كثيراً ما كنا نردد وما زلنا أن الإصلاح الحقيقي لا يتم بمعالجة المشكلات والأخطاء الظاهرة، سواء أكانت فردية أم مجتمعية، بل بمعالجة أصل هذه المشكلات والأخطاء وأسباب ظهورها.
لقد تغيّرت منظومتنا القيمية الحميدة، لتحلّ مكانها قيم غريبة وسلوكيات مهترئة، لنصبح نتساءل في كل مناسبة: أين نحن من سلوكياتنا الحميدة القيّمة الملتزمة بالقانون وأخلاق مجتمعنا الأردني النبيل؟.
مَنْ منا لا تملأ قلبه السعادة والفرح بتخريج ابن أو أخ أو صديق او جار من جامعة أو مدرسة؟.
مَنْ منا لا يفرح وهو ينتظر حلمه بزفاف ابن أو بنت أو أخت أو صديق إلى بيت الزوجية؟.
مَنْ منا لا تملأ نفسه اعتزازاً وفخاراً ومحبة بمناسبة وطنية تجمع قلوب الأردنيين جميعاً على مشاعر واحدة؟!
لكن ما يترافق مع هذه المناسبات وغيرها من سلوكيات سلبية من تجاوزات للقانون وإزعاج للآخرين تتمثل في إغلاق الشوارع بمواكب السيارات الممتلئة بالشباب المتهور والمندفع، وتعطيل حركة المرور وإطلاق العيارات النارية، ما يستدعي استنفار أجهزة الدولة ومضاعفة جهودها للحدّ من التجاوز على القانون، ومراقبة هذه السلوكيات في التعبير عن الفرح؛ يبعث على الأسف والحزن لما ينتج عنها من مآس وأضرار.
وأصبح من الأمور المألوفة في مجتمعنا بكل اسف أن يُِضرب الاب والام والاخت و الطبيب والمعلم، وأحياناً يتم الاعتداء على رجال الأمن ومنفّذي القانون.
والمؤلم أنه كلما وقع حادث من قتل او تنمر أو تجاوز يطرح على مواقع التواصل الاجتماعي السؤال الغريب والعجيب وغير المنطقي، وهو: اين الشرطة ورجال الأمن ؟
ماذا يستطيع «الأمن» أن يفعل أمام هذا التنمر الاجتماعي وهذه الفوضى في البيوت والترببة والسلوك؟.
وانتشر عند البعض من أصحاب النفوس المتنمرة المريضة الخالية من أي تواضع عبارة:
«مابتعرف مين أنا، ومابتعرف مع مين تحكي».
ونتساءل كذلك بعد كل جريمة وقتل وإيذاء:
لماذا حمل السلاح؟ وهل يجب علينا تقنين شرعنة حمل السلاح؟ وما هي العقوبة الرادعة على من يحمل هذا السلاح دون ترخيص؟.
ولماذا نحمّل الآخرين مسؤولية فشل الزوج وعدم قدرته على التفاهم مع زوجته؟
ولماذا ندافع بكل ما أوتينا من قوة وجهد عن الذين يسرقون الماء والكهرباء ويرتشون؟
إننا معنيون جميعاً: مؤسساتٍ وأفراداً بتقويم هذا السلوك الفردي والمجتمعي ليس بالقانون فقط، بل بالتربية الأبوية والمدرسية والجامعية والدينية.
وعلى الأب والأم أن لا يتخليا عن دورهما المقدس ومسؤولياتهما العظيمة في تربية الأبنا وتقويم سلوكهم وعدم تحميل أحد مسؤولية مخرجاتهم وغياب أولادهم عن عيونهم وضعف وازعهم الديني والأخلاقي.
نعلم أيضاً أن بعض مؤسسات والمجتمع المدني قد غابت عن دورها، وانتشرت فيها الواسطة والمحسوبية والشللية والمناطقية
وأن كثيراً من مؤسسات المجتمع المدني همها الأكبر الحصول على الدعم الخارجي، وأن الحرية غدت دون قيود وبلا عقال وتخلو من أي رادع،
نحن بحاجة لمؤتمر حوار وطني ليحمل كل منا مسؤولياته تجاه وطنه ومجتمعه وبيته وأسرته.
بلد الأمن والأمان يحتاج إلى تشريعات في شتى المجالات ونواب أمة قادرين على تحمّل مسؤولياتهم بكفاءة واقتدار،
وعلى مؤسسات الدولة الرسمية وغير الرسمية أن تتوحد في تدشين خارطة طريق وطنية وخارطة نهوض عصرية يوضع فيها الرجل المناسب في المكان المناسب
وأن تصبح مناصب المسؤولين في شتى المواقع مناصب تكليف خاضعة للمساءلة والحساب.
وواقع الحال يشير إلى أننا بحاجة الى خطة شخصية ووطنية نستلهم من خلالها الطريق..
حتى يكون القادم للوطن وأهله أجمل وأبهى. ــ الراي