وطنا اليوم:أثار بيع الحكومة المصرية حصة كبيرة من سبعة فنادق تاريخية لتحالف مصري إماراتي مقابل 800 مليون دولار، تساؤلات بشأن مدى قانونية الخطوة.
وفي ديسمبر، ذكرت صحف محلية أن الحكومة المصرية، ممثلة في صندوق مصر السيادي، أبرمت العقود النهائية لعملية الاكتتاب لحصة قدرها 39 في المئة من شركة “ليغاسي للفنادق” المالكة لسبعة فنادق تاريخية لصالح تحالف “مصري – إماراتي” بقيادة الشركة العربية للاستثمارات الفندقية (أيكون) المساهم فيها رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى.
لكن قبل عام من الآن، وبالتحديد في 13 فبراير الماضي، كان وزير قطاع الأعمال العام، قد حسم الجدل خلال ندوة عقدها مجلس الأعمال المصري الكندي، أكد فيها أن الفنادق الأثرية ليست مطروحة للبيع، كما أنه لا يمكن إخضاعها للتقييم أو التقدير العادل، “فهي قيمة لا تقدر بثمن”، بحسب ما نقلت عنه صحيفة “الشروق”.
وبعد أن تحدثت مصادر عن عزم الحكومة بيع فنادق تاريخية ضمن برنامج التخارج من أصول مملوكة للدولة، بهدف جمع حصيلة دولارية، قالت رئيسة مجلس إدارة الشركة القابضة للسياحة والفنادق، التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام ميرفت حطبة في أبريل 2023 إن أي فندق يبلغ عمره أكثر من مئة عام يعتبر أثرا تاريخيا ولن يعرض للبيع، بحسب ما نقلت عنها نفس الصحيفة.
فنادق تاريخية
تمتلك ليغاسي سبعة فنادق ضخمة، وهي سوفيتيل ليجند أولد كتراكت أسوان، ومنتجع موفنبيك أسوان، وسوفيتيل وينتر بالاس الأقصر، فندق شتينبرجر التحرير، وفندق شتيجنبرجر سيسيل الأسكندرية، وماريوت مينا هاوس القاهرة، ماريوت عمر الخيام الزمالك.
وعلى سبيل المثال، فإن لفندق مينا هاوس “إطلالة شاملة على الأهرامات”، وتم بناؤه ليكون نزلا ملكيا للصيد قبل أن يتم تحويله إلى فندق في عام 1887.
ويمتلئ الفندق التاريخي بأجنحة فاخرة بما في ذلك الغرفة التي أقام فيها، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، ونستون تشرشل، خلال مؤتمر القاهرة عام 1943، ونسخة طبق الأصل عن غرفة نوم المغنية المصرية الشهيرة، أم كلثوم.
واستضاف الفندق التاريخي، المكون من 435 غرفة وجناحا، محادثات سلام بين الرئيس المصري الأسبق، محمد أنور السادات، وممثلين عن إسرائيل في إحدى قاعاته.
أما ماريوت القاهرة المعروف بـ”عمر الخيام” فيعود تاريخه إلى عام 1869 عندما أمر الخديوي إسماعيل ببناء قصر ليبهر إمبراطورة فرنسا أوجيني زوجة نابليون الثالث، إحدى زوار حفل افتتاح قناة السويس.
وشهد الفندق أعمال تطوير بحسب الهيئة العامة للاستعلامات لغرفه التي تبلغ 737 غرفة (غير شاملة الأجنحة) بالنسبة للبرجين و220 غرفة لمبني الشاليهات.
أشرف على بناء الفندق مجموعة من المهندسين من مختلف الجنسيات، وشهد حفل زفاف ابني الخديوي إسماعيل لمدة 40 يومًا، وحفل زفاف ابنة رئيس الوزراء النحاس باشا، وحفل زفاف الملك فاروق والملكة ناريمان، قبل أن يتحول إلى قصر وتتغير ملكيته عدة مرات ثم يتم تأميمه في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ليصبح اسمه فندق عمر الخيام.
أما فندق “وينتر بالاس الأقصر، فبدأ إنشاؤه عام 1886 وتم افتتاحه لأول مرة عام 1903، وصاحب فكرة بنائه المستشرق الإنكليزي توماس كوك، الذي كان مولعا بالحضارة المصرية آنذاك، وفي بداياته لم يكن سوى قصر تستخدمه العائلة الحاكمة كمشتى، صممه المهندس الإنكليزي جي كروزو، على الطراز الفيكتوري.
وبالنسبة لفندق سوفيتيل ليجند أولد كتراكت، فيقع على ضفاف النيل في صحراء النوبة، وشيد في أواخر القرن الـ19 وتم افتتاحه في 1902.
بدأت فكرة بنائه عام 1889 بالتزامن مع امتداد السكة الحديد لجنوب مصر وزيادة أعداد السياح لمدينة أسوان، وأنشئ أعلى صخرة من الجرانيت الوردي بإطلالة على ضفاف النيل أمام جزيرة الفانتاين.
جدل قانوني
وأبدى نائب رئيس حزب المحافظين عضو الحركة المدنية مجدي حمدان رفضه لهذا الطرح، مشيرا إلى أنه يخالف القانون الذي يمنع بيع المباني الأثرية التي مر على بنائها مئة عام.
وقال: “حتى لو كنت أمتلك فيلا ومضى على بنائها مئة عام لا يمكنني بيعها لأنها تعتبر أثرا تاريخيا”.
وأشار إلى أن العديد من الفنادق التي تم بيعها مر على بنائها أكثر من مئة عام “وكان لا يجوز للدولة أن تفرط فيها بأي شكل من الأشكال”.
ولكن عميدة كلية الآثار والتراث الحضاري في الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، مونيكا حنا، قالت إنه “لا يوجد ما يمنع قانونياً من بيع الفنادق التاريخية طالما المباني لا تزال مسجلة كتراث وأنه سيتم حمايتها طبقاً للائحة التنفيذية”.
وأضافت أن “المستثمرين اشتروا هذه الفنادق بسبب الطابع التاريخي لها ولأن قيمتها مهمة”.
وأشارت إلى أنه “في هذه الحالة ينص في العقد على أنه لا يتم التغيير في المباني ويجب المحافظة على الطابع التاريخي وصيانة المباني بشكل دوري من خلال متخصصين”.
من جانبه قال حمدان: “لا أحد لديه علم بمكونات عقود بيع أصول الدولة ولا توجد جهة رقابية تراجع ما يحدث”، معتبرا أن “الجهاز المركزي للمحاسبات موجود اسما لكنه غير موجود فعلا”.
وقال حمدان، وهو أحد مؤسسي الجبهة الوطنية لمكافحة الفساد قبل أكثر من عقد، “كنا نراجع ونطلع على بنود العقود التي تبرمها وزارات قطاع الأعمال والصناعة والاستثمار، واستعدنا الكثير من الأموال لصالح الدولة منها مليار و200 مليون جنيه بعد طعننا على عقود أرض مدينتي المملوكة لمجموعة طلعت مصطفى”.
وأشار مركز حلول للسياسات البديلة التابع للجامعة الأميركية بالقاهرة إن “اتفاقات الخصخصة تتم في غياب الشفافية”؛ مشيرا إلى أنه “في صفقة الفنادق باعت الحكومة حصة 39 في المئة ومن المتوقع رفعها إلى 51 في المئة أي حصة أغلبية لمجموعة طلعت مصطفى بالشراكة مع أحد المستثمرين الأجانب دون ذكر هويته”.
وبحسب صحيفة “المصري اليوم” فإنه بمقتضى الاتفاق ستساهم الشركة العربية للاستثمارات الفندقية والسياحية (أيكون) إحدى الشركات التابعة لمجموعة طلعت مصطفى القابضة بنسبة 39 في المئة مع الحق في الاكتتاب في زيادة رأس المال للوصول لحصة 51 في المئة.
وهشام طلعت مصطفى هو أكبر مطور عقاري في مصر، وشهدت إمبراطوريته التجارية ولادة جديدة منذ إطلاق سراحه من السجن عام 2017، عندما عفا عنه الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، لأسباب صحية بعد إدانته بقتل المطربة اللبنانية سوزان تميم عام 2008.
يشير مركز حلول إلى أن “توسع المستثمرين الأجانب في الاستحواذ على حصص في العديد من الشركات المصرية يطرح تساؤلا حول القوانين التي تنظم تملك الأجانب للعقارات والأراضي بشكل أكثر فاعلية”.
“ثمن بخس”
وفي ديسمبر الماضي، احتفل رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، بالبيع بقيمة 800 مليون دولار لمصطفى، الذي أشاد بعملية الاستحواذ لجلبها العملة الأجنبية.
وأضاف أن عملية البيع تم تمويلها من قبل “مستثمر استراتيجي دولي معروف”.
وبعد أسابيع، تم الكشف عن المشترين الغامضين وهم شركة أبوظبي التنموية القابضة (ADQ)، وهي صندوق ثروة سيادي مقره في العاصمة الإماراتية إلى جانب شركتها التابعة شركة أبوظبي الوطنية للمعارض (مجموعة أدنيك)، المالكة لمركز إكسل في لندن، وفق “الغارديان”.
لكن حمدان عبر عن استيائه مما وصفه بـ”الثمن البخس” مضيفا أن هذه الفنادق “توازي أضعاف هذا الرقم فضلا عن أن قيمتها التاريخية أكثر بكثير من القيمة المالية”.
وأضاف: “عملية البيع هذه تمثل إجحافا وخسارة للدولة المصرية وأصولها”.
مع ارتفاع معدلات التضخم في مصر وغرق البلاد بالديون، تقوم الحكومة المصرية ببيع بعض “أصول الدولة” لمستثمرين مصريين وعرب، وشمل ذلك مؤخرا عددا من الفنادق التاريخية، وفق تقرير لصحيفة “الغارديان” البريطانية.
وتعاني مصر واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخها بعدما سجل معدل التضخم السنوي مستوى قياسيا يبلغ حاليا 35.2 في المئة مدفوعا بتراجع قيمة العملة المحلية ونقص العملة الأجنبية في ظل استيراد القسم الأكبر من الغذاء.
وتضاعفت ديون مصر الخارجية أكثر من ثلاث مرات في العقد الأخير لتصل إلى 164.7 مليار دولار، وفقا للأرقام الرسمية، بينها أكثر من 42 مليار دولار مستحقة هذا العام.
ويرى حمدان أن “هناك أمورا أخرى كثيرة كان يمكن للدولة أن تفعلها من أجل أن تأتي بدولارات وعملة صعبة”، متسائلا “لماذا لا تبيع الدولة العاصمة الإدارية على سبيل المثال وهي تقول إن قيمتها تبلغ عشرات المبارات من الدولارات”.
وأشار إلى أن الصندوق السيادي المصري يقوم حاليا بنزع ملكية مباني تاريخية أخرى من شركة مصر للتأمين في منطقة وسط البلد بحجة تطوير القاهرة”.
وقال: “هناك أمور كثيرة كان يجب أن يطلع عليها الشعب المصري والساسة قبل أن يتم اتخاذ قرار فيها”.