الاوقاف: هذه خطبة الجمعة التزموا بها

10 أغسطس 2023
الاوقاف: هذه خطبة الجمعة التزموا بها

وطنا اليوم – نشرت وزارة الاوقاف والشؤون والمقدسات الاسلامية نص خطبة الجمعة التي جاء فيها

بسم الله الرحمن الرحيم
عنوان خطبة الجمعة الموافق 11-08-2023 .
*( آداب الفرح وأحكامه في الاسلام )*
…………………………………
الْحَمْدَ لِلَّهِ الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، نحمده ونستعينه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة حق تنجينا من عذاب أليم ، عليها نحيا وعليها نموت ، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله ، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة وكشف الغمة ، وجاهد في الله حق جهاده وترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، اللهم صلّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

مع دخول فصل الصيف، تكثر مناسبات الأفراح والنجاح، وعودة المغتربين بالسلامة إلى بلادهم، وقد شرع الله عز وجل للناس الفرح في مناسباتهم السعيدة بما أنعم الله تعالى عليهم بغير معصية ولا إثم، وبما يحقق مرضاته سبحانه، قال الله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ يونس: 58.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفرح ويظهر سروره في كثير من أمور حياته صلى الله عليه وسلم، وكان يجتهد في إدخال الفرح والسرور في نفوس المؤمنين، ومن علامات فرحه صلى الله عليه وسلم تبسمه، فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: “ما حجبني النبي  صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم في وجهي” صحيح البخاري، وعن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: “كان صلى الله عليه وسلم إذا سُرَّ استنار وجهه كأنه قطعة قمر وكنا نعرف ذلك منه” رواه البخاري.

وإن من أعظم الفرح أن يفرح الانسان بعودته إلى الله تعالى وذلك بإقلاعه عن ذنبه والإنابة إلى ربه سبحانه وتعالى، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «للَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ، سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ، وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلاَةٍ». وفي رواية: «لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا، وقَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ! أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَح».

ومما لا ريب فيه أن الفرح يغمر الناس بالسعادة، ويدخل البهجة والسرور على نفوسهم وقلوبهم مما ينشر روح المحبة بينهم .

ومن الأدلة على مشروعية إظهار الفرح والسّرور في الأفراح والمناسبات السعيدة، قول النبي صلى الله عليه وسلم:«فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلالِ وَالْحَرَامِ: الدُّفُّ، وَالصَّوْتُ فِي النِّكَاح» رواه النسائي في السنن. وعن عامر بن سعد  رضي الله عنه عن قرظه بن كعب، وأبي مسعود الأنصاري أنّهما قالا: “قد رخص لنا في اللهو عند العرس” رواه النسائي والحاكم. ودخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه بيت عائشة رضي الله عنها، وعندها جاريتان تغنيان يوم العيد، فقال أبو بكر رضي الله عنه : مزمار الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «دعهم يا أبا بكر، فإن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا» رواه البخاري ومسلم.

وسأل الرسول صلى الله عليه وسلم السيدة عائشة رضي الله عنها عن زواجٍ حَضَرَتُه للأنصار:« هل كان معكم شيء من لهو؟ -أي من طرب- فإن الأنصار يعجبهم اللهو» رواه البخاري. وفي بعض روايات هذا الحديث، أنه قال:” فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني؟ قالت عائشة رضي الله عنها: تقول ماذا يا رسول اللّه؟ قال: تقول:

أتينــــــــــــاكم أتينـــــاكــم … فحيونا نحييكم
ولولا الذهب الأحمر … ما حلت بواديكم
ولولا الحنطة السمراء …ما سمنت عَذاريكم

ومن أنواع الفرح أن تفرح لفرح أخيك المسلم، وتسر لوصول النعمة إليه، قال صلى الله عليه وسلم:”لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ” اخرجه البخاري

ومع هذه المشروعية للفرح في الإسلام إلا أن بعض الناس يقومون بسلوكيات خاطئة خارجة عن آداب الفرح وتلحق الأذى بالآخرين، وقد حرم الله سبحانه وتعالى إيذاء الآخرين بأي صورة من صور الإيذاء، قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ الأحزاب: 58.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«المسلم من سلم الناس من لسانه ويده» رواه البخاري. وقال أبو ذر رضي الله عنه : قلت: يا رسول الله أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال: «تكف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك” رواه مسلم. وعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :«مَنْ ضَارَّ أَضَرَّ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّ اللَّهُ عَلَيْــهِ» رواه أبو داود.

ومن أبرز صور التعبير السلبية عن الفرح ما يقع من بعض أهل الفرح أنهم عند مسيرهم بمركباتهم يسيرون على شكل مواكب مما يؤدي إلى إيذاء الآخرين في طرقاتهم، وتعطيل لحركة المرور والتضييق على الناس وتأخيرهم عن بيوتهم وأعمالهم بسبب الازدحام الذي يسببونه، إضافة إلى ما قد يؤدي إلى إزهاق الأرواح ، وإلحاق الأضرار بمركبات الآخرين وبالمشاة بسبب المراوغة واللعب بالمركبات، والإزعاج الناجم عن ارتفاع الأصوات وغيرها من السلوكيات المنحرفة مما ينتج عنه من إيذاء للآخرين وانتهاك لحرياتهم وحقوقهم، ناهيك عن بعض ما قد يحصل أحياناً من شجارات ومضاربات وحوادث وشتائم.

ومن صورها أيضاً ما يحصل في بعض المناطق الضيقة والمزدحمة بالسكان من قيام بعض الناس بإغلاق الطرقات بنصب الخيام وما شابهها لإقامة الفرح أو إيقاف المركبات على الطرقات بشكل عشوائي، مما يضيق على الآخرين ويسبب لهم الأذى، وخاصةً المرضى وكبار السن وغيرهم ممن قد يكونون بأمس الحاجة لاستخدام هذه الطرقات في بعض المواقف الضرورية، وما تسببه من حوادث السير التي تنتج عن مواكب الأفراح وتزاحمها وعدم التزامها بقواعد المرور، علماً بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بإعطاء الطريق حقها، ونهى عن الاعتداء عليها ، وأمر بإماطة الأذى عنها وجعل إماطة الأذى عن الطريق شعبة من شعب الإيمان، فكيف بنا في أفراحنا نغلق هذه الطرق بمواكبنا وبخيمنا ونقطعها على المسلمين.

ومن صور الإيذاء استمرار الفرح لوقت متأخر من الليل باستخدام مكبرات الصوت، مما يؤذي الجيران بسبب ارتفاع الصوت دون مراعاة لظروف الأطفال والمرضى وأصحاب الأعذار، وطلاب العلم من أبنائنا الدارسين في المدارس والجامعات الذين يسهرون لتحضير دروسهم والاستعداد لامتحاناتهم، فيأتي أهل الفرح ويشوشون عليهم ويزعجونهم ويعطلونهم عن دراستهم.

ومن المظاهر السلبية والخاطئة في مجتمعاتنا إطلاق العيارات النارية في التعبير عن الفرح والسرور والبهجة، وكم سمعنا عن حوادث مؤلمة ومفجعة نتيجة التهور والاستخدام الأهوج للأسلحة النارية في الأفراح، فكم أزهقت أرواح وكم تسببت في إعاقة أشخاص بسبب عيار ناري طائش، وكم سمعنا عن إضرار بممتلكات الآخرين، وكم انقلبت أفراح أناس إلى أتراح وأحزان لمقتل شاب أو طفل أو رجل أو بنت أو امرأة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا» رواه أبو داود.

ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن حمل السلاح مكشوفاً حتى لا يؤذي المسلمين عن طريق الخطأ، ونهى عن الإشارة بالسلاح إلى المسلم خوفاً أن تزل يده بنَزْغٍ من الشيطان الرجيم، فكيف بمن يستعمل السلاح فعلاً ويتسبب بأذى المسلمين؟! قال صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ فِي مَسْجِدِنَا أَوْ فِي سُوقِنَا وَمَعَهُ نَبْلٌ فَلْيُمْسِكْ عَلَى نِصَالِهَا، أَوْ قَالَ: فَلْيَقْبِضْ بِكَفِّهِ أَنْ يُصِيبَ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا شَيْءٌ» متفق عليه.

وعن أبي هريرة رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قال، قال أبو القاسم ﷺ (من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى ينزع وإن كان أخاه لأبيه وأمه) رواه مسلم

ولأن جريمة القتل من أبشع الجرائم التي يمكن أن تقع على وجه الأرض، فقد حرّمها الإسلام تحريماً قاطعاً، قال الله تعالى: ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا﴾ الإسراء: 33. وقال  صلى الله عليه وسلم: «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم» سنن الترمذي.

أيها المؤمن إن من حقك أن تفرح، ولكن ليس من حقك أن تلحق الأذى والضرر والحزن بالآخرين، افرح ولكن لا تجعل فرحك مصيبة للآخرين، افرح لكن لا تعتد على حقوق الآخرين وحرياتهم، افرح لكن لا تروع الآمنين وتكدر صفو حياتهم، افرح لكن لا تقتل الناس بفرحتك، اجعل فرحك منضبطاً بضوابط الشرع وتعاليمه وبآداب الإسلام وأخلاقه، وباحترام القانون واحترام حقوق الآخرين وحرياتهم ومشاعرهم.

 

*الخطبة الثانية*
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران:102.

 

*عباد الله* لا تنسوا الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن أُبي بن كعب رضي الله عنه: (أنّ من واظبَ عليها يكفى همه ويُغفر ذنبه)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا”، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ ﴾الأحزاب،33 :43، ومن دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: “سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر”، ومن قال: ” لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكُتِبَتْ له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي”، وعليكم أيضاً بــ ( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن وهما سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) قدر المستطاع.

*سائلين الله تعالى أن يحفظ ولي أمرنا جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وولي عهده الأمين الحسين بن عبد الله، وأن يوفقهما لما فيه خير البلاد والعباد، إنه قريب مجيب.*
*والحمد لله ربّ العالمين*