‏ويسألونك عن الجغرافيا الحزبية ؟

22 مايو 2023
‏ويسألونك عن الجغرافيا الحزبية ؟

حسين الرّواشدة
‏بعد أن انفض “مولد “ترخيص الأحزاب ،كيف تبدو الجغرافيا الحزبية في بلدنا ؟

هذا السؤال استدعته مسألتان، الأولى : ان قانون الأحزاب الجديد (المادة 11/أ) اشترط أن لا يقل عدد الأعضاء المؤسسين للحزب عن 1000 شخص ، يمثلون 6 محافظات على الاقل ، بواقع 30 شخص من كل محافظة ، المسألة الثانية : لا يوجد لدينا ،حتى الآن ،أي معلومات رسمية عن الانتشار الجغرافي للأحزاب في المحافظات ال 12 ، صحيح أن الأطر الحزبية يفترض أن تكون عابرة للجهوية والمناطقية والديموغرافيا، لكن تظل ” الجغرافيا” في مرحلة التجربة الحزبية الوليدة مؤشرا ضروريا لفهم الحالة ، ومعالجة أخطائها ، كما أنها تكشف مدى استجابة الأردنيين لقبول الحزبية ،والتعامل معها كرافعة للتنمية السياسية ، خاصة في “الجغرافيا “التي تعاني من التهميش.

‏لفهم الصورة ، لا يوجد لدي ّالا مؤشر واحد ، وهو ما أفرزته اغلبية الأحزاب ال26 ، على صعيد القيادات بمختلف مستوياتها ، حيث تمركزت بالمدن الكبرى (عمان ،الزرقاء، اربد )، فيما لم تحظ المحافظات الثلاث (معان ،الطفيلة، العقبة) جنوب المملكة ، على سبيل المثال ، بأي نصيب من هذه المقاعد.

أقصد ،هنا ، أن مؤسسي الأحزاب ،خاصة الوليدة ، والمواقع والمناصب الحزبية توزعت جغرافيا بشكل غير عادل ، حيث استأثرت بها بعض المحافظات ،فيما حرمت منها أخرى ، ما يعني أمرين : أن الأردنيين في الأطراف عزفوا عن المشاركة والإلتحاق بمركب الحزبية ، فلم تخرج منهم اية مبادرة لتأسيس حزب ، أو التنافس على المراكز القيادية بالأحزاب الأخرى ، الثاني : أنه تم استثناؤهم لاعتبارات تتعلق بتقسيم المناصب ، وفق مساطر لم تراع ذلك ، أو أنها لم تضعه بعين الأهمية والاعتبار.

‏كنت سأتجاوز مسألة الجغرافيا، باعتبارها آخر ما يخطر ببالي عند تقييم التجربة الحزبية التي أراهن على نجاحها لكي نتجاوز حالة “اللا يقين السياسي ” التي نعاني منها منذ سنوات ، لكن ما دفعني لذلك أمران ، الاول: ما أشرت إليه بمقالتي ،امس ، حول غياب الصناديق الانتخابية لدى اغلبية الأحزاب حين انتخبت قياداتها ، الأمر الذي ربما جرح شرعيتها، وبعث برسالة خاطئة للجمهور بلا جدوى الانتخاب أصلا ، الثانية: عدم قدرة الأحزاب على الوصول والتأثير خارج مناطق نفوذها في المدن والتجمعات الكبرى ، ثم فشلها في جذب الشباب ،وإعطائهم الفرصة اللازمة لاختبار كفاءتهم بالمواقع التنفيذية.

‏إذا اضفت لذلك قضية “التهميش ” التي تعاني منها أصلا بعض المحافظات البعيدة عن المركز ،سياسيا واقتصاديا ، ثم محاولات الدولة التحديثية بالاعتماد على الحزب كفاعل سياسي ، بديلا عن العشيرة ، ثم ما ترسخ من تقاليد واعتبارات، تبدو أحيانا وجيهة ، ومنها عدالة توزيع الثروة والسلطه معا ، على أسس متعددة ، منها الجغرافيا، فإن ما حدث بالتجربة الحزبية يعكس خللا واضحا لا بد من وضعه بعين الاعتبار ، كما أنه قد يشكل سببا لانشقاقات داخل هذه الأحزاب بالمستقبل ، ويؤطرها في لون واحد ، يتناقض مع مشروعية الهدف الأساس لعملية التحديث السياسي ، ويدفع للعزوف عنها ، وعن صناديق الانتخابات التي ستفرز مرشحيها.

‏بقي لدي رجاء : اتركوا الأحزاب تتحرك في المساحة التي تحتاجها وتريدها ، كما وعدتم عبر الشعارات التي ملأت شوارعنا ، امنحوا الاردنيين الذين آمنوا بالعمل الحزبي فرصتهم لإنجاح هذه التجربة ، تذكروا أن خيار الحزبية مشروع دولة ، وليس مشروعا خاصا لأي احد، كما أنه استحقاق مرحلة قادمة مزدحمة بالتحديات والأخطار ، وليس مختبرا للتجريب ، ثقوا بقدرة الأردنيين على الإنجاز والعطاء ، ودعوهم يخدموا بلدهم دون وصايات، أرجوكم افعلوا ذلك.