د. خالد جبر الزبيدي
المعادلة الصحيحة حول أسباب الحرب الحقيقية والخفية على غزة والتي لم تبدأ مع أحداث 7/أكتوبر 2023 ، بل منذ 25 عام تقريباً وذلك لأسباب استراتيجية في محورين رئيسين الأول عندما تم تطوير حقل مارين للغاز عام 2000 من طرف شركة الغاز البريطانية “بريتيش غاز”، وهي تغطي 20% من احتياجات أوروبا من الطاقة وكذلك اكتشاف آبار عند الساحل الفلسطيني مقابل غزة كحقل حقل ” نوا ” الذي تم اكتشافه في 1999 التي وصفها ياسر عرفات أنها هدية من الله ، وبدأت إسرائيل إنتاج الغاز منه عام 2012، ويُقدر احتياطي الغاز فيه بنحو 3 تريليونات قدم مكعبة، إضافة إلى حقل “المنطقة الوسطى”، الذي يبعد مئات الأمتار عن شاطئ بحر المنطقة الوسطى لغزة.
في عام 2019 قٌدر الإجمالي الاحتياطي من النفط والغاز بمبلغ قدره 524 مليار دولار، بالطبع هذا المبلغ ليس من حق إسرائيل وحدها حسب تقرير الأمم المتحدة.
الاحتلال وجد الفرصة متاحة لاستخراج الغاز الفلسطيني وتصديره، بالتوافق مع واشنطن التي ترغب بدور إسرائيلي في السيطرة على الطاقة في المنطقة”.
قبل سنوات استحوذت اسرائيل على مواقع إنتاج غاز حيوية تقع أمام السواحل الفلسطينية، ومن أبرز تلك الحقول “تمار” الواقع على بعد 25 كيلومترا فقط من السواحل الفلسطينية، وبلغ إنتاجه 10.25 مليارات متر مكعب من الغاز في عام 2022، وتم استخدام 85% من الإنتاج في السوق المحلية، وتصدير 15% إلى مصر والأردن.
حقول الغاز باتت تغطي نحو 70% من إنتاج الكهرباء واحتياجات الطاقة في إسرائيل، وزاد الاهتمام بالوقود الأزرق مع اندلاع حرب أوكرانيا وتعطش أوروبا للغاز عقب فرض قيود على واردات الطاقة الروسية، كما أن صادرات الغاز باتت تجلب مليارات الدولارات للخزانة الإسرائيلية.
والهدف النهائي هو أن تتحول دولة الاحتلال إلى واحدة من أكبر مصدري الغاز حول العالم، وذلك بعد أن أصبحت ثاني أكبر منتج للغاز الطبيعي في شرق البحر الأبيض المتوسط، وأنتجت 276 مليار قدم مكعب سنويا من الغاز بين عامي 2012 و2019.
أما المحور الثاني وهو مشروع قناة بن غوريون وهي بديل حقيقي لقناة السويس حيث ستقوم إسرائيل بحفر قناتين مستقلتين، واحدة من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط، والثانية من البحر المتوسط إلى البحر الأحمر، بالتالي لن تتأخر أي سفينة، في حين تستغرق السفن في قناة السويس فترة أسبوعين للمرور.
وستشكل قناة بن غوريون الإسرائيلية، وسيكون عمق القناتين الموازيتين حوالي 50 مترا وعرضهما حوالي 200 متر، وهي أعمق من قناة السويس بـ 10 أمتار. وبفضل عرضها، يمكن لسفينة طولها 300 متر وعرضها 110 أمتار أن تمر عبر القناة، وهو ما يضاهي حجم أكبر السفن في العالم وتقدّر تكلفتها بين 16 و55 مليار دولار، (في حال تحققت) تحولًا كبيرًا في حركة وحيوية التجارة البحرية العالمية، فهي ستكون أوسع بكثير من قناة السويس، حيث يهدف تصميمها إلى الدخول في عصر جديد من التغلب على المصاعب البحرية وتطويعها لخدمة الاقتصاد، وذلك عبر استيعاب حجم متزايد من السفن، لأن بناءها سيتم على تضاريس أصعب من الرمال في السويس.
ولكن لإلقاء الضوء أبعد قليلاً فإن نقل سيادة الجزيرتين تيران وصنافير إلى السعودية، فاتفاقية نقل السيادة على الجزيرتين من مصر إلى السعودية قد لا تكون مجرد صفقة تجارية كما يتم تصوير الأمر حيث تم من خلالها بيع أرض مصرية من أجل المال لضخه في اقتصاد البلاد المتهالك، ربما تتعلق المسألة بمشروع أكبر تم التخطيط له وهو اليوم يُنفّذ بعد أن أصبح الظرف مناسباً لتنفيذه.
وبعد أن تم نقل الجزيرتين للسيادة السعودية بشكل كامل فإن مضائق تيران ستصبح مياهاً دولية وفق القانون الدولي ، الأمر الذي ستعتبر معه حرية الملاحة في تلك المضائق مكفولة للجميع بما في ذلك الكيان الصهيوني ولن تملك أي من مصر أو السعودية حق التدخل في تلك المضائق التي كانت في يوم رمزاً لحصار الكيان الصهيوني وتعطيل تجارته مع العالم وكانت أحد أسباب حرب 1967، فالخطورة هنا تتعدى حرية الكيان الصهيوني بالملاحة ، فتلك مكفولة حالياً بما انبثق عن معاهدة كامب ديفيد من اتفاقيات ، ولكن الخطورة أكبر من ذلك بكثير وهي من خلال ما تم ذكره شق قناة تربط البحرين المتوسط والأبيض وما تسمى “قناة بن غوريون” ؛ والذي معه سوف تسهل القناة حركة المرور للسفن وعبورها في الاتجاهين في وقت واحد كما لذا، لا يمكن النظر الى هذا المشروع على أنه مجرد تعزيز لوجستي، بل هو تأكيد عميق على نية “إسرائيل” في أن تصبح نقطة ارتكاز للتجارة البحرية العالمية وإلى مركز عالمي للوجستيات في التجارة والطاقة، لا سيما انها، ستحظى بدعم ورعاية أمريكية ودعم قوي من الغرب.
كما أن للقناة مزايا عسكرية أيضاً لا مثيل لها، حيث ستكون بمثابة عائق مائي دفاعي لها، فضلًا عن أنها ستمكن الكيان من تحصين دفاعاته هناك، وبالتالي توفير منطقة عازلة ضد التهديدات المحتملة الآتية عليه من الجنوب. وتبعًا لذلك، فإن مثل هذه الميزة الاستراتيجية في منطقة مضطربة، يمكن أن تعيد تشكيل ميزان القوى لصالح الكيان الغاصب.
يعتبر المخطط المدعوم أمريكيا، والمدفوع أيضًا بالحاجة إلى كبح صعود القوة الاقتصادية للصين، وإفشال مشروعها المستمر “طريق الحرير” الهادف إلى بناء خط قطار يبدأ من مقاطعات الصين في الغرب باتجاه غرب آسيا وتأمين الطرق المائية حول العالمي ، وستعيد رسم وتعديل كل الطرق القديمة المعروفة وتجعل الجميع معتمدين على إسرائيل، وبالتالي قد تصبح الولايات المتحدة، المدافع والراعي الرئيسي للدولة اليهودية، دولة مرجعية عليا، لأنه سيزيد من حدة الفوضى العامة لبعض الوقت ويجعل المنطقة بأكملها تابعة للولايات المتحدة وإسرائيل.
هذا الانفتاح العالمي والتجاري على البحر الأحمر ( القناة والغاز ) يعزز المشروع الضخم الذي تقوم به السعودية ( نيوم NEOM ) بمساحة 24 الف كيلو متر مربع بطول 460 كيلو على البحر الأحمر برأسمال مال من صندوق الاستثمار السعودي ومستثمرين محليين وعالميين يقدر 500 مليار دولار والذي من المقرر أن ينتهي عام 2025 ويُسمح للأجنبي (غير السعودي) بأن يتملك مشروعه بنسبة كاملة 100%.
هذه الأسباب والمشاريع توجد بها معوقات فنية وغيره، تم العمل عليها ومنها اضعاف السلطة الفلسطينية وهذا ما تم، ولكن أهم معوق هو وجود غزة التي تعد حلقة وصل أساسية للوصول الى البحر الأبيض المتوسط، كعقبة رئيسية أمام نجاح المشروعات الغاز والقناة بالتالي لا بد من القضاء على حركة حماس وعمل تغيير ديموغرافي كبير في غزة من خلال الهجرة القسرية، والعمل على انهاء القضية في الضفة الغربية وقطاع غزة. وهذا ما قاله صراحة نتنياهو على الخارطة بأنه يريد شرق أوسط جديد وهو خالٍ تماماً من أي شيء أسمه فلسطين أو فلسطيني.
وبالتالي فإن الكلمة الأخيرة ستكون للمقاومة الفلسطينية والتي ” سيقضي صمودها ” ومن بعدها انتصارها (كما هو متوقع) على تطلعات “تل ابيب”، وينسفها من أساسها، ويجعلها مجرد أحلام يقظة يغذي بها قادتها النازيون مخيلتهم المتعطشة للدماء دائمًا.