وطنا اليوم:”ليلة معتمة في غزة، لا طعام ولا وقود ولا مياه ولا كهرباء ولا إنترنت مع تواصل للقصف العنيف على القطاع.. هذا ما يحدث في غزة كل ليلة ولم نخبركم عنه”، بهذه الكلمات عبّر الصحفي الفلسطيني محمود ذكي العامودي في تغريدة على موقع “إكس” عن معاناة أهالي قطاع غزة اليومية مع دخول الليل.
معاناة الفلسطينيين اليومية مع الليل منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة جعلت عبارة “أجا الليل وأجا همه” من الأكثر العبارات اليومية انتشارا بين الناس، ووصل صداها إلى مواقع التواصل الاجتماعي.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي بدعم أميركي مطلق حرب إبادة جماعية على القطاع، أسفرت لحدود الساعة عن أكثر من 144 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
ولشرح الحالة وتوضيحها، نشر الناشط الفلسطيني في تدوينة على موقع إكس فيديو لسيدة تحتضن طفليها وتحاول تهدئتهما أثناء القصف الإسرائيلي، وعلق على المشهد قائلا “حالنا وحال كل بيت كل يوم وكل لحظة في غزة، نساؤنا ينمن بملابس الصلاة وأطفالنا ينامون بصعوبة وبكاؤهم لا ينقطع.. اللهم آمن روعاتنا واستر عوراتنا”.
فيلم رعب
“الجو الآن أشبه بفيلم رعب حقيقي!.. عتمة شديدة وظلام دامس، وقصف مدفعي من الدبابات، و(قصف) جوي من الطائرات، وأصوات لشظايا تتطاير بفعل ضربات الموت”، مشهد آخر لحالة الرعب الليلية وهذه المرة على لسان الصحفية الفلسطينية علا عطا الله.
وتضيف عطا الله، في تدوينة على موقع إكس بتاريخ 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، “عواصف ورياح ومطر غزير على البيوت المفتوحة نوافذها، وأصوات الكلاب الضالة التي لا تهدأ، وليل مدينة غزة معجون بالقلق والخوف.. ليلها لا يغفو ولا ينام”.
20 يوميا فقط مرت على كتابة هذه السطور قبل أن تنضم الصحفية الفلسطينية علا عطا الله برفقة عائلتها إلى قوائم الشهداء بقصف إسرائيلي استهدف منزلها في حي الدرج بمدينة غزة مساء الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2023.
لا توجد ليلة هادئة منذ بداية الحرب، هذا ما تؤكده أم صلاح من جباليا شمالي غزة، وتضيف “نحن صامدون في غزة رغم أننا نرى الموت أمامنا في كل يوم وكل ثانية، ومع ذلك أحاول أن أضع حجرا على قلبي وألا أظهر الخوف أمام أطفالي حتى لا أشعرهم بالخوف والضعف”.
وتقول في حديث “في كل ليلة يستيقظ أطفالي عدة مرات مرعوبين مع كل غارة إسرائيلية، ثم يعودون للنوم مرة أخرى، لقد أصبحوا يفرقون في عتمة الليل بين أصوات القذائف، فهذا صاروخ طائرة إف 16، وهذا صاروخ طائرة زنانة، وهذه قذيفة مدفعية”.
وتؤكد أم صلاح أنه مع استمرار القصف وانقطاع الكهرباء، لا يفارق الكشاف الصغير أو كشاف الهاتف المحمول أيدي أمهات قطاع غزة طوال الليل، فهي -مثلهن- تطمئن به أبناءها الخائفين من الظلام، وتطمن به عليهم وعلى سلامتهم.
وتشير إلى أنها مثل كل الأمهات في غزة لا تأخذ حظها من النوم بسبب الخوف الشديد على أطفالها وخاصة عندما يكون القصف قريبا وتتطاير الشظايا والغبار في كل مكان. وتضيف “الحقيقة أن كل أمّ في غزة تنتظر الصباح بفارغ الصبر”.
كابوس يومي
بدوره، يقول المحامي والناشط الحقوقي مروان البرش إن “الليل في غزة وخاصة في منطقة جباليا كابوس حقيقي حيث لا توجد إضاءة أو كهرباء، ووسط الظلام الدامس تنهمر كافة أنواع القذائف والصواريخ من السماء كالمطر”.
ويضيف “أهل غزة لا يذوقون النوم في الليل حيث يجتمع عليهم الظلام، والقصف الذي لا يتوقف، والبرد الشديد وعدم وجود مأوى حيث يفترشون الخيام خارج البيوت المدمرة”.
بداية من صلاة المغرب وحتى السادسة صباحا لا يستطيع أحد الخروج من بيته أو خيمته في مراكز الإيواء، بحسب البرش، الذي يؤكد أنه لا يوجد أي شخص يجرؤ على الحركة ليلا في شوارع شمال قطاع غزة، ومن يتحرك يتم استهدافه مباشرة بالطائرات المسيرة (الزنانة) أو “كواد كابتر”.
ويتابع “الناس تخاف ليلا من قذائف المدفعية أكثر من الصواريخ، لأن الصواريخ تكون موجهة وتقتل مباشرة، أما المدفعية فتسقط بشكل عشوائي وتخلّف إصابات مروعة وبترا للأطراف، وفي ظل عدم توفير خدمات طبية يصبح المصاب ميتا مع وقف التنفيذ”.
ويشير البرش إلى أنه مع غروب الشمس، تجمع كل أم أولادها حولها ولا تستطيع النوم طوال الليل خوفا عليهم، أما الأطفال فلا يتوقفون عن البكاء، فهم يعيشون في رعب طوال الليل مع تساقط القذائف بالقرب منهم.
ويختم حديثه قائلا “مهما حاولت سأعجز عن وصف وضعنا مع الليل لأنه صعب جدا، فمع دخول وقت أذان المغرب يسيطر الخوف على قلوب أهالي غزة، صحيح أن الناس أصبحت لا تخاف من الموت، لكنهم يخافون بالطبع على أولادهم وزوجاتهم، ويحاولون حمايتهم قدر المستطاع”.