وطنا اليوم:تتواصل المؤشرات التي تؤكد أن شباب مصر يعيشون حقبة صعبة مع سوء الأحوال المعيشية، والفقر، والبطالة، وانعدام الفرص، وفقدان الطموح، ما يدفعهم إلى الهجرة غير الشرعية واحتمالات الموت غرقا بمياه البحر المتوسط، أو محاولة كسب المال بأي طريق ما يعرضهم للنصب وخسارة مدخراتهم.
والأسابيع الماضية، تعرض نحو 80 ألف شاب مصري لعملية نصب واسعة من منصة المراهنات الهندية الأصل (SGO.CC)، والتي تعمل في مصر منذ الصيف الماضي، ما يدفع للتساؤل حول أسباب سقوط هذا الكم من الشباب في الفخ وخسارة مدخراتهم ومبالغ تقدر بنحو 500 مليون جنيه (الدولار 47 جنيه رسميا).
وإلى “إدارة مكافحة جرائم تقنية المعلومات” بوزارة الداخلية المصرية المعروفة باسم (مباحث الإنترنت) في العاصمة المصرية القاهرة وبعض المحافظات، تقدم آلاف الشباب ببلاغات متتابعة منذ نهاية شباط/ فبراير الماضي، تتهم القائمين على تلك المنصة بالنصب عليهم، وغلق التطبيق بعد الاحتيال عليهم والسطو على أموالهم.
البلاغات وفق ما نُشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تُشير إلى أن القائمين على المنصة قاموا بإغرائهم بتحقيق أرباح كبيرة من خلال المراهنات على نتائج مباريات كرة القدم الأوروبية، وذلك بتحويل الأموال عبر رقم مخصص من نظام “فودافون كاش” للدفع الإليكتروني، والتابع لشركة “فودافون مصر”.
وقال المحامي خالد عبد العزيز دفاع الضحايا، لموقع “القاهرة 24″، المحلي إن “المنصة بدأت في نيسان/ إبريل 2022، وأغلقت في شباط/ فبراير الجاري، موضحا أن عدد ضحاياها تخطى الـ80 ألف مصري، تحصلت منهم المنصة على أكثر من 500 مليون جنيه.
ومن البيانات المتاحة، أن المنصة ظهرت بالهند قبل نحو عامين، للاستثمار في الأحداث الرياضية عبر الإنترنت والمراهنات الرابحة، تحت مسمى “جف فوتبول”، وقدمت خدماتها في كانون الأول/ ديسمبر 2022، ولمدة نحو عام ونصف، حتى أغلقت في أيار/ مايو 2023.
وفي 16 حزيران/ يونيو 2023، ظهرت الشركة للعمل في مصر تحت اسم (SGO.CC) من خلال مجموعات خاصة عبر تطبيق “تليغرام”، وشهدت خلال أقل من 9 أشهر رواجا كبيرا بين الشباب المصري عبر الإنترنت.
“لهذا وقعت في الفخ”
ويقول الشاب العشريني، (محمود. د): “دخلت المنصة في حزيران/ يونيو الماضي، ودفعت 8 آلاف جنيه، وصلت في النهاية وبعد نحو 8 أشهر من التعاملات اليومية 450 ألف جنيه، ضاعت كلها مع غلق المنصة”.
ويشير إلى أنه في البداية “حدث لي ذهول من حجم ما كنت أحصل عليه من أرباح، وسعيت بشكل كبير لدفع أصدقائي ومحيط عائلتي للمشاركة بأرقامهم من خلالي، حتى وصلت إلى رتبة قائد فريق”.
ويوضح أنني “كنت أسحب من 10 إلى 15 ألف جنيه ثم تطور الأمر لاحقا وكنت أسحب من 20 إلى 25 جنيه مكسب من محفظتي في الشهر الأخير، واشتريت سيارة بـ250 ألف جنيه، وشقة في مدينة جديدة بمبلغ 500 ألف جنيه”.
ويبين أنه “كان كلما أضاف رقما على البرنامج يعطيه فرصة للمضاربة على مباراة ثانية، وثالثة، ورابعة، ما يزيد الأرباح”.
وحول سبب لجوئه لهذا الأمر، يقول: “لا يوجد عمل يحقق لي شقة وسيارة في عام واحد، كما أن ما كنت أحصل عليه من عملي في مجال العقارات بين 5 و10 آلاف جنيه شهريا ولأكثر من 15 ساعة يوميا، لا تكفي كي أتزوج وأبدأ حياتي”.
ويؤكد أن “الكثير من الشباب يتوجه نحو هذه المضاربات التي لا تحتاج إلا لهاتف محمول، والذي يمكن به العمل أون لاين لتحقيق مكسب سهل، بل إن الشباب دائم البحث عبر الإنترنت عن منصات التداول أو تعلم الفوتوشوب ومهارات الإنترنت للعمل فري لانسر، أو البحث عن منصات المراهنات، وهناك شباب بل ورجال تركوا أعمالهم وتفرغوا لها”.
ويوضح أنهم “خدعونا بما كانوا يقومون به من احتفالات في قاعات فخمة نحضرها بصفتي قائد فريق يتبعه نحو 500 مشترك، وسط الكاميرات والطعام الفاخر والهدايا ما بين تليفونات وأجهزة لاب توب وحتى سيارات”.
ويضيف أنهم “خدعونا في النهاية برسالة تقول بوجوب دفع ضرائب للحكومة المصرية من أرباحنا، ما جعلنا ننشغل بقصة غير احتمال هروبهم”، مشيرا إلى أن مخاوفه كبيرة من أن يتقدم أحد من الذين اشتركوا من خلاله ببلاغ ضده.
لكنه في نهاية حديثه، يؤكد محمود، أن “تلك المنصة فتحت موقعا لها في الجزائر، وكثير من الذين تعرضوا للنصب في مصر يحاولون الحصول على خطوط هاتف جزائرية للاشتراك بالمنصة مجددا وتعويض خسائرهم”.
“ليست الأولى”
المثير أن هذه لم تكن المرة الأولى التي يتعرض فيها شباب مصر إلى التغرير بهم والنصب عليهم من قبل تطبيقات مماثلة، فقبل دخول تطبيق (SGO.CC) إلى مصر بشهرين اثنين فقط كانت فضيحة نصب تطبيق “Hogg pool”، على آلاف المصريين تتصدر عناوين أخبار الحوادث بالمواقع والصحف المصرية.
وفي آذار/ مارس 2023، أوقفت السلطات المصرية 29 شخصا من المسؤولين عن تطبيق “Hogg pool”، بينهم 13 من جنسيات أجنبية، بتهمة مزاولة نشاط غير مشروع، بعد بلاغات من مصريين قالوا إنهم تعرضوا للنصب من التطبيق الذي تم غلقه وخسارة أموالهم.
حرمة المراهنات
وفي تموز/ يوليو 2006، رفض علماء الأزهر مشروع الاتحاد المصري لكرة القدم بتطبيق نظام “المراهنات” على مباريات الدوري والكأس، واتفقوا جميعا علي أنها “قمار” محرمة شرعا ووسيلة “سخيفة” للكسب غير المشروع، وفق ما نقله موقع “المصري اليوم” المحلي حينها.
وقال وقتها، أستاذ الشريعة وعضو مجمع البحوث الإسلامية الدكتور محمد رأفت عثمان: إن نظام المراهنات في مباريات كرة القدم هو “قمار محرم شرعا” بنصوص صريحة في القرآن الكريم الذي سماه “الميسر”.
ومن عدد سكان بلغ 106 ملايين نسمة، في شباط/ فبراير الماضي، نحو 60 بالمئة منهم يعيشون تحت خط الفقر أو يقتربون منه، في البلد العربي الأكثر سكانا والثالث في القارة الأفريقية، بلغت نسبة مستخدمي الإنترنت من شباب مصر 89 بالمئة، وفقا لبيانات عام 2022.
“اعترافات مثيرة”
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي قال بعض المتعاملين مع تطبيق (SGO.CC) والذين تعرضوا للنصب إن القائمين على التطبيق وضعوا كل أفكار النصب السابقة في فكرة واحدة، ورغم ذلك انخدع الشباب بنظام الشجرة الذي تعرضوا للنصب من خلاله منذ العام 1990، مشيرين إلى أن الشباب لم يتعلم من التجارب السابقة مع تطبيق مراهنات “1xBet”.
واعترف أحد الشباب بتعرضه للنصب من التطبيق مؤكدا عبر مقطع مصور أن خسارته بلغت 50 ألف جنيه، موضحا أنها أموال شغله، وكان يستثمرها استعدادا للزواج، مشيرا إلى أن هناك شباب باعت سياراتها وشققها السكنية.