الاستمرار في تجاهل هذه القضية سيؤدي إلى تفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، وسيفقد المواطن ثقته في الحكومة. إن تجاهل حقوق المواطنين ليس فقط أمراً غير عادل، بل هو سياسة قصيرة النظر تهدد استقرار البلاد على المدى الطويل.

خلاصة

لقد آن الأوان للحكومة أن تنحاز لمصلحة المواطن الأردني الذي يعاني من تدهور القدرة الشرائية وارتفاع تكاليف المعيشة. رفع الحد الأدنى للأجور إلى 420 ديناراً هو أقل ما يمكن فعله لتعويض سنوات من التقاعس عن تطبيق القرارات السابقة. إذا كانت الحكومة جادة في تحقيق العدالة الاقتصادية، فعليها أن تتخذ خطوات جريئة لضمان حياة كريمة لجميع العاملين في الأردن