وطنا اليوم:بدأت المملكة العربية السعودية في اتخاذ خطوات كبيرة نحو تغيير طبيعة علاقة مواطنيها بالألعاب الإلكترونية خلال السنوات الأخيرة، لتتحول من حقبة الممارسة إلى حقبة الابتكار والتطوير.
وسجل عدد من السعوديين بصمات من التألق في مجال الألعاب الإلكترونية على الصعيد العالمي على مدى السنوات الأخيرة، لعل أبرزهم مساعد الدوسري الذي توج مرتين متتاليتين ببطولة العالم للألعاب الإلكترونية في لعبة فيفا (2017 و2018)، وحقق عدد من الإنجازات الأخرى محليا وعالميا.
ونظرا لشغف السعوديين بالألعاب الإلكترونية، التي لا تقتصر على كرة القدم فقط بل تمتد لعدد من الألعاب الأخرى، قررت المملكة إنشاء الاتحاد السعودي للألعاب الإلكترونية في عام 2017.
وجاء ذلك في أعقاب تتويج الدوسري بلقب بطولة العالم في لعبة فيفا، حيث ظهر حينها مدى متابعة الشباب السعودي له، والشعبية الكبيرة التي بدأت تحققها الألعاب الإلكترونية في المملكة.
عمل الاتحاد السعودي للألعاب الإلكترونية في بداية نشأته على وضع الأسس السليمة لتلبية شغف الشباب السعودي في هذا المجال، عبر وضع أطر لهم لممارسة ألعابهم بشكل مؤسسي منظم، وتنظيم عدة بطولات لهم بمكافآت كبيرة من أجل تشجيع مجال المنافسة في هذا الصدد. وكان الهدف الرئيسي للاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية هو تطوير صناعة الألعاب في المملكة، بجانب تأسيس علاقات طويلة الأمد مع الصناعة العالمية وتوطيدها من أجل احتلال مكان على الساحة الدولية في هذا الصدد.
وانقسمت أنشطة الاتحاد إلى قسمين؛ الأول منهما يصب في طريق تطوير مستويات اللاعبين المتنافسين بدءًا من المستوى المجتمعي ووصولا إلى الرياضيين المحترفين الذين يمكنهم تحقيق التميز العالمي، بينما يصب الثاني في طريق تطوير منظومة الألعاب والرياضات الإلكترونية من خلال تحفيز القطاع، وتمكين المواهب من الممارسة.
موسم الغيمرز
وقام الاتحاد بتنظيم العديد من البطولات والفعاليات المحلية والدولية بأعلى المعايير، كما استقطب استثمارات قيمة من القطاع الخاص في المملكة، فضلا عن العمل مع مطورين دوليين على تطوير المحتوى المحلي في السعودية. وبدأت استراتيجية الاتحاد في التوسع على كل الأصعدة، فبجانب رعاية المواهب تمت دعوة الأندية السعودية لتسجيل عضويتها فيه تمهيدا لإطلاق عدة بطولات رسمية سنوية تشارك فيها كل الأندية بشكل رسمي عبر لاعبيها. وبدأت كل الأندية من كل المناطق في الحصول على عضوية الاتحاد السعودي للألعاب الإلكترونية، قبل أن يقوم الاتحاد بعدها بإطلاق عدة بطولات على رأسها الدوري السعودي الإلكتروني، ودوري الجامعات السعودية للألعاب الإلكترونية، وكأس المملكة لكرة القدم الإلكترونية، وكأس اتحاد الرياضات الإلكترونية، والدوري السعودي الإلكتروني للمحترفين.
وتم تدشين برنامج لدعم أندية الرياضات الإلكترونية، يهدف لتطوير جميع مستويات الأندية بداية من الناشئة منها إلى الاحترافية التي يمكنها تحقيق التميز العالمي، ومساعدتها على استدامة تطوير مجتمع وصناعة الرياضات والألعاب الإلكترونية في المملكة، وأن تحتل تلك الأندية مكانة ثابتة بين الفرق الأعلى تصنيفا في البطولات التنافسية العالمية.
مثل إطلاق الدوري السعودي الإلكتروني عام 2022 إحدى أبرز ثمار الاتحاد السعودي للألعاب الإلكترونية، حيث قدم منافسات احترافية في معظم الألعاب التنافسية بين أبرز الفرق الرياضية. وكانت فكرة الدوري السعودي الإلكتروني فريدة من نوعها، حيث ضم عددا كبيرا من الألعاب التنافسية وليس كرة القدم فقط، ويتم تقسيم العام إلى عدة مواسم وكل موسم يكون مخصصا لإحدى الألعاب.
موسم الغيمرز أبرز الألعاب السعودية الإلكترونية من أبرز الألعاب التي دخلت ضمن منافسات الدوري السعودي الإلكتروني بجانب ألعاب فيفا الخاصة بكرة القدم كل من Rocket League، وOverwatch، وRainbow 6 Siege، وCall of Duty Vanguard.
وتشمل بطولات الدوري السعودي للألعاب الإلكترونية نحو 55 بطولة، بمجموع جوائز يصل إلى 5 ملايين ريال، بينما يصل عدد الفرق المشاركة فيه إلى 50 فريقا، تضم أكثر من 400 لاعب، تتم تصفيتهم إلى 40 فائزا في النهاية.
وضعت المملكة العربية السعودية خطة محكمة لاقتحام صناعة الألعاب الإلكترونية، والتحول من مجرد الممارسة والتألق فيها، إلى مجال الصناعة والتطوير فيها ووضع بصمات خاصة عليها.
وأدركت المملكة سريعا أن الرياضات الإلكترونية هي إحدى الصناعات الرائدة في السنوات الأخيرة، والتي سيكون لها دور كبير في المستقبل كأحد مصادر الدخل الكبرى، كما هو الحال مع كرة القدم التي باتت تدر أموالا ضخمة جدًا للدول الكبرى. وتوقعت المملكة أن المستقبل يكون للرياضات الإلكترونية، لذا قررت أن تمتلك أحد أقوى الدوريات الإلكترونية في العالم، وتجلب الاستثمارات إلى هذا المجال من كل حدب وصوب، سواء من رعاة داخليين أو خارجيين. جحيم مانشستر يونايتد.. محرر كريستيانو رونالدو يعرض خدماته على سانشو وقررت المملكة استثمار 142 مليار ريال (38 مليار دولار) للتحول إلى مركز للرياضات الإلكترونية بحلول عام 2030، في إطار الخطط الهادفة إلى تنويع مصادرها الاقتصادية، وذلك عبر مجموعة “سافي غيمز غروب” التابعة لصندوق الاستثمارات العامة السعودي.
موسم الغيمرز ووفق بيان رسمي، فإن المجموعة ستنفق 50 مليار ريال لشراء وتطوير ناشر للألعاب الإلكترونية، فضلا عن 70 مليار ريال للاستحواذ على حصص أقلية في شركات الألعاب، و20 مليار ريال في شركات رائدة في صناعة الألعاب، وملياري ريال في شركات ناشئة متخصصة في الألعاب والرياضات الإلكترونية. ووفقا لتقرير نشرته شركة “بلومبيرغ” العالمية فإن هناك أكثر من 23 مليون لاعب في المملكة، أي نحو 58% من عدد السكان، مقارنة بـ66% في الولايات المتحدة، وبحلول عام 2026 يُتوقع أن تنمو سوق الألعاب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنسبة 56%، لتصل إلى 2.79 مليار دولار. موسم الغيمرز يعد موسم الغيمرز إحدى أبرز الأدلة الواضحة على مدى تقدم الألعاب والرياضات الإلكترونية في السعودية خلال الفترة الأخيرة، بما وصل إليه من شعبية كبيرة في شتى أنحاء العالم، والمشاركة الكبرى التي سجلها في مختلف أقسامها من أغلب دول العالم.
وأطلق الاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية “موسم الغيمرز” للمرة الأولى في عام 2022، والذي حقق نجاحا كبيرا من كل النواحي، سواء في عدد الزوار الذين استقطبهم، او اللاعبين الذين شاركوا فيه من كل أنحاء العالم، أو الشعبية التي حفرها بين الجماهير داخليا وخارجيا. ووفقا لصحيفة لشرق الأوسط السعودية فإن النسخة الأولى من موسم الغيمرز شهدت مشاركة 113 فريقاً محترفا عالميا في بطولات متعددة في أقوى الألعاب الإلكترونية الشهيرة عالميا، وتم تقديم جوائز للفرق الفائزة وصلت قيمتها إلى 15 مليون دولار.
موسم الغيمرز ووصل عدد اللاعبين المشاركين إلى نحو 400، من أبرز لاعبي الرياضات الإلكترونية العالميين وعشّاقها، ينتمون لأكثر من 60 دولة من مختلف أنحاء العالم، بينما وصل عدد زوار الفعاليات لنحو 1.4 مليون زائر، فيما تابعها نحو 132 مليون شخص من شتى أنحاء العالم. بينما تضاعف مجموع الجوائز في “موسم الغيمرز” الثاني الذي اختتم مؤخرا مرتين، ليصل إلى 45 مليون دولار، وحمل هذا الحدث عنوان “موسم الغيمرز.. أرض الأبطال” للدلالة على منافسة أبطال الرياضات الإلكترونية العالميين والمحليين على اعتلاء القمّة، وعلى أن المملكة باتت وجهة الألعاب والرياضات الإلكترونية العالمية ومركز أبطال هذه الرياضات.
وضم “موسم الغيمرز 2023” 15 بطولة عالمية في مختلف الرياضات الإلكترونية، شارك فيها نخبة من اللاعبين من كل أنحاء العالم، بينما استقطب الحدث أكثر من مليوني زائر، شاركوا في تجارب مميزة عبر أكثر من 1000 نشاط وفعالية ترفيهية وموسيقية وتعليمية. وشهدت الموسم إقامة عدة حفلات موسيقية شارك فيها أكبر نجوم الفن العرب والعالميين، بجانب منافسات مجتمعية في الألعاب الإلكترونية، ومنصات تعليمية، وفعاليات ترفيهية تناسب مختلف الفئات العمرية.
مع اكتساب الألعاب الإلكترونية ذلك الزخم الكبير في البلاد، باتت الاستراتيجية الوطنية السعودية للألعاب والرياضات الإلكترونية تركز بشكل متزايد خلال الفترة الأخيرة على إنتاج الألعاب المحلية، في إطار التعهد بتحويل المملكة إلى “جنة لمطوري الألعاب”، يمكنها إنتاج عناوين جديدة “تروج للثقافة السعودية والعربية”.
ووفقا لتقرير نشرته وكالة الأنباء الفرنسية، فإن السعودية تبدو اسوق ذهبية للألعاب الإلكترونية، إذ تقل أعمار ثلثي المواطنين عن 30 عاما، لكن حتى الآن لم يتمكن أحد من حل لغز كيفية تصميم لعبة إلكترونية ناجحة تعرض أيضا الثقافة السعودية.
وقد اعترف بهذا الأمر فيصل بن حمران، كبير مسؤولي الرياضات الإلكترونية في الاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية، في تصريحات نشرتها الوكالة، لكنه قال إن 25 ألف مطور سعودي وأجنبي يعملون على إنجاز هذا التحدي حاليا. وأشار بن حمران إلى أن أحد مصادر الإلهام يأتي من الشخصيات السعودية التي ظهرت بالفعل في الامتيازات العالمية، مثل شاهين في ألعاب القتال “تيكن” أو رشيد في “ستريت فايتر” ووفقا للوكالة الفرنسية فإن المسؤولين بالمملكة لديهم أحلام أكبر، فالاستراتيجية الوطنية تستهدف إنتاج 30 لعبة في استوديوهات محلية بحلول 2030 من أجل الوصول للمنافسة عالميا، وبالفعل لاقت بعض الألعاب السعودية غير المصقولة صدى لدى المشجعين السعوديين