الفنان يقول ل ” 2021” لولا الضد ما ذُقنا طعم الضد “

1 يناير 2021
الفنان يقول ل ” 2021” لولا الضد ما ذُقنا طعم الضد “

هبة أحمد الحجاج

 

يقول صلى الله عليه وسلم : ” بشروا ولا تنفروا “.

لا تقفوا على عتبات نهاية 2020 ، وتبثوا سمومًا قاتلة ، وتلقوا العبارات المُحبطة المدمرة للنفوس البشرية ، التي تحبط من العزيمة والقوة والإصرار، وبدل من أن ندخل السنة الجديدة بصدرٍ رحب، ونبدأ بمصافحتها وكأننا نريد السلام والطمأنينة؛ لما عانيناهُ من السنة الماضية ، تأتي أنت أو أنتِ تُلقي الكلمات وكأنها رصاصات تقتل وتفتك هذه الأنفس ، وإذا أردت الوصف الدقيق ، قد يكونون يلتقطون أنفاسهم الأخيرة وأنت قد تكون قتلتهم، وعلى رأي المثل أزيدك من الشعر بيتاً ” ودفنتهم أيضاً” ، وتكون بذلك طبقت المثل المتداول ” تقتل القتيل وتسير في جنازته”.

اسمح لي أن أسألك سؤالًا ، لماذا لا تحمل معك أنبوبة أكسجين؟ كم هو شعورٌ جميل أن يأتي إليك شخص محملٌ بالأحزان والهموم وكأن الدنيا وقفت على ظهره وبعض الأحيان قد تكون كسرته ويلتقط أنفاسه الأخيرة، وشارف على الإنتهاء وتأتي أنت وتعطيه جرعة من الأكسجين ، الأكسجين الذي لديك محملاً بالطاقة والصبر، محملاً بالصبر على المصائب وأنها أولاً و أخيراً هي دنيا لا تعطينا كل شيء، ولا تأخذ منا كل شيء، والكثير الكثير من الجمل والعبارات التي تعيد الإنسان وكأنه اليوم هو يوم ولادته .

والآن أشعر وكأنك تريد أن تمتلك تلك الأنبوبة ” أنبوبة الأكسجين”وتقول تفائلوا بالخير تجدوه ” لكنك خائف أو مضطرب أو حتى قلقًا نوعاً ما” ، حسناً ، أنا لن أكذب على نفسي وعليك أو على الكون بأسره أن سنة 2020 كانت سنة جميلة، أو لطيفة والحياة كانت فيها سعيدة وطبيعية وعادية؛ لأنها لم تكن كذلك ولا حتى عادية بل كانت حياة غير عادية على الإطلاق، ولكن لنرفع لافتةً ونضع عليها شعار ” لولا الضد ما ذوقنا طعم الضد”.

أتعلم ماذا يعني هذا ؟! حسناً ، لنبدأ بشكلٍ تصاعدي للأشياء التي حصلت في هذه السنة .

قبل سنة 2020” الكورونا” كانت المصافحة والأحضان ، شيئاً طبيعيًا، وأصبحت وكأنها عادة من عاداتنا اليومية المتعارف عليها من القدم ، الأبناء يقبلون أيدي آباءهم وأمهاتهم، والأخت تحتضن أُختها عند إحساسها بالضعف أو حتى الاشتياق، والصديق يصافح زميله ، ولكن في هذه السنة أصبح التباعد الاجتماعي واجباً علينا و غير مسموح أن نتبادل أي نوع من أنواع المصافحة؛ لأن الكورونا تنتقل عن طريق الملامسة ووجباً علينا أيضاً أن نضع ” الكمامة ” ، حتى ملامح الوجه أيضاً أصبحت تُغطى بالكمامة، لا تعرف إذا كان الشخص الذي أمامك حزين أو فرح ،مهموم ، أم مطمئن.

في سنة 2021، سنكون قدرنا ما معنى أن يصافح الزميل زميله ، أن تحتضن الصديقة صديقتها ، أن يقبل الابن والديه ، سيكون كل هذا له طعم مختلف.

قبل سنة 2020” الكورونا” كنا نقيم الأفراح والليالي الملاح ههههه ، وقسمٌ منا يذهب ويشارك والقسم الآخر يتكاسل ظنًا منهم أن الأفراح لن تنتهي و أنهم ملوا من هذه الطقوس التي تعيد نفسها في كل الأعراس ، فشيء طبيعي عرف من أعراف الناس ونتوارثه من جيل إلى جيل ، فكم عرس قد حضرته أنت على مستواك الشخصي ، فمن الطبيعي أنك حفظت كل هذه المراسم ، ومن الطبيعي جداً أن تشعر بالملل، ولكن في سنة 2020” الكورونا” لم يكن هناك أعراس ، ولا حتى أي مظهر من مظاهر الفرح ، منعت هذه الأعراف؛ لأن الكورونا تنتشر كالنار في الهشيم ، وفي الأفراح تجتمع الناس من كل حدبٍ وصوب ، فللأمان والحرص لم يكن هناك أي مظهر من مظاهر الاحتفالات أو حتى التجمعات .

في سنة 2021” أريد منك أن تصف لي شعورك عندما تتلقى بطاقة دعوة لأول عرس بعد الكورونا ، أريد أن تصف لي عندما تلبس وتتجهز وتذهب إلى هذا الفرح ، عندما تقف على باب هذه القاعة ، عندما تشارك في الفرح ، اعتقد أنك فهمت قصدي تماماً وبماذا أريدك أن تشعر ؟!

والآن أريد منك أن تمسك زجاجة عطرك بيدك و تقوم برشها في جميع أرجاء المنزل ، يا اااا إلهي كم هي رائحة جميلة ونفاذه، وتعطي الإنسان السعادة باستنشاق مثل هذه الروائح ، انتبة في سنة 2020″الكورونا” أصيب أشخاص بالكورونا ومن أعراضها، تفقد حاسة الشم والذوق ، وهنا بدأت المشكلة أصبحت حياتهم ليست حياة طبيعية ، أصبحوا لا يستطيعون أن يستمتعوا بالروائح الجميلة ولا يستطيعون أن يتذوقون أبسط مأكولاتهم .

اسألوا هؤلاء الأشخاص كيف كانت فرحتهم عندما استطاعوا أن يستنشقوا هذه الروائح؟ كيف قفزوا من مكانهم عندما استطاعوا أن يتذوقوا ربما سندويشةً صغيرة أو حتى كوباً من القهوة المعتاد.

في 2021” هم الذين يستطيعون أن يتكلموا عن تجربتهم المؤلمة هم الوحيدين الذين يستطيعون أن يقدروا هذه الحواس لأنهم هم الذين فقدوها ، سيكونون في لقمة من الطعام سعيدين وسعيدين للغاية أيضاً؛ لما عانوه من هذا الفقد . وكما يقول المثل ” الذي يده بالنار ليس كالذي يده بالماء”، وأيضاً “اسأل مجرب ولا تسأل حكيم “.

تذكر حال المدارس والجامعات، أتذكر قبل 2020 كيف كانت مكتظة بالطلاب؟ مكتظة بأصواتهم ومناقشاتهم وضحكاتهم واعتراضاتهم ، وشكوتهم على المواد وشرح المواد والكثيير الكثير من روتين حياة الطالب الجامعي ، الصفوف والقاعات كانت أيضاً مكتظة ، باحات المدراس كيف كانوا الطلاب يتراكضون فيها و يرسمون ويضحكون أو حتى يبكون من علامةٍ سيئة ، كل هذه المظاهر لم تعد موجوده في الكورونا ؛ والسبب منعاً لانتشار الكورونا .

هل تستطيع أن تتخيل فرحة طفلٍ صغير يقف على عتبات باب مدرسته التي حُرم منها؟ هل تستطيع أن تتخيل شعوره وهو يحتضن أصدقائه بدون خوف؟ هل تستطيع أن تتخيل شعور الطالب الجامعي وهو في محاضرته يجلس بجانب رفاقه ويصف لهم مدى فرحته بحضور أول محاضرة بعد الكورونا، مع أنه قد يكون من الطلاب الذين لا يلتزمون بمحاضراتهم ولكنه ذاق طعم الفقد ، هذا كله سنشاهده بإذن الله في 2021.

والآن حان وقت تغيير فكرتك الكاملة عن هذه السنة ، بالتأكيد أنت سمعت المثل الشهير ” مصائب قوم عند قوم فوائد” .

وأنا أقلب الصفحات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وجدت معلومة تقول وندعو الله أن تكون صحيحة ” لقاح الكورونا مفيد للسرطان، أوغر شاهين وأوزلم تورجي أشهر وجهين للطاقم المطوّر للقاح كورونا. الاثنان باحثان في مجال محاربة السرطان وتوصلا لتطوير لقاح ضد فيروس كورونا. غير أن هذا اللقاح بالذات في طريقه إلى إحداث ثورة نوعية للقضاء على مرض السرطان” .

والآن أريد منك أن تتذكر قول رسولنا الكريم “وَعَنْ أبي يَحْيَى صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ  قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ”. رواه مسلم.

أريد منك أن تتعلم من 2020 لأنها علمتني “ كُلّ شي يحدث معي سيئاً أو غريباً ، كبيرًا أو عظيمًا، أو مُفجِعًا أو تافهًا ، على الفور أقول ” لعلّه خير ” ،

ليس لعلّه خير أقولها بشكل سطحي ، لا؛ لعلّه خير المليئة بالإيمان التام بأنّ الخير سوف يأتي، و كل ما أسرح في أي شيء بالحياة و أسأل لماذا حصل هذا ؟ أجد هنالك شيء في نفسي ” الله أراد ذلك” ، فكرة ثقتك بربنا و أنّه لن يختار لك إلا الأفضل هيّ فكرة ستجعلك تعيش بسلام ، و تحسّ بأمان بكلّ وقت ، هي نعمة عظيمة جدًا “.

لقد كان عامًا صعباً، و بقاءنا شاهدين على آخرِ أيامِه إنجازٌ يستحقُ الرضا ويستوجبُ الحمد .

تعلّمنا خلاله أن السلامةَ في البُعد، وأن البيتَ هو المأوى، وأن العائلة هي الإرثُ الأغلى، وأن أغلب الظواهر الإجتماعية مجاملاتٌ يمكنُ الاستغناء عنها، وأن طباعَنا تتبدّل، وأمنياتنا تتغير، و يُصبح أغلاها السلامة.

فعلاً كان عام إستشعار لِلنعم.

في نهاية هذا العام، و تحديداً في آخر ليلة من هذه السنة، أريد منك أن تلعب دور الرسام ، ويفضل أن تكون فنان

وتحلم وتتخيل الأهداف والإنجازات التي تريد أن تحققها وتشعر وكأنك حققتها بالفعل ، متكلًا على رب العالمين ، في الحديث القُدُسي: «إن الله تعالى يقول: أنا عند ظن عبدي بي؛ إن خيرا فخير، وإن شرا فشر» . فمعاملة الله لعبده تدور مع الظن، فإذا أحسن ظنه بربه بلَّغه ما أمَّل، وإذا تشاءم وأساء الظن بالله فالعقوبة إليه أسرع والشر منه اقترب.

وتذكر دائماً، وضع هذه المقولة أمام عينيك ، وحلق في أذنيك ” كل متوقع آت “.

وهذا هو مستقبلك وهذه هي حياتك ، توقع ما تريد، وكيفما تشاء ، في النهاية تلك حياتك ، الورقة البيضاء هي حياتك والقلم بيدك وأنت الفنان ، تفنن كيفما تشاء وماذا تريد في النهاية هي لوحتك أنت.

يكون الفن جميل عندما تعمل اليد والرأس والقلب معاً.

الفن يجب أن يفاجئ الواقع، تذكر ذلك جيدًا أيها الفنان.