ابتلينا في هذا العالم بحية رقطاء في صورة خنزير تسرح في سوق النخاسة وتمرح … وتمتهن العهر الفكري والسياسي في المحافل الدولية، بل وفي كل محفل … وتقامر بأمن الناس وأوطانهم على موائد الصيارفة لقاء حفنة من المال .. والنتيجة المحسومة والمصير في كل مرة: الطرد والإبعاد بعد قضاء الوطر منها .. تماما كمصير كل العاهرات على مر التاريخ.
هذا حال ينطبق جملة وتفصيلا على تلك الثلة المجرمة التي استهدفت أمن عرين ابن الحسين مرات ومرات – ولم ولن يفلحوا بإذن الله – كان آخرها ما جرى على تراب أردننا الغالي على قلوب أبنائه، وعند كل شريف حر في عالمنا العربي والإسلامي.
إرهاب دولة وأيادي تمتهن الخراب باسم الدين والجهاد والممانعة والمقاومة.
ألا يقرأ هؤلاء؟ ..وهيهات هيهات ف« حب القراءة في كتب العلم من النعيم المعجّل للمؤمن في الدنيا» .. أم لعلهم قرأوا وما فقهوا (جهلوا).. وليتهم إذ جهلوا سألوا .. فإنما شفاء العي السؤال .. ولكني أحسبهم قد جهلوا وماعرفوا أنهم جهلوا .. كما قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَـٰكِن لَّا يَعْلَمُونَ ). وأي ضلالة أعظم من هذا.
يذكرني حال هؤلاء برجل كان يدعى “توما” الحكيم – ولم يكن يوما أبدا حكيما- .. وإنما كان ابنا لرجل حكيم فمات الأب وورث توما كتب أبيه فقرأها فما أحسن قراءتها .. وفهمها فهما أعوجا أدى به أن يفتي الناس فتاوى مقلوبة حتى أنه قرأ في بعض كتب أبيه أثر «الحبة السوداء شفاء مِن كلّ داء»، فقرأ كلمة «الحبة» ب «الحية» فجعل يردد «الحية السوداء شفاء مِن كلّ داء»، حتى أنه تسبب بموت خَلق كثير.
يقول الإمام أبو حيان النحوي:
يظن الغمر أن الكتب تهدي،، أخا فهم لإدراك العلوم.
وما يدري الجهول بأن فيها،، غوامض حيرت عقل الفهيم.
إذا رمت العلوم بغير شيخ،، ضللت عن الصراط المستقيم.
وتلتبس الأمور عليك حتى ،، تكون أضل من توما الحكيم.
وقال آخر:
قال حمار الحكيم توما:
لو أنصفوني لكنت أركب ,, لأنني جاهل بسيط ،، وصاحبي جاهل مركب..
يا إخوة الجهل !
الأردن دوحة الهاشميين من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.. وهذا الواقع يكاد يكون نادرا .. ولهذا الواقع نور يفتح به الله على كل ذي فهم.
من جميل ما قرأت – والحديث بالحديث يذكر – ما جاء في كتاب الحافظ ابن كثير رحمه الله الجامع الماتع والمسمى “البداية والنهاية” نص يقول فيه الآتي:
“اجتمع الصحابة يوم السقيفة على أن الإمارة لا تكون إلا في قريش، واحتج الصديق بالحديث في ذلك، حتى أن الأنصار سألوا أن يكون منهم أمير مع أمير المهاجرين فأبى عليهم الصديق ذلك”. انتهى.
ولفت نظري هنا التأصيل في أن الحكم والسلطان والإمامة لا يكون إلا في قريش !!! وليس المراد بالإمامة هنا الإمامة في الصلاة، أو الولاية في مال القاصر، فهذه وأشباهها إمامة خاصة، لكن المراد بالحديث هنا: الإمامة العامة، وهي الإمامة العظمى.
والقرشي هو المنتمي لقبيلة قريش، وقريش هم ولد النضر بن كنانة، دل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: “إنا بني النضر بن كنانة لا نـقفوا أمنا، ولا ننتفي من أبينا”. فهذا النص النبوي فصل في محل النزاع وتحديد من هم قريش.
ولقد استدعى مني هذا النص أن أبحث عن هذا الخبر النبوي وأن أكشف عن مدى صحته .. ووجدت هذا الخبر عند الإمام أحمد في مسنده بسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه: “الأئمة من قريش”.
وهذا الأثر وجدت الحافظ ابن كثير قد صححه، وابن الملقن في كتاب “البدر المنير”، والحافظ العراقي في كتاب “المغني عن حمل الأسفار”، بل ويأتي الحافظ ابن حجر فيقول في كتابه “التلخيص الحبير”: “وقد جمعتُ طرقه في جزء مفرد عن نحو من أربعين صحابيًا”. وقد سمى ابن حجر هذا الجزء ب “لذة العيش في طرق حديث: “الأئمة من قريش” .. وليس هذا وحسب بل ووجدت من المعاصرين الشيخ المحقق شعيب الأرناؤوط قد صحح الأثر .. ووجدت أن أصل الحديث في الصحيحين وإن كان بغير هذا اللفظ .. حتى أن بعض العلماء القدامى عد هذا الأثر من قبيل الحديث المتواتر: كالإمام ابن حزم، وابن تيمية، وابن الجزري، وعلي القاري، والإمام السيوطي في الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة، وذكره الكتاني في نظم المتناثر في الحديث المتواتر.
إن هذا الأثر قد جاء واضحا صريحا في كون الإمامة العظمى والإمارة لا تكون إلا في قريش.
ثم زاد الإمام مسلم الأمر جلاء فيما رواه في صحيحه بسنده عن واثلة بن الأسقع قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: : “إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم”.
وما أجمل ما علق به الإمام البقاعي رحمه الله على هذا الأثر فقال:” قال العلماء: وذلك أن طيب العنصر يؤدي إلى محاسن الأخلاق، ومحاسن الأخلاق تؤدي إلى صفاء القلب، وصفاء القلب عون على إدراك العلوم، وبإدراك العلوم تنال الدرجات العلا في الدنيا والآخرة”.
ثم ما لبثت أن طلبت المزيد حول أثر ” الأمراء من قريش” وهو أن أبحث عن طريقة تعامل العلماء السابقين من كبار التابعين وتابعيهم مع هذا الخبر والأثر النبوي فوجدت أن الإجماع قد انعقد على ذلك .. وكان مستند هذا الإجماع ما رواه الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” الناس تبع لقريش في هذا الشأن، مسلمهم تبع لمسلمهم وكافرهم تبع لكافرهم .” متفق عليه.
حتى أن إماما مبجلا كالإمام النووي -رحمه الله- يعلق على هذه الكلية ( ولا أقول جزئية ) فيقول كما في شرحه لصحيح مسلم :
“هذا الحديث وأشباهه دليل ظاهر على أن الخلافة مختصة بقريش، لا يجوز عقدها لأحد غيرهم، وعلى هذا انعقد الإجماع في زمن الصحابة، فكذلك من بعدهم”. انتهى.
وأزيد القاريء من الفائدة أن هذا الإجماع لم يقتصر نقله على النووي بل نقله غيره .. قال القاضي عياض – نقله عنه الحافظ ابن حجر في الفتح- : “اشتراط كون الإمام قرشيًا مذهب العلماء كافة، وقد عدوها في مسائل الإجماع، ولم ينقل عن أحد من السلف فيها خلاف”. انتهى. وممن حكى الإجماع – أيضاً – الماوري في الأحكام السلطانية.
ولا يأتين أحد فيقول: كيف هذا؟ والثابت أن ميزان الكرامة للعبد عند الله تعالى هو التقوى! كما في قوله تعالى: ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
فالجواب: أن الآية جاءت ميزانا للقرب من الله، وهذا لا يتنافى مع اختيار الله لقريش في أحقية استلامهم للإمارة والله هو الذي يقول: ( وربك يخلق ما يشاء ويختار).
إن ماجرى في آلية اختيار أبي بكر الصديق رضي الله عنه خليفة للمسلمين كان أول تطبيق عملي لمبدأ الشورى الأصيل في الإسلام، وترسيخا فاصلا في كون الإمامة والإمارة والخلافة لا تكون إلا في قريش، ليتم بذلك اختيار أبي بكر خليفة للمسلمين وتعقد له البيعة إماما للمسلمين .. وهكذا مضت الأمور على عهد بقية الخلفاء الراشدين.
قد يقول قائل: وماذا تقول فيمن كان إمامهم أو أميرهم ليس هاشميا، ولا حتى قرشيا؟
الحمدلله أن هذا السؤال لايرد علينا في الأردن الحبيبة لسبب سهل وبسيط وهو أن الملك عبدالله الثاني ابن الحسين هاشمي قرشي.
ومع ذلك وحتى نجيب عن الإشكال المطروح آنفا فإننا نقول:
إن المشهد لا يقرأ بهذه الطريقة، ومن أجمل ما قرأت في هذا الباب عند الأصوليين والفقهاء وقرروه ورددوه قولهم:
[النصوص متناهية والوقائع لامتناهية]
والمعنى أنه يتعذر إيجاد نص لكل حالة وواقعة عبر التاريخ بكل تقلباته وتشكلاته التي لا تكاد تنتهي، ليظهر هاهنا دور المجتهدين في إنزال الفقه تبعا للحوادث.
إن العمل بمبدأ الشورى في تولية الحاكم المسلم لا بد وأنه سيفتح الباب مجددا لتحقيق أول شرط من شروط الولاية وهي أن يكون الوالي قرشيا.
لكن يأتي سؤال آخر: هل كانت الشورى هي السبيل الوحيد والأوحد للاعتراف بسلطة الحاكم المسلم؟؟.
لو سبرنا التاريخ الإسلامي لوجدنا أن استلام الولاية العامة والحكم لم يقف عند حد الشورى، بل إنه وفي حوادث كثيرة لم يكن لها وجود.
لقد فرضت أساليب وطرق عديدة جرت لتولية الحاكم المسلم نفسها على الساحة. حتى وجد الفقهاء أنفسهم وجها لوجه مع واقع لدول إسلامية عبر التاريخ الإسلامي القديم والحديث، تمكنت وباتت واقعا لامحيد عنه وإن كان حكامها قد جاؤا وأخذوا الحكم بعيدا عن مبدأ الشورى وليسوا قرشيين .. وعلى مثل هذا أطلق الفقهاء مصطلح «إمامة المتغلب» .. وهذا النوع من السيطرة على الحكم أقره جماهير الفقهاء سدا للذريعة إلى الفساد ومنعا للفتنة، وأجازوا التعامل معه مادام صار متغلبا، بل وعدوا أحكامه نافذة.
وهنا لا بد من لفت النظر إلى معنى أن يكون الحاكم متغلبا .. وهو أن يستتب له الأمر تماما، لا أن يكون باقيا في طور التجاذب والتنازع ما بين مؤيد له ومؤيد لغيره. ففي هذه الحالة لا يمكن القول بأنه بات متغلبا .. فالتغلب ليس هو الوصول إلى دفة الحكم وحسب، بل هو السلطة والقدرة على إدارة شؤون الدولة بكافة مفاصلها.
الفقهاء حين اعترفوا وسلموا بهذا النوع من الحكم (الحاكم المتغلب) لم يفعلوا ذلك اعتباطا بل كانت لهم مستندات شرعية كان من أهمها أن مبدأ الشورى بات كثيرا مايكون غير ممكن ولا متاحا- كما كان عليه الأمر في العصور الماضية-، خاصة وأنه وفي بعض الحالات قد يكون فرض سياسة القوة وأخذ الحكم هو الخيار الوحيد! .. كما لو مات حاكم فجأة، ولم يكن قد عهد لشخص بعينه ليخلفه؟!. أو ماذا لو كان ولي العهد لازال طفلاً صغيراً لا يملك من أمره شيئا ! .. أو كانت الدولة غارقة في الفساد فيموت الحاكم فيكون هذا المستولي المتغلب بمثابة المنقذ! .. وقد كان لهذا أمثلة واقعية عبر التاريخ الإسلامي .. ففي مثل هذه الحالات واشباهها لم يكن من المعقول أن نقوم بإبطال حكم المتغلب على الحكم، وبالتالي إبطال كافة ما تتصرف به الدولة تلك؟؟
فأي حال هذا الذي سيكون عليه الناس لو استمر ذلك أمدا طويلا؟وما هو مصير الخدمات، والقضاء، وسائر شؤون الدولة؟ فكان القول بعدم قبول إمامة المتغلب إفساد في الأرض لا يقبله شرع ولا عقل.
فإلى عصابات توما الحكيم في هذا الزمان نقول: كفاكم مقامرة ومغامرة ومراهنة .. فمليكنا هاشمي قرشي من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم .. والأردنيون من شتى المنابت والأصول ملتفون حول قيادته حتى النفس الأخير .. وما تسعون إليه دونه خرط القتاد.