وطنا اليوم – يعتبر الجبل الأسود من المواقع ذات الجمالية الطبيعية التي يمر بجانبها المواطنون دون أدنى معلومة حول تاريخه الجيولوجي، والعلمي، ودون أي محاولات رسمية أو خاصة لاستثماره ، واستغلال لطبيعته الفريدة من حيث اللون والتضاريس.
وإلى الجنوب من مدينة الكرك ، وعلى بعد 30 كيلو مترا تقريبا، تصل إلى جبل أسود، يتوسط مجموعة من التلال ذات اللون الترابي الطبيعي، فيجبرك على الوقوف أمامه لدقائق عديدة، وأنت تستمتع بشموخه، وسط تلك الكثبان القاسية، ويجعل من نفسه حالة غريبة، تستدعي البحث والتقصي عن تاريخه، وسبب ارتدائه اللون الأسود، في تفاصيله المختلفة.
يذكر البروفيسور في قسم الجيولوجيا في جامعة الطفيلة التقنية ،رياض الدويري ، أن الجبل الأسود يقع بالقرب من جبل التنور على كتف وادي الحسا، باتجاه الطفيلة، وهو اندفاع بركاني سطحي على شكل عمودي، ويتكون في أغلبه من صخور البازلت الأسود والتف البركاني.
وأوضح الدويري أن الجبل هو جزء من اندفاعات بركانية في جنوب ووسط وشمال شرق الأردن، حيث يُعتقد أن هذه الاندفاعات البركانيـة وخصوصا في جنوب الأردن قد خرجـت مـن شـقوق طويلـة علـى شـكل طفـوح بازلتيـة، أو مــن خـلال فوهــات بركانيــة علــى مرحلتيـن مـن النشـاط البركانـي، وعلى نطـاق واسع، حيث يُتوقع أن هذه الإندفاعات تعود حقبتها التاريخية إلى عصـر “النيوجيـن” وحتـى “العصـر الرباعــي”.
والعصر النيوجيني وهو عصر يعود تاريخه إلى 2.58 مليون سنة مضت،واستمرت الثدييات والطيور خلال هذا العصر في التطور إلى أشكال حديثة، بينما بقيت مجموعات أخرى من الحياة دون تغير نسبي.
أما العصر الرباعي فهو العصر الحالي والثالث والأخير من العصور الحديثة، حيث امتد من 2.58 مليون سنة مضت وحتى زمننا الحاضر،ويحدد هذا العصر من خلال النمو الدوري وانحلال الصفائح الجليدية القارية، وما يرتبط بها من تغيرات مناخية وبيئية.
وفي قطاع الآثار، فإن الجبل ليس له قيمة تاريخية، وذلك بحسب مدير آثار محافظة الطفيلة،أشرف الرواشدة، حيث أن بعض الهواة والمتطفلين العاملين في مجال البحث عن الدفائن قد كان لهم محاولات متفرقة للحفر حوله، بحثا عن دفائن متوقعة.
وأضاف الرواشدة ان المنطقة تحتضن عددا من المواقع الأثرية المحيطة بهذا الجبل، والمسجلة لدى دائرة الآثار العامة، إلا أن ذلك الموقع تحديدا ليس مسجلا ضمن المواقع الأثرية في المحافظة، وذلك لعدم وجود قيم تاريخية، أو أثرية تابعة له.
وأكد الحاج (ج.م) أن هذا الجبل تحديدا، شهد محيطه في منتصف تسعينيات القرن الماضي عمليات بحث عن دفائن، وأنه على علم تام بتلك المحاولات، التي باءت جميعها بالفشل، لأن الموقع لا يمكن أن يكون مخبأً للمعادن النفسية في أي حقبة زمنية ماضية، وذلك بسبب تضاريسه الوعرة، التي لا تسمح لمجتمع أو حضارة بالعيش فيها.
ويحيط هذا الجبل من الطرف المقابل معبد نبطي يحتضن خربة التنور، التي تحتوي على منحوتات، وتماثيل نبطية بارزة مثل تمثال (تايكي المجنح) و (تمثال النصر) و (تمثال النسر النبطي) و(تمثال اللات) و (ذو الشرى) و (حدد)، حيث أن آخر مرة تم البحث و التنقيب في الموقع كانت في ثلاثينيات القرن الماضي.
وطالب عدد من المواطنين والمهتمين بالشأن العام بضرورة استغلال شكل هذا الجبل الإستثنائي، وتحويله إلى معلم سياحي، استنادا إلى تاريخه الممتد عبر العصور، ولونه الجاذب الذي يُمكن أن يكون مقصدا سياحيا بامتياز.
وأوضح حسن المزايدة أن الجبل يطل على جبل التنور الأثري، وسد التنور، ويحتوي على تراب ذي ملمس جذّاب إلى حد كبير، إضافة إلى أنه تجربة فريدة لكل من يصل إليه من المهتمين بالبحث عن جمالية الطبيعة، مطالبا الجهات ذات العلاقة بالعمل على استغلاله ليصبح أحد المقاصد السياحية في محافظة الطفيلة.
وأضاف محمد القرارعة إلى “الرأي” أن الجبل الأسود سيكون تجربة نوعية للسياحة المحلية والعالمية، وسيسهم بخلق تجربة سياحية غير تقليدية، يمكن من خلالها الترويج للمحافظة عبر التعريف بتاريخ المناطق السياحية فيها، والحضارات التي مر فيها، مما سيجعل من السهل تأسيس مشروعات استثمارية في قطاعات السياحة والترفيه.
عموما، يمكن تهيئة الجبل – فنيا- من قبل الجهات المختصة، وذلك من خلال فتح طريق إلى قمته، حيث يمكن أن تكون درجا، وذلك لإضفاء خصوصية للمكان، مما سيسمح للزوار بصعوده لاطول فترة ممكنة، حتى الوصول إلى قمته التي ستكون عبارة عن غرفة محاطة بسور يحمي الزوار من خطر السقوط، وتحتضن (بروشورات تعريفية) بتاريخ المواقع الأثرية في محافظتي الطفيلة،والكرك وخصوصا ذلك الجبل، وما يحيطه من مواقع أثرية ذات قيمة تاريخية وأثرية.
تواجد السياح على تلك القمة سيكون محاطا بمنظر سد التنور الذي يعتبر من المناطق ذات الجمالية الكبيرة، والذي يضفي حاليا طابعا خصبا للمكان، ويمكن استغلاله مياه في تأسيس شلالات اصطناعية ذات تصميم جذّاب، ويتم بذلك إيجاد موقعا سياحيا جاذبا لمحبي الهدوء والجمال، ومن مكونات طبيعية بحتة (جبل أسود ومياه سد).
كما أن هذا التررد للسياح سيكون مشجّعا للقطاع الخاص لتأسيس مشروعات استثمارية صغيرة في المكان، وفي مختلف قطاعات السياحة والترفيه،وخدمات الطعام، حيث ستكون تلك المشروعات الصغيرة هي أيضا دافعة للسياح لتكرار الزيارة للموقع، وذلك لما سيكون به من خدمات، وهذا سينعكس إيجابا على الموقع الذي يتواجد فيه المشروع،حيث سيشهد نشاطا تجاريا في المناطق القريبة منه، وسيكون محط أنظار المستثمرين والقطاع الخاص، وذلك كله سيسهم في محاربة مشكلتي الفقر والبطالة في المحافظتين.
وبالتالي فإن جميع الأطراف ستكون رابحة في هذا المشروع.