“أوضاع غزة” في المقدمة.. أهم الملفات في القمة الثلاثية بين الأردن ومصر وفلسطين في “العلمين الجديدة”

28 أغسطس 2023
“أوضاع غزة” في المقدمة.. أهم الملفات في القمة الثلاثية بين الأردن ومصر وفلسطين في “العلمين الجديدة”

وطنا اليوم: شهدت مدينة العلمين المصرية في الرابع عشر من أغسطس 2023، انعقاد قمة ثلاثية جمعت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين والرئيس الفلسطيني محمود عباس، والتي جاء بيانها الختامي مُفصلاً بتأكيده على أولوية المرجعيات القانونية الدولية والعربية لتسوية القضية الفلسطينية، والدعم الكامل لجهود الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وأهمية الوصاية الهاشمية التاريخية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، ودورها في الحفاظ على هويتها العربية الإسلامية والمسيحية، وأنّ إدارة أوقاف القدس وشؤون المسجد الأقصى المبارك التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأردنية هي الجهة صاحبة الاختصاص الحصري بإدارة شؤون المسجد الأقصى المبارك/ الحرم القدسي الشريف كافة، والتمسك بمبادرة السلام العربية بعناصرها كافة، وضرورة البناء على اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية.

وتأتي القمة بين القادة الثلاث بعد مرور قُرابة سبعة أشهر على قمة مماثلة جمعتهم في القاهرة بتاريخ 17 يناير، والتي جاءت كأول فعل عربي رسمي على تشكيل الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو حينذاك، وبعد أسابيع من استضافة مدينة العلمين اجتماعاً ضم الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية في 30 يوليو 2023 بحضور رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ومسؤولي الفصائل الفلسطينية، (باستثناء حركة الجهاد الإسلامي وتنظيمي “الصاعقة” و “الجبهة الشعبية/ القيادة العامة”).

ما بين قمتي القادة والفصائل

شهدت الفترة الفاصلة بين القمتين سلسلة من الأحداث الهامة وغير المنفصلة، منها:

أولاً: قيام الرئيس الفلسطيني محمود عباس بزيارة العاصمة الأردنية عمان في 8 أغسطس 2023، ولقاء جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين، والتي جاءت بعد ساعات من لقاء جلالة الملك ومنسق البيت الأبيض لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بريت ماكغورك، وبحثهم القضية الفلسطينية.

ثانياً: قيام الرئيس الفلسطيني بإحالة اثني عشر محافظاً من الضفة الغربية وقطاع غزة إلى التقاعد، في 10 أغسطس، وتشكيل لجنة رئاسية لاختيار المرشحين لشغل مناصب المحافظين.

ثالثاً: تلقي الرئيس الفلسطيني اتصالاً هاتفياً من رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية في 10 أغسطس، لبحث تشكيل لجنة لمتابعة مخرجات اجتماع “الأمناء العامين” للفصائل الفلسطينية في مدينة العلمين.

رابعاً: تصريحات عبد الإله الأتيرة مستشار رئيس الحكومة الفلسطينية في 10 أغسطس، عن وجود تغييرات كبيرة وواسعة تشمل السفراء والوزراء وعدد من الشخصيات الرسمية في السلطة الفلسطينية بعد إحالة المحافظين إلى التقاعد.

خامساً: إعلان المملكة العربية السعودية في 12 أغسطس، عن تعيين سفيرها لدى المملكة الأردنية الهاشمية نايف بن بندر السديري “سفيراً فوق العادة مفوضاً وغير مقيم لدى دولة فلسطين، وقنصلاً عاماً بمدينة القدس”.

سادساً: تنظيم لقاء تشاوري في قطاع غزة تحت رعاية حركة “حماس” في 14 أغسطس، بمشاركة مجموعة من الفصائل والمؤسسات والشخصيات حول الانتخابات المحلية، تم الاتفاق في نهايته على ضرورة عقد الانتخابات المحلية في قطاع غزة، ومطالبة الجهات الحكومية في القطاع والضفة الغربية بتسهيل إجراء الانتخابات تحت إشراف لجنة الانتخابات المركزية، وضرورة تعاون الفصائل والهيئات الوطنية والمجتمعية من أجل تذليل العقبات أمام إجراء هذه الانتخابات.

مستقبل السلطة ومحددات الإقليم
تُشير سلسلة المواقف والأحداث الفاصلة بين قمتي الفصائل الفلسطينية والقادة الثلاث، إلى أن الأزمة الداخلية في السلطة الفلسطينية ربما بلغت ذروتها؛ سياسياً وأمنياً واقتصادياً. وأن هناك حاجة لإجراءات عاجلة ومطلوبة من أجل الحفاظ على دور السلطة وضمان مستقبلها، خاصة في ظل التغيرات التي تشهدها القضية الفلسطينية، والإجراءات الإسرائيلية المتسارعة على الأرض. وهي مُقدمة لخطوات قادمة في داخل السلطة وفي علاقتها مع الفصائل، وكذلك تأهيلها ككيان قادر على مواجهة السياسات الإسرائيلية وإحياء العملية السياسية للتفاوض مع إسرائيل.

فمن الناحية السياسية تتفاقم حدة السياسات والمواقف الإسرائيلية على الأرض بشكل يومي، وباتت السلطة عاجزة أكثر من أي وقت مضى على مواجهة سياسات الاستيطان والتهويد واعتداءات المستوطنين اليومية على الفلسطينيين في الضفة الغربية، في نفس الوقت الذي تكرس فيه الانقسام السياسي بين الضفة وغزة، وبات “شبه الدولة” المستقلة في غزة واقعاً مقلقاً لقيادات السلطة.

ومن الناحية الأمنية تفاقمت أزمة سيطرة السلطة الفلسطينية في منطقة جنين، وامتدت إلى منطقة طولكرم، ونسبياً الى مخيم عقبة جبر في منطقة أريحا، وشهدت مناطق أخرى، مثل الخليل وقلقيلية حالات من الفوضى وفقدان السيطرة على السلاح غير القانوني في أحداث داخلية غير مرتبطة بمواجهة القوات الإسرائيلية، وهي حالة يبدو أن رئيس السلطة الفلسطينية حمّل مسؤوليتها للمحافظين بحكم مسؤوليتهم الأولى عن المناطق سياسياً وأمنياً.

ماذا-بعد-الاجتياح-الإسرائيلي-لمدينة-جنين؟‎in-2.jpg

يضاف إلى ذلك ازدياد نفوذ بعض المحافظين وهو ما يجعل من قرار إقالة المحافظين خطوة مركبة تسعى لتحقيق عدة أهداف في وقت واحد، على رأسها فرض معادلات أمنية صارمة جديدة في المحافظات، ومحاصرة طموح بعض القيادات الفلسطينية في خلافة الرئيس عباس، وإرسال رسائل لكل الأطراف المعنية حول جدية السلطة الفلسطينية وقدرتها على فرض سيطرتها على الضفة الغربية.

ومن الناحية الاقتصادية وصلت أزمة السلطة الفلسطينية المالية، درجة تنذر بانفجار الأوضاع الداخلية، خاصة مع استمرار مشكلة رواتب الموظفين العموميين (المدنيين والعسكريين) التي بدأت نهاية عام 2021 والتي لا يبدو أن الحكومة الفلسطينية تمتلك خطة لتجاوزها، وآخر بوادر الأزمة تمثلت في ازدياد حالات التسرب بين أفراد وضباط صف الأجهزة الأمنية من أجل العمل داخل الخط الأخضر أو في المستوطنات الإسرائيلية، وتهديد الحراك الموحد للمعلمين بالإضراب المفتوح والشامل مع بداية العام الدراسي الجديد، واحتمالات انضمام نقابة الأطباء إلى الإضراب، بل وتهديد الأطباء الحكوميين بالاستقالة الجماعية من وزارة الصحة الفلسطينية.

 

شروط البقاء الصعبة
في ضوء ذلك كله كان لا بد لرئيس السلطة الفلسطينية من التحرك داخلياً وإقليمياً، حيث يشكّل مطلب المحافظة على وجود السلطة الفلسطينية وعدم انهيارها مصلحة فلسطينية وإقليمية ودولية، وحتى يتحقق هذا المطلب كان على رئيس السلطة اتخاذ إجراءات حازمة وسريعة تضمن المحافظة على شروط البقاء الصعبة، وهذا ما حصل، كخطوة أولى، في قرار إقالة المحافظين، ومن المتوقع أن يتواصل من خلال:

أولاً: إجراء تعديلات وزارية في الحكومة الفلسطينية في محاولة لإدارة الأزمة المالية والتعامل مع المعضلة الأمنية بسياسات جديدة في ظل تعثر الحكومية الحالية في إدارة تلك الملفات، وقد تشمل التغييرات السفارات والقنصليات والممثليات الفلسطينية في الخارج، والتي تستنزف نسبة عالية من الموازنة العامة للسلطة، ومن غير المستبعد أن يتم اختيار شخصيات عامة (مهنية وغير حزبية) لشغل المواقع الجديدة (محافظين ووزراء وسفراء وغيرها) بالاتفاق الضمني مع حركة “حماس” والفصائل التي شاركت في اجتماع “الأمناء العامين” للفصائل الفلسطينية في مدينة العلمين.

ثانياً: إجراء تغييرات في قيادات الأجهزة الأمنية بما يعزز الثقة الشعبية تجاهها، ويمكّنها من تنفيذ سياسات جديدة لضبط الحالة الأمنية في الضفة الغربية.

ثالثاً: القيام بتسمية غير رسمية لنائب رئيس السلطة الفلسطينية، حيث التسمية الرسمية تتطلب آليات إجرائية معقدة، منها تعديل القانون الأساسي ودعوة المجلس التشريعي للانعقاد، وهو المجلس المعطل حالياً منذ حلّه في ديسمبر 2018.

رابعاً: البدء بحملات أمنية مشددة وبمشاركة كافة الأجهزة الأمنية في مختلف المحافظات، بحيث تستهدف حالات الفوضى والفلتان والخروج عن القانون، وتتوجه بشكل أساسي لجمع السلاح غير المرخص واعتقال المطلوبين وفرض النظام بشكل صارم.

خامساً: اتخاذ إجراءات مالية جديدة لمحاولة التخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية، خاصة في ملف رواتب موظفي السلطة، وتحديداً لأصحاب الرواتب المتدنية منهم (عسكريين ومدنيين) من أجل وقف ظاهرة التسرب لدى بعض أفراد الأجهزة الأمنية، وقطع الطريق على إضراب المعلمين والأطباء، ومنع انفجار الأوضاع الداخلية.

سادساً: الإعلان عن موعد لعقد الانتخابات المحلية في الضفة الغربية وقطاع غزة بالاتفاق مع حركة “حماس” والفصائل المشاركة في لقاء الفصائل بالعلمين، وهي خطوة مركبة تستهدف التخفيف من حدة الاحتقان الداخلي الناتج عن الانقسام السياسي من جانب، وتبعث رسالة للمجتمع الدولي والدول المانحة حول وجود “حالة ديمقراطية” في السلطة الفلسطينية من جانب ثان، وتمهد لخطوات مستقبلية هادفة لإنهاء الانقسام ودمج حركة “حماس” في النظام السياسي الفلسطيني وإجراء انتخابات عامة (رئاسية وتشريعية) من جانب ثالث.

سابعاً: الإسراع في ترتيبات عقد المؤتمر العام الثامن لحركة “فتح” من أجل ضبط بيت الحركة الداخلي استعداداً للمرحلة القادمة، وبما يعطي شرعية تنظيمية لقرارات الرئيس محمود عباس الهادفة إلى الحد من المنافسات والصراعات داخل الحركة من ناحية ثانية.

وأخيراً؛ شكّلت قمة العلمين تكثيفاً للتفاهمات الفلسطينية الأردنية المصرية الهادفة لضبط الحالة الفلسطينية استعداداَ للتحديات القائمة والقادمة، سواء من جهة الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، أو من جهة مشروع “الجبهات المتعددة” الإيراني. وهذا ما يفسر الكثير من بنود الإعلان الختامي للقمة. وإن ضبط الحالة الفلسطينية يبدأ بالعمل على تصويب أوضاع السلطة الفلسطينية الداخلية (السياسية والأمنية والمالية) في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، وبذلك فإن حركة “حماس” ليست بعيدة عن المشهد -ومن غير الممكن استبعادها- خاصة أنها جزء من الترتيبات القادمة، ولديها القابلية لتقديم تنازلات تضمن لها مكانتها في الحالة الفلسطينية، وتعزز من طموحها السياسي في الحالة الإقليمية.

الكاتب حازم سالم الضمور