وطنا اليوم:حرارة مرعبة قد يشهدها كوكب الأرض في عام 2023، الذي قد يصبح الأعلى حرارة على الإطلاق، بسبب ظاهرة النينو المناخية التي قد بدأت بالفعل، ولكن الأسوأ فيها لم يأت بعد، حسبما يقول العلماء.
إذ يتعرض كوكب الأرض لضربة احتباس حراري مزدوجة عام 2023. ففضلاً عن الارتفاع الحتمي في درجات الحرارة العالمية الناجم عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، هنالك ظاهرة النينو في مراحلها الأولى. وهذه الظاهرة المتقطعة هي أكبر تأثير طبيعي سنوي على الطقس وتضيف دفقة حرارة إلى عالم محموم بالفعل. والنتيجة هي طقس شديد القسوة، يؤثر على الأرواح وسبل العيش، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
تشير بيانات وكالة ناسا إلى أن العالم شهد أعلى درجات حرارة في عامي 2016 و2020، وقد شهد عام 2016 حدوثاً بارزاً لـ”ظاهرة إلنينو”، حتى إن بعض المشككين في ظاهرة التغير المناخي ادّعوا أن الاحتباس الحراري العالمي قد بلغ ذروته وتوقف في عام 2016.
آخر ظاهرة نينو مناخية أدت إلى درجات حرارة قياسية
وآخر ظاهرة نينو كبرى شهدتها الفترة من 2014 إلى 2016 حطمت الرقم القياسي لدرجات الحرارة العالمية في كل عام من هذه الأعوام على التوالي.
ويظل عام 2016 هو الأعلى حرارة. لكن ظاهرة النينو بدأت الآن وربما تفضي إلى ارتفاعات قياسية جديدة في درجات الحرارة في البر من بورتوريكو إلى الصين وفي البحار حول المملكة المتحدة، حسب تقرير الصحيفة البريطانية.
وسبق أن ذكر تقرير لموقع Axios الأمريكي، في يناير/كانون الثاني 2023، أنه من المتوقع أن تزداد درجات الحرارة زيادة كبيرة هذا العام، حتى إن عام 2024 قد يشهد ارتفاع درجات الحرارة إلى رقم قياسي عالمي غير مسبوق.
ما هي دورة النينو والنينيا، وما الذي يتسبب فيها؟
الاختلافات في قوة الرياح ودرجات الحرارة في المحيط الهادئ الشاسع تؤدي إلى ظاهرتين مناخيتين متمايزتين، وهما النينو والنينيا. والتبادل بينهما يحدث بشكل غير منتظم، كل ثلاث إلى سبع سنوات، وعادة ما تكون بينهما سنوات محايدة.
وتستمر ظاهرة النينو نحو عام تقريباً، لكن ظاهرة النينيا قد تطول أكثر من ذلك، ووضع عام 2023 نهاية لسلسلة غير اعتيادية من ظاهرة النينيا استمرت لثلاث سنوات متتالية.
الرياح الشرقية عادة ما تدفع المياه السطحية الدافئة في المحيط الهادئ الاستوائي باتجاه أستراليا وإندونيسيا وبعيداً عن أمريكا الجنوبية. ونتيجة لذلك، يتراكم الماء الدافئ في غرب المحيط الهادئ وتندفع المياه الباردة من الأعماق في شرق المحيط الهادئ. وهذه هي الحالة المحايدة.
ولكن في بداية ظاهرة النينو، تضعف الرياح الشرقية ويعود الماء الدافئ للانتشار مرة أخرى في المحيط الهادئ بأكمله. وفي المقابل، في بداية ظاهرة النينيا، تكون الرياح الشرقية أقوى من المعتاد، وبالتالي تزداد مياه شرق المحيط الهادئ برودة.
وهذا التوقيت المتقلب للتبادل بين الوضع المحايد وظاهرتي النينو والنينيا ناتج عن تفاعلات معقدة بين ظواهر مناخية مختلفة، من ديناميات تيار المحيطات إلى تشكُّل سحب العواصف الرعدية.
لماذا تؤدي ظاهرة النينو إلى زيادة درجات الحرارة حول العالم؟
يمتص المحيط أكثر من 90% من الحرارة التي تحبسها غازات الدفيئة الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري والأنشطة البشرية الأخرى. ويكون المحيط فعالاً جداً في امتصاص الحرارة أثناء ظاهرة النينيا، حين تكون درجات الحرارة في شرق المحيط الهادئ باردة أكثر من أي وقت آخر.
ولكن، خلال ظاهرة النينو، تنطلق بعض هذه الحرارة في الغلاف الجوي لأن الماء الدافئ ينتشر في المحيط الهادئ مباشرة، وبالتالي تختنق المياه الباردة. وظاهرة النينو قد تضيف قرابة 0.2 درجة مئوية إلى درجات حرارة سطح الأرض السنوية.
جفاف وفيضانات وحرائق.. لماذا تؤدي لموجات من الطقس المتطرف؟
دورة النينو- النينيا تغيّر موقع مياه المحيط الدافئة والهواء الرطب المحمّل بالمطر فوقه، وهذا يعني أن هذه الدورة تجلب موجات حرارة وجفافاً وحرائق غابات وفيضانات إلى مناطق مختلفة.
والأماكن الأقرب إلى المحيط الهادئ هي الأكثر تضرراً. ففي بيرو والإكوادور، تسبب ظاهرة النينو أمطاراً غزيرة وفيضانات. والاسم الكامل لهذه الظاهرة- El Niño de Navidad، أو الطفل يسوع- مصدره هذه المنطقة لأن التأثير الأكبر لهذه الظاهرة يحدث في وقت عيد الميلاد.
وفي الأمازون، يزداد الطقس سخونة وجفافاً خلال ظاهرة النينو، وهذا يعني تراجع نمو النباتات وزيادة خطر اشتعال الحرائق في غابات تقترب بالفعل من نقطة تحول مناخي. وتزداد الحرارة والجفاف في كولومبيا وأمريكا الوسطى أيضاً.
وعلى الجانب الآخر من المحيط الهادئ، تتضرر أستراليا بشدة من ارتفاع درجات الحرارة الناجم عن ظاهرة النينو، لأنها تزيد من مخاطر موجات الحر والجفاف وحرائق الغابات في شرقي البلاد، وتزيد أيضاً من خطر فقدان الشعاب المرجانية للونها في الحاجز المرجاني العظيم. واشتعلت حرائق “الصيف الأسود” عام 2019-20 خلال موجة النينو المحدودة. وتزداد مخاطر الجفاف في إندونيسيا أيضاً، وأدت آخر ظاهرة نينو كبيرة استمرت من عام 2014 وحتى عام 2016 إلى حرائق غابات ضخمة، تسببت في تصاعد عمود دخان في منتصف العالم.
والبلدان البعيدة عن خط الاستواء لا تزال تتأثر بشكل كبير بظاهرة النينو، التي تغير موقع رياح التيار السريع على ارتفاعات عالية. ونتيجة لذلك، يصبح الطقس في جنوب الولايات المتحدة أكثر رطوبة ويزداد خطر الفيضانات، فيما يصبح شمال الولايات المتحدة وكندا أعلى حرارة وجفافاً. وتشهد الصين وضعاً مشابهاً، أكثر رطوبة في الجنوب وأكثر حرارة وجفافاً في الشمال.
هل تؤثر ظاهرة النينو على أماكن بعيدة عن المحيط الهادئ؟ دولة عربية قد تستفيد منها
نعم، أثرها يطال النظام المناخي العالمي بأكمله. ولعل التأثير الأكبر هو تراجع هطول الأمطار خلال الأمطار الموسمية في الهند، التي توفر 70% من مياه البلاد والحيوية لزراعة الغذاء في أكثر دول العالم اكتظاظاً بالسكان. ومع ذلك، يمكن أن تؤدي ظاهرة النينو إلى زيادة هطول الأمطار في منطقة القرن الإفريقي التي يضربها الجفاف، الذي تسببت فيه ثلاث ظواهر نينيا متتالية في أجزاء من إثيوبيا وكينيا والصومال.
تؤثر ظاهرة النينو أيضاً على الأعاصير والعواصف، وعادة ما تحدّ منها في منطقة البحر الكاريبي والولايات المتحدة والهند وبنغلاديش واليابان وكوريا. لكن هذه العواصف تكون مدفوعة بحرارة المحيط، ودفعت درجات حرارة المياه في المحيط الأطلسي عام 2023 مكتب الأرصاد الجوية في المملكة المتحدة إلى التنبؤ بعدد أعلى من المتوسط من العواصف الاستوائية في شمال المحيط الأطلسي.
وتأثير ظاهرة النينو على أوروبا يكون أقل، لكنها في الشتاء قد تغير مجرى التيار السريع وتسبب زيادة الأمطار في جنوب القارة وظروف أكثر برودة وجفافاً في الشمال.
قد تؤدي إلى نشوب حروب أهلية
وتأثير ظاهرة النينو على هطول الأمطار ودرجة الحرارة ونمو الزرع له أيضاً آثار غير مباشرة، مثل زيادة الأمراض المعدية مثل حمى الضنك في جنوب شرق آسيا والبرازيل. بل ربطت إحدى الدراسات انخفاض إنتاج الغذاء في سنوات النينو بالحروب الأهلية.
قد يكون ذلك بسبب ما تسببه الظاهرة من جفاف ونقص في الموارد، وما يترتب عليها من صراعات على بطالة وفقر وصراعات على الموارد.
شهد الطقس ظاهرة نينو ضعيفة في مايو/أيار، ومن المتوقع أن تزداد قوة في الأشهر المقبلة، مع وجود احتمال بنسبة 84% لظاهرة نينو معتدلة في ذروتها من نوفمبر/تشرين الثاني إلى يناير/كانون الثاني، واحتمال بنسبة 56% لظاهرة قوية.
وكان متوسط درجات الحرارة العالمية في أوائل شهر يونيو/حزيران أعلى من المستويات التي سُجلت سابقاً في الشهر نفسه بمقدار درجة مئوية تقريباً، وهذا أدى إلى موجات حر قياسية من بورتوريكو إلى سيبيريا إلى الصين. وقال بعض العلماء إن هذه الحرارة تشير إلى أن عام 2023 قد يصبح الأعلى حرارة على الإطلاق، رغم أن الجزء الأكبر من حرارة النينو سيظهر عام 2024.
العلماء لا يعرفون جواب هذا السؤال على وجه اليقين. ويرجع ذلك جزئياً إلى غياب عدد كبير جداً من ظواهر النينو والنينيا عن سجلات الرصد، الذي يمتد إلى حوالي 150 عاماً. وهذا يجعل من الصعب التأكد من أن البيانات، التي تشير إلى أن ظواهر النينيا تزايدت على الأغلب، ليست مجرد وليدة الصدفة.
وفضلاً عن ذلك، فالنماذج المناخية ليست متفقة في إجابة هذا السؤال. ويرجع ذلك إلى أن النماذج المناخية دقتها منخفضة نسبياً؛ فهي تبلغ 100 كيلومتر ولا يمكنها تمثيل ديناميكيات المحيط في المحيط الهادئ الاستوائي ولا السحب الرعدية بدقة.
ويأمل البروفيسور تيم بالمر، من جامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة، أن يوفر جيل جديد من نماذج المناخ العالمية، تعمل على أحدث أجهزة الحاسوب العملاقة “الإكساسكيل”، إجابات أكثر وضوحاً عن هذا السؤال شديد الأهمية.
والشيء الوحيد المؤكد أن الارتفاع في درجات الحرارة العالمية، الذي يزداد في سنوات النينو ويفاقم الطقس المتطرف، لن ينتهي حتى تنخفض انبعاثات الكربون إلى الصفر.