بقلم: الدكتور قاسم جميل العمرو
اعتاد الأردنيون على بيانات الحكومات المتعاقبة عند تقدمها لنيل ثقة النواب؛ وكذلك كلمات السادة النواب، التي تستمر في العادة لأكثر من أسبوع تختتم على الاغلب بثقة مريحة للفريق الوزاري وهذا ما حصل مع هذه الحكومة التي حصلت على 88 صوت من 129 حضروا جلسة التصويت على الثقة بها.
وحتى نكون منصفين فإن البيان الوزاري وكلمات السادة النواب كان طابعها إنشائي؛ وان خرجت بعض الكلمات عن الاطار التقليدي وتحدث بعض السادة النواب بعمق حول مشكلتنا الأساسية وهي عدم تفعيل العمل المؤسسي، وحتى المؤسسات ذاتها، لا تعمل وفقا لأدواتها والقواعد التي تنطلق منها ولا تلتزم بالصلاحيات المحددة لها ضمن الدستور والقانون.
تابعت البيان الوزاري المطول وبعض الكلمات للسادة النواب علما بان اغلبها استعراضي او مطلبي خدماتي يخاطب به النائب قواعده الانتخابية ولا نلومهم في ذلك لأنها ثقافة عامة مسيطرة.
المارثون انفض اليوم بعد ان أخذت الحكومة الثقة لتبدأ رحلة ماراثونية جديدة تتمثل بمتابعات النواب للوزراء لتلبية الوعود التي قطعتها الحكومة لهم اما بالخدمات او بتعيين المحاسيب كما شاهدنا الاستدعاءات تحت القبة موجهه لوزراء بعناوين خدماتية مصلحية وهذا يحمل دلالة واضحة على المقايضة وهو ما سيفرغ البرلمان من مضمون الرقابة على أداء الوزراء.
لم تتطرق كلمات السادة النواب والبيان الوزاري للحكومة الى اي مضمون من مضامين الأوراق النقاشية لجلالة الملك عبدالله الثاني، ولا عن الكيفية او السبل التي يمكن للحكومة العمل في اطارها وبخط واضح للوصول خلال فترة زمنية الى تحقيق ما ورد فيها من قيم سياسية واخلاقية وقانونية تقودنا الى دولة القانون والمؤسسات؛ حتى يشعر المواطن بالعدالة والحرية ضمن منهج واضح لا تبريرات تدافع عنه ولا متملقون يزينونه.
الدولة بكل مؤسساتها تحقق أهدافها اذا وضحت الطريق امام صناع القرار فيها ضمن مراحل واضحة يسندها تأييد جماهيري يراقب الأداء ويعظم الإنجاز، في الحقيقية سئمنا الانشاء والاحلام الخيالية؛ نريد سياسات واقعية تستند الى محدداتنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية حتى ينسجم الوجدان الشعبي مع طروحات الحكومة وبياناتها وكلمات السادة النواب.
في كل مجتمعات العالم يوجد أخطاء ومراجعات لهذه الأخطاء والاستفادة منها بغية الإصلاح لان عهد التورية والمجاملات ولّى ، ونحن امام رقابة شعبية عبر هذا العالم الافتراضي الذي لا يستطيع احد ان يخفي شيئا لفترة طويلة.
الأردن وعبر مائة عام كان من الممكن ان يكون في مصاف الدول الديمقراطية بسبب تجربته البرلمانية الطويلة وان يكون لدينا نظام حزبي تنافسي يحمل برامج اقتصادية وسياسية واجتماعية تخفف من الترهل وتواجه الفساد تحت ظل رقابة شعبية؛ ولكن للأسف بقدر ما تقع المسؤولية على الحكومات المتعاقبة يقابلها مسؤولية كبيرة على عاتق القوى السياسية والنخب التي لم تتوفر لديها الرغبة بالإصلاح السياسي
ورغم كل الآراء وما قيل وسيُقال نأمل ان يبقى الأردن يسير بالاتجاه الصحيح بتوجيه من ملك البلاد وإخلاص كل الرجال والنساء في مواجهة كل التحديات.
أستاذ العلوم السياسية جامعة البترا
ناشر موقع وطنا اليوم الاخباري