وطنا اليوم:أثارت حملة لجمع التبرعات لفائدة الشرطي الذي أدى إلى مقتل الشاب نائل في فرنسا، غضبا عارما في المواقع الاجتماعية.
وقتل الشاب الجزائري الأصل نائل (17 عاما) برصاص شرطي أطلق عليه النار من مسافة قريبة خلال عملية تفتيش مروري لدى محاولته الفرار في سيارة كان يقودها بدون رخصة.
وقبل 3 أيام، أطلق السياسي الفرنسي السابق، جون ميسيحة، حملة على موقع “gofundme” الشهير، قائلا إنها تهدف إلى دعم عائلة شرطي نانتير، “فلوريان إم.”.
وأضاف: “فلوريان قام بعمله وهو يدفع الآن ثمنا باهظا.. لندعمه بشكل كبير وندعم تطبيق القانون”.
وحصدت الحملة أكثر من 700 ألف يورو في أقل من 3 أيام، حيث ساهم فيها أكثر من 34 ألف شخص.
وقال موقع “سي نيوز” الفرنسي إن حملة جمع التبرعات كانت تهدف إلى جمع 50 ألف يورو فقط، لكنها تجاوزت هدفها بشكل كبير وفي فترة زمنية قياسية.
وخلفت هذه الخطوة غضبا عارما على المواقع الاجتماعية، حيث قال أحد المعلقين: “أنتم تدعمون ماديا شخصا قتل شابا عمره 17 عاما، وتفتخرون بذلك.. أنتم مجنونون تماما”.
وذكرت معلقة أخرى: “هذه الحملة تظهر أن الكثير من الناس يتفقون تماما مع عمليات إطلاق النار التعسفية”، وأضافت أخرى: “حرفيا، هناك آلاف الأشخاص الذين يتفقون مع ما قام به الشرطي”.
معلومات تروى لأول مرة
من جهة أخرى كشف صديق الفتى نائل المرزوقي تفاصيل اللحظات الأخيرة المرعبة.
وكان نائل خلال الواقعة برفقة اثنين من أصدقائه، في السيارة التي كان يقودها، لحظة توقيفه من جانب عناصر الشرطة الفرنسية، إلا أن أحد الصديقين فر مرعوبا من المكان بعد قتل نائل فيما الآخر ظل في السيارة.
ونفى صديق نائل بمقطع صوتي أنهم كانوا تحت تأثير المخدرات أو الكحول حينذاك.
ويظهر صوت صديق نائل وهو يقول إنه يريد توضيح الكثير من الحقائق ودحض الشائعات والأكاذيب التي لاحقتهم خلال الأيام الأخيرة.
وأوضح أنهم استعاروا سيارة صفراء للقيام بجولة في المدينة، ولاحقتهم دورية شرطة مسرعة وحين أوقف نائل السيارة بناء على طلبهم، أمره شرطي بفتح النافذة، وطالبه آخر بالنزول من السيارة وضربه بعقب مسدسه”، ثم قال الشرطي الثاني للأول “أطلق النار عليه”.
وضرب الشرطي نائل مجددا بعقب مسدسه فاختلت حركته ورفع رجله عن دواسة الفرامل، فتحركت السيارة للأمام قليلا، فأطلق الشرطي الثاني النار مباشرة نحو نائل الذي ثقلت حينئذ قدمه على دواسة البنزين، لتتحرك السيارة بسرعة أكبر.
الضواحي الفرنسية المهمشة في أرقام
وسلطت الحادثة والاحتجاجات العنيفة الأضواء مجددا على الضواحي الفرنسية وخصوصا ما يسمى بالأحياء ذات الأولوية.
وفي ما يأتي أرقام رئيسية بشأن هذه الأحياء المحرومة:
5.2 مليون
يعيش في فرنسا 5.2 مليون شخص في أحياء محرومة، أي حوالى 8% من السكان، وفق بيانات معهد الإحصاء الوطني (إنسي) للعام 2023.
وحدّدت الدولة 1514 حيا فقيرا في العام 2014، عرفت بأنها “الأحياء ذات الأولوية لسياسة المدينة”.
وتعتبر هذه الأحياء بمجملها مناطق سكنية واسعة في ضواحي المدن الكبرى أو مناطق صناعية سابقة أو أحياء بعيدة عن وسط مدن صغيرة ومتوسطة الحجم.
%23.6
ما يقرب من 23.6% من سكان هذه الأحياء لم يولدوا في فرنسا، مقارنة بـ10.3% في بقية البلد، وفق بيانات معهد الإحصاء الوطني للعام 2021.
وفي ضاحية سين-سان-دوني الباريسية ذات الكثافة السكانية العالية، وهي من الأحياء ذات الأولوية، يرتفع هذا المعدل إلى 30.9%، وفق بيانات “إنسي” للعام 2020.
20 ضعفا
ويرتفع احتمال تعرض شاب يُنظر إليه على أنه أسود أو عربي إلى تدقيق أمني بعشرين ضعفا عن غيره، وفق تقرير صادر العام 2017 عن هيئة “المدافع عن الحقوق” الفرنسية.
13,770 يورو
ويبلغ متوسط الدخل المتاح في الأحياء الشعبية 13,770 يورو سنويا لكل أسرة، أي 1147.5 يورو شهريا، مقارنة بـ21,730 يورو في المناطق المحيطة بها، وفق بيانات “إنسي” للعام 2020.
56.9 %
ويعيش أكثر من نصف الأطفال الذين يقطنون هذه الأحياء في فقر (56.9% مقابل 21.2% في بقية فرنسا)، وفق معهد الإحصاء الوطني.
وبشكل عام، كان معدل الفقر في الأحياء الشعبية العام 2019 أعلى بثلاث مرات من أي مكان آخر في فرنسا، إذ يعيش 43.3% من سكانها تحت خط الفقر مقارنة بـ14.5% في بقية المناطق.
هذا، ويستفيد ربع سكان الأحياء الشعبية من “دخل التضامن النشط” والمساعدات الاجتماعية المستحقة للأشخاص الأكثر حرمانا، وهو ضعف المعدل في بقية فرنسا، وفق “المرصد الوطني لسياسة المدينة”.
%18.6
أما معدل البطالة فهو أعلى بكثير في الأحياء الشعبية. ففي العام 2020، كان 18.6% من القوى العاملة عاطلين عن العمل مقارنة بـ8% على المستوى الوطني، وفق “إنسي”.
%48
وفي الانتخابات الرئاسية لعام 2017، امتنع 48% من سكان هذه الأحياء البالغين عن التصويت، أو لم يسجلوا في القوائم الانتخابية، بحسب دراسة أجراها “معهد مونتين” العام 2020، فيما انخفضت هذه النسبة إلى 29% في بقية فرنسا.
12 مليار يورو
وقد استثمرت الوكالة الوطنية للتجديد الحضري نحو 12 مليار يورو في الأحياء الشعبية بين عامي 2004 و2020.
وفي 600 حي، تم هدم مجمعات سكنية ضخمة متهالكة وشيّدت محلها مبان منخفضة وأكثر انفتاحا على المدن.
شعار “حرية- مساواة- إخاء” لا ينطبق عليهم
من جهته قال الكاتب الصحفي لاندرو هاسي إنه كان من الملاحظ أن مثيري الشغب لم يهاجموا مراكز الشرطة فحسب، بل هاجموا مباني البلديات ومكاتب الضرائب والمدارس، وأي مؤسسة عامة تابعة للجمهورية الفرنسية.
وأضاف في مقال نشرته صحيفة “الغارديان” البريطانية أن الغضب يتركز على كل ما تمثله الجمهورية الفرنسية، وشعارها الديمقراطي “الحرية والمساواة والإخاء”. ويقول إن السبب في ذلك هو أن جزءا كبيرا من السكان المهمشين في الضواحي يشعرون بأن هذا الشعار وهذا النموذج للدولة الديمقراطية لا ينطبق عليهم، ويخذلهم.
ينقل هاسي تعليق أحد سكان تلك الضواحي على الاحتجاجات العنيفة، حيث يقول: “إنها حرب. إنها حرب علينا، نحن الناس الذين يعيشون في أماكن مثل هذه. عمري الآن 40 عاما، حاصل على الماجستير ورب أسرة، لكن طوال حياتي تعرضت للتمييز والإذلال، دائما من قبل الشرطة. لا يستطيع الناس تحمل المزيد”.
ويختتم هاسي مقاله قائلا إن هذا هو الوقت المناسب للحكومة الفرنسية لبدء التفكير حول ما إذا كانت الجمهورية الفرنسية بصورتها الحالية لا تزال تفي برسالتها في القرن الحادي والعشرين