التعديلات الوزارية للحكومة الحالية بين مسؤولية رئيس الوزراء ومجلس الامة ….

4 أكتوبر 2023
التعديلات الوزارية للحكومة الحالية بين مسؤولية رئيس الوزراء ومجلس الامة ….

د. مصطفى التل

جرى على الحكومة الاردنية الحالية سبعة تعديلات وزارية , في رقم قياسي للتعديلات الحكومية في الاردن في مدة 3 سنوات من كتاب التكليف السامي , ابرز ملامح التعديلات الأخيرة الرقم القياسي في توزير العنصر النسائي في حكومة أردنية .

– الأهداف للعامة من التعديلات الوزارية …

بشكل عام، هنالك اعتبارات عديدة تفرض تعديلا وزاريا، منها ضرورة تصحيح المشهد العام للحكومة بتغيير بعض الأسماء، بدعم العمل في حقائب وزارية كبرى. كما يمكن للتعديل أن يكون فرصة لإعادة النظر في هيكلة بعض القطاعات من أجل ايجاد شروط الفعالية والنجاعة و تسهيل الاتفاق في الاستراتيجيات والبرامج، خاصة في محاور البرامج الاصلاحية المختلفة ، بما فيها الاصلاح الاقتصادي ، بحيث يمكن تسريع تجميع و تحديث بعض المؤسسات العامة و تغيير برامج التدخل و الاستهداف بما يوحّد الجهود و يرشّد استعمال الموارد المشتتة بين عدة قطاعات، مع إدماج حقيقي للبعد التخصصي و استحضار اختصاصات مشتتة .

فالتعديل الوزاري يُصبح مطلوبا من أجل ارتقاء عمل كل مكونات الحكومة إلى مستوى ما يتطلبه التخطيط الاستراتيجي الذي حددته الحكومة في قبولها لكتاب التكليف .

لتحقيق الهدف المعلن من التعديل ، من المُفترض أن يتيح التعديل الحكومي دخول أسماء جديدة تجمع بين الرؤية الاستراتيجية ، و بين الخبرة العلمية والعملية من خلا تجارب محورية سابقة للوزير و التي من شأنها أن تأتي بقيمة مضافة الى القطاعات التي فيها خلل او عدم انسجام وزاري .

-عمر الحكومة يجب أن يتوافق مع العمر الدستوري لمجلس الأمة سُّنة اردنية ….

صاحب القرار ارتأى خلال سنوات ماضية أن يتوافق عمر الحكومة الاردنية مع العمر الدستوري لمجلس الأمة .

بدأت هذه السُنّة الأردنية مع حكومة عبدالله النسور والتي استمرت إلى أن انتهى عمر مجلس النواب السابع عشر، ليخلفه بعد ذلك حكومة هاني الملقي والتي أطاح بها الشارع الاردني بعد اعتراضات طويلة على مناهج الحكومة الاقتصادية في المحور الأهم , ليخلفها حكومة عمر الرزاز والذي كان وزيرا بحكومة هاني الملقي , ليعلن استمرار النهج نفسه , ولكن بمناورات مختلفة , لتغادر الحكومة بمغادرة مجلس الامة القبة لانتهاء عمره الدستوري .

هذا المحور تحديدا أدى الى التوسع بالتعديلات الدستورية , بحكم مغادرة أحد طرفي المعادلة ( الحكومة او مجلس الامة ) موقعه الدستوري فهذا لزاما الاعلان عن انتهاء عمر الآخر حكماً , وهنا يتم طرح التساؤل التالي :
هل هذا المحور والسّنة الأردنية شكّل نقطة ضعف لمجلس الامة ليقوم بدوره التشريعي والرقابي تجاه السلطة التنفيذية , مما أدى بالسلطة التنفيذية بالاستقواء بهذه السّنة الاردنية لفرض التعديلات التي تريد ؟! ام أنها كانت رافعة للسلطة التنفيذية بالمضي قدماً لإكمال برامجها التي كانت مهددة سابقا من السلطة التشريعية بسب مماحكات جانبية لا تصب بمصلحة البرامج الرئيسية ؟!

حقيقة للجواب على هذا المحور , نفتقد الى مراجعة أي تجربة أردنية تخص مثل هذه المحاور الاستراتيجية , بحيث نقف كدولة على نقاط الضعف أو القوة للتجربة , وهل حققت نتائجها المرجوة من ذلك أم لا ؟
لا يوجد أي مراجعة لهذه التجربة لا من السلطة التنفيذية ولا من السلطة التشريعية ولا برصد من مراكز الدراسات المتخصصة في الأردن , فلذلك لا نعرف حقيقة ما مدى نجاعة هذه التجربة , ولم نلمس إلا نتيجة واحدة فقط , وهي التعديلات الوزارية والتوسع فيها بلا ضابط أو محدد , ما دام ان العمر الدستوري لمجلس الامة لم ينتهي .

-المسؤولية التضامنية بين رئيس الوزراء و وزرائه :

لا ننكر حقيقة أهمية بصمات الوزير في وزارته , وادارته في انجاح أهدافها أو افشالها , ولكن بالمقابل يتحمل رئيس الوزراء مسؤولية افشال أي اهداف لأي وزارة تحت ولايته , لأنه ارتضاها بالسياق العام ان تكون تحت ادارته ومسؤوليته , فيتحمل نتائج النجاحات والاخفاقات او أي انحرافات عن الاهداف الموضوعة بشكل عام .

فهذا يعني بالنتيجة العامة, بما أن الحكومة تبنّت استراتيجية وبنت عليها سياسات تكاملية في مختلف الوزارات على الوزراء العمل والاجتهاد في تنفيذها في ضوء استراتيجية الحكومة الكبرى , ضمن أولويات الحكومة نفسها , فإن المسؤول الذي يتحمل نتائج الوزارات بشكل عام هو رئيس الوزراء بالتضامن مع الوزراء أنفسهم .

– مجلس الأمة ومسؤوليته عن التعديلات الوزارية كنتائج .

أي تعديلات على أي حكومة في الحياة الديمقراطية الحقيقية يجب أن تمر من خلال مجلس الامة أولا , ويجب أن يقتنع بدواعي التعديلات , من خلال اولويات وتحديدها من الحكومة نفسها , في اطار مجلس أمة قوي يستطيع تحديد القصور ومعالجته من خلال ولايته الرقابية والتشريعية.

ولكن بغياب مجلس أمة قوي وقاصر عن المحاسبة والوقوف على القصور للسلطة التنفيذية , ومراقبة أدائها , مع ربط عمر مجلس الامة بعمر الحكومة والعكس صحيح , تصبح لعبة التعديلات أسهل من شربة ماء , مهما كثر عددها ومهما تهاوت أسبابها , هذا من جانب .

ومن جنب آخر , في غياب مجلس أمة قوي لا يمكن ان تتوافر لأي تعديل وزاري مهما كانت اسبابه أو أبعاده ( اصلاحية , اقتصادية , تجانسية ..الخ ) ان يحقق اهدافه , وينحصر الهدف المنشود في شراء مزيدا من الوقت ليتماشى مع ( السُّنة الأردنية ) في اكمال عمر الحكومة الذي هو مرتبط بعمر مجلس الامة الدستوري , ففي النتيجة ستكون التعديلات الوزارية خاضعة لأمزجة شخصية واعتبارات ذاتية في ضوء اجتهاد شخصي, لا يشارك فيها أي من مكونات السلطة التشريعية والرقابية .

– التعديلات الوزارية هل حققت قيمة مضافة ؟!

التعديلات الوزارية كما هي حال تشكيل الحكومات , عملية سياسية تنبع من أبعاد وطنية , فهي ليست عملاً يتسم بالسرية المفرطة , ولا هي اسرار عسكرية تنتظر ساعة الصفر للهجوم أو الانسحاب , فالعملية برمتها يجب أن تكون واضحة المعالم مبنية على دواعٍ جوهرية يقتنع بها المجلس التشريعي قبل الشارع الأردني , بما يضمن قيمة مضافة للتعديل الوزاري , ويحقق الاهداف التي فرّط بها المجلس الوزاري السابق قبل التعديل .

حكومة الخصاونة الحالية ساهمت بتجريب ما يزيد عن 50 وزيرا قبل التعديل السادس لها , فما بالنا بالتعديل السابع لها ..!!!!

مع كل هذه التعديلات , لا نجد أي قيمة مضافة للتعديلات السبع , فالمديونية لا زالت بارتفاع , البطالة في اعلى مستوياتها , الاستثمار الخارجي والداخلي لا زال في أدنى مستوياته , القدرة الشرائية للموطن تآكلت , السوق في حالة مزدوجة من ركود وتضخم ..الخ

ومن خلال نظرة قريبة للتعديلات نجد ان أغلبها تتقوقع ادخل دائرة مغلقة مفادها ( دمج وزارات ومؤسسات , واعادة فصلها من جديد ) , في حركة دائرية مغلقة لا نجد لها نهاية قريبة متوقعة , ولا أهداف تحققت , مما يعطي مؤشر واضح أن الخطط الاستراتيجية التي انبثقت عنها برامج الحكومة لا زالت غير واضحة ولا آلية محسومة للتعامل معها , مما يصل بنا الى استنتاج مفاده أن لا برامج واضحة وصارمة محكومة بأهداف ضمن برامج زمنية واضحة للحكومة منبثة عن الاستراتيجيات التي وضعتها .

فبالنتيجة العامة , ان كان هناك وزيراً يعجز عن أداء مهامه وادارة وزارته ضمن التجانس الحكومي , وتحت ادارتها وخططها الاستراتيجية وضمن برنامج عملها المحكوم بتحقيق أهداف , فلا يوجد أي ضرورة لبقائه في الحكومة , ويتحمل رئيس الوزراء الجانب الأكبر في الاختيار وكيفية الاختيار والتعيين في هذا المنصب , فإن اخذ عدة فرص نفس رئيس الوزراء , وبقي مصراَ على اختياراته واستراتيجياته , وغير مقتنع بأي مراجعة لها , فلا يوجد رجل في هذه الدنيا بأسرها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم , يستطيع حمل جميع الحلول لجميع المشاكل هو جرّب فيها أكثر من 50 وزيرا , نتيجة التعديلات السبع , ولا زالت النتائج تراوح مكانها .

الذي يهمنا في النهاية هو رؤية النفع العائد على الأردن من برامج الحكومات المختلفة بالتوازي مع السلطة التشريعية والرقابية وان تختص كل سلطة بما هو موكول اليها دستوريا , وان تقوم بواجباتها على أكمل وجه ممكن . , وان يتم تقديم نفع الوطن على معارك جانبية .