من أعطى الحكومة حبة الإسهال

26 يونيو 2023
من أعطى الحكومة حبة الإسهال

د. ماجد الخواجا
” أعلم أن الرئيس في عطلة خاصة يريد قضاء فترة العيد بعيداً عن الواقع وبحثاً عن القادم الأجمل”
كان يوما مشهوداً للحكومة وأركانها عندما انتشرت في ربوع الوطن من خلال رئيسها ووزرائها، العنوان كان الالتقاء بالشباب ومحاورتهم في شؤونهم وقضايا البلد.
منذ أن استلمت الحكومة البشرية البلد كان واضحاً لديها عسر في التواصل وعتّي في العزلة والإنغلاق عن الشعب، وكان النزق الشخصي بادياً على رئيسها قبل مرؤوسيها من خلال عديد من الشواهد التي أظهرت حجم العصبية المسيطرة على مزاج الرئيس وصولاً إلى قبوله أن يكون خصماً إلكترونياً لمواطنين يتم استدعاؤه إلى أبواب القضاء بسبب الشكاوى المقدمة منه بحق المواطنين. ولا ننسى كيف بدأت الحكاية بمرور الرئيس بجوار السجادة الحمراء وعندما استهل خطابه بالسلام على حكومة المملكة الأردنية الهاشمية، ولا ننسى عندما تمسّك بالجلوس على كرسيه في مجلس النواب وهو يقول: هذا الكرسي لي.. وتلك المقولة الخالدة التي لن ينساها الشعب ” القادم أجمل”.
منذ استلام الحكومة لم نشهد حراكاً إعلامياً موجهاً يقدم للشعب وجبات ومعلومات ذات قيمة وجودة وتفصيلية في أي شأن من شؤون البلد. لم نشهد وجبة إعلامية احترافية موضوعية تعرض لنا الواقع كما هو دون رتوش ودون عروض تقديمية زاهية، لم نشعر أن الحكومة تعيش معنا واقعنا وحياتنا وفقرنا وجوعنا وأحلامنا، فما الذي سهّل عملية الإسهال الرسمي ليفيض علينا في بثٍّ مباشرٍ .
حين تذهب للطبيب تشتكي من عسر الهضم أو الإخراج، يقوم بوصف دواء لك كمسهّل للهضم أو للإخراج، فمن الذي وصف للحكومة البشرية حبة الإسهال التواصلي والإعلامي. وهل هي حبّة واحدة لمرّةٍ واحدة، أم أنها صالحة لعديد من حالات الإسهال التواصلي، من الذي وضع جملة ” النقلة الجاية” في فم الرئيس، من الذي أشار عليه بأن يضع رجلاً فوق رجل ويستمر في تحريكها في وجه المحاور ووجه المشاهدين؟
حقاً كان نهاراً طويلاً طويلاً لدرجة تمنيت فيها أن يكون حلماً سنصحو منه لاحقاً. المشهد ليس أكثر من عرضٍ مسرحيٍ هزلي بامتياز، من الذي أوحى للرئيس بأن يقدم نفسه كأنموذج للشباب عبر تناوله سيرته الوظيفية، من الذي أقنع الرئيس أنه يشكّل حالة نجاح عصامية يمكن لأي شاب أن يؤديها.
هو سؤال لئيم : هل ما قيل عن التغييرات والتطورات والتحديثات والتحولات عبر الإستحداث أو الإلغاء أو الدمج أو التعديل أو التشكيل يستند حقاً إلى رؤى حقيقية ملموسة ومتطلبات مجتمعية ضرورية ولازمة؟ من الذي منح الحكومة القيام بالعبث في المجتمع وهياكله ومنظماته وهيئاته؟
كيف نقرأ ما تلفظ به الرئيس البشري ووزراء حكومته بالأمس، فالأردن كما صرّح الرئيس لا يوجد به ثروات أو موارد طبيعية، وأن الثروة الوحيدة تتمثل في الإنسان.
كيف نقرأ تصريحه عن إلغاء وزارة التعليم العالي والإكتفاء بمجلس للتعليم العالي ومنح الجامعات الحرية الإدارية والمالية والأكاديمية بما ينسجم مع استقلاليتها؟
كيف نقرأ تصريحه بأن ديوان الخدمة المدنية لن يعد موجوداً في بداية العام القادم؟ وأنه سيتم تشكيل ” هيئة للخدمة العامة” وأنه لم يعد مقبولاً أن يبقى الموظف هو السيّد لا مقدّم الخدمة الذي وكما أفاد الخصاونة أن الموظف يتقاضى 87% من راتبه من عوائد ورسوم المواطنين التي ندفعها للمعاملات الرسمية أو الضرائب المختلفة. وأن هذا الموظف الذي يقضي الوقت في أحاديث جانبية مع زملائه أو رؤسائه ويهتم بالمعجنات والساندويشات التي سيأكلها أكثر بكثير من الخدمة الواجبة عليه والتي ينتظر المواطن الحصول عليها.
كيف نقرأ الفهم الحزبي والسياسي عميق المضامين الذي قدّمه الرئيس البشري بتعبيره في الإجابة عن سؤال أحد الشباب: خليك للنقلة الجاية” ؟
إن الحكومات التي عليها واجب التنفيذ ووضع الخطط التنفيذية، تمارس ادواراً خارج حدود صلاحياتها بشكل خطيرٍ جداً يمسّ أركان المجتمع وتفاصيله اليومية وشؤونه الحياتية وكأنها الوصي الأبوي علينا، وكأننا مجرد قطيع ننتظر ما تضعه الحكومة من علف، فتقوم بترتيبنا وتبويبنا وتصنيفنا وتشييئنا وتعليبنا، تماماً كصاحب الدكانة الذي عندما لا يجد زبائن يبدأ بالتلاعب وتغيير الأماكن على الرفوف فيقدم هذه السلعة ويؤخر تلك، وبعد أن ينتهي وهو يتصبب عرقاً يعيد النظر لما قام به، قد يصيبه الفخر أو الدهشة وقد يصيبه الشعور بالفشل والخيبة. وعندما لا تأتي الزبائن له رغم ” إعادة الترتيب “، يبدأ التفكير جديّاً بأن يضع شخصاً غيره في الدكانة وصولاً إلى بيعها لاحقاً أو إعادة ترتيبها مرةً تلو مرّة.
إن المشهد لممارسات الحكومة يدلل على العجز المقيم في أذهانها لكنه غير المعترف به والمعلن عنه، فما زلنا نردد مع البشر بأن القادم أجمل، وكأنه قالها جبران ذات يأس: ” أحق الناس بالشفقة أولئك الذين ينظرون للسماء فيما هم غارقون بالأوحال”
لا تريد الحكومات أن تعترف بالعجز ناهيك عن الفشل، فتلجأ إلى العروض التقديمية زاهية الألوان التي يتم تشكيل اللجان العليا والفنية والتنفيذية لوضعها وعرضها والتصفيق المطوًل بعد مشاهدتها، ثم تكون أدراج النسيان مأواها ومثواها.
حقاً كان يوماً طويلاً طويلاً، جعجعة ملأت الفضاء وطرق الأواني أشعرتنا بموائد عامرة من المنتجات الحكومية، أشعلنا النار تحت القدور ونفخنا على جمرها نوقدها بأنفاسنا المقطوعة، فهذا أوان الطهي الحكومي الذي سيملأ القدور ويلبّي النذور ويفك المسحور وينهي المحظور، ستمتلئ كروشنا بما لذّ وطاب من خيرات وأنعام الحكومة، افترشنا الرمل متأهبين، فهذا أوان العنب والتين.
دولة الرئيس أبو هاني المحترم: افعل ما طاب لك، وصرّح بما يحلو لك، وضع قدميك في وجوهنا وحركها كما تشاء، وحدثنا عن حكايا من أزمان غابرة، عن السندباد وعلاء الدين وأبي النواس وزوربا والحلاج وحمدان قرمط وحسين الأحوازي، حدثنا عن جابر بن حيان والمعرّي والمتنبي، عن عنترة والزير سالم، وحرب البسوس وداحس والغبراء، حدثنا كما وبما تشاء، لكن فقط جلّ ما أرجوه منك أن لا تطلب منا التصديق والتصفيق. أما التحليل الجاد لكل ما أفاد وأفاض به دولة بشر الخصاونة ، فهذا له مقامه الخاص لاحقاً.