د. عادل يعقوب الشمايله
الكلماتُ، والمفرداتُ، والأفكارُ، والاراءُ والكتبُ والأشعارُ، والعاداتُ والتقاليدُ يشيخُ بعضها ويهرم، وتصبحُ مُنتهيةَ التاريخِ وغيرَ صالحةٍ للاستهلاك expired مَثَلُها مَثَلُ الاطعمة. ورغم انَّ شركات تصنيع الاغذية تُضيفُ مواد حافظة لتطيل فترةَ الصلاحيةِ الا انها لا ريبَ ستفسدُ لذلك تحددُ فترةُ صلاحية استهلاكها. لذا، يَجِبُ أن يُسمحَ للافكار والمقولات والعادات والكتب.. أن تموتَ موتاً رحيماً وأن يُصارَ الى دفنها وإهالة الترابِ عليها حتى لا تتسببَ بهرمِ وموتِ وربما قتلِ معتنقيها والمروجين لها. وإذا كان إكرامُ الميتِ دفنهُ، فإن الموتَ الرحيمَ للمرضى الذين يتعذبون يقعُ في باب الإحسان.
الموتُ سنةٌ من سُنَنِ الحياة، وكذلك النموُ والاخضرارُ والإزهارُ فالذبولُ فالنشفان.
في عالمنا العربي والاسلامي نعترفُ بموتِ الاشخاص بمن فيهم من نحبُ، ونتقبلُ التعازي بعد دفنهم، لكننا نُصرُ على الخلود للافكارِ والاراءِ والكتبِ والعاداتِ والأعرافِ البالية، ونتعامى عن هرمها وعجزها وتهاويها ورائحتها الكريهة وما تُسَبِبهُ للامة من الهرم والعجز والانحطاط.
عندما يكونُ رأس ُ الإنسانِ مُعَبئاً ومحشواً بالخرافاتِ والمقولاتِ الفاسدةِ والمغالطاتِ وجيناتِ التخلفِ ورفضِ العلومِ والاكتشافاتِ والتحديثِ، والاصرار على أن يكون بمثابةِ ابريقٍ من الفخار من الاباريق المعروضة في المتاحف او مومياء محنطة على أنه يُمثلُ انجازات العصر البرونزي او البيزنطي او الروماني او الفرعوني او سيف جنكيز خان أو منجنيق الحجاج، فإنهُ لا يكونُ يعيشُ عصرهُ، أي أنهُ ميتٌ فعلياً مُنذُ قرون.
الخلاصةُ: أنَّ لكلِ جيلٍ كاملَ الحقِ بأن يعيشَ حياتهُ ويطورَ ما يُصلِحُ حالهُ وما يُمَكِّنهُ من التغلبِ على مشاقِ الحياةِ والحصولِ على هنيهاتِ سعادة. ولا يَحقُ للامواتِ ان يتمددَ ويُمَددَ حُكمهم ليستمرَ تَحَكُمهم بحياةِ وشؤونِ وافكارِ الأجيالِ التي تأتي بعدهم. لأن هذا مخالفٌ للهدفِ من خلقِ الانسانِ كخليفةٍ، وَلِسُنَّةِ الموت وَسُنَّةِ التوالد اللتان تكفلان تحَقُقَ الخلافةِ او الحلول والتعاقب. ولهذا السبب كانَ شبابُ الدينِ يتجددُ بتوالي وتتالي إرسالِ الانبياءِ والرسلِ والكتبِ والشرائع.
ولهذا السبب أيضاً ذَمَّ القرانُ أهلّ مكةَ عندما رفضوا الدين الجديد الذي جائهم به النبيُ محمد، لأنهم اجابوه : ( إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون ( 22 ) وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ( 23 ) قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون ( 24).
المُلحدونَ بالعلم وعطاءاته وانجازاته ونِعمهِ سبقَ وأن رفضوا الالة الطابعة والتلفون والبرقيات (كبديل للحمام الزاجل) ورفضوا التلفزيون والطائرة والسفن الفضائية …الخ واعتبروها مخالفةً للدين ويتمسكون بكل ما هو قديم ويربطون الامة بحبل قصير مربوط بوتد حديد عميق.
صحيحٌ أن التحنيط حافظ على هيكل الجسد البشري المُحنط، ولكن التحنيط لم يحتفظ بحياة الميت ولا حيويتهِ ولا جمال خلقه. مجرد جلدٍ ناشفٍ متجعد.