بقلم/ د. عبدالله الزعبي /رئيس جامعة البلقاء التطبيقية السابق
الجزء 1 من 2
في عام 2001 كان جلالة الملك قد نبه الحكومات المتعاقبة الى ضرورة الاستثمار في المواطن الأردني تعليماً وتدريباً كضمان للمستقبل، وفي رسالة لجلالته عام 2003 طالب الحكومة بإجراء دراسة شاملة حول التحديات التي تواجه التعليم العالي، واعداد خطط واضحة لتنفيذ الرؤية الملكية لتطوير القطاع. منذ ذلك التاريخ توالت التعديلات التشريعية والخطط الاستراتيجية مروراً باستراتيجية الاستراتيجيات وحتى الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية، الا اننا مازلنا بعيدين عن تحقيق الهدف.
من منطلق خبرتي واطلاعي على التقارير الدولية المختلفة، نجد ان مؤشرات التطور للدول وموقعها على الساحة العالمية يعتمد على الموارد البشرية المؤهلة ومخرجات البحث والتطوير لديها ومساهمتها في نقل المعرفة وعدد براءات الاختراع والابتكار وتكنولوجيا المعلومات وقواعد البيانات لديها، والتي يجب ان تقوم بها مراكز الأبحاث والجامعات، التي تعتمد قدرتها التنافسية على الساحة العالمية بشكل رئيسي على جودة البحوث العلمية التي ينتجها الباحثين فيها، ومدى اصالتها ونوعية المجلات العالمية المنشورة فيها.
في مقابلة مع جريدة الدستور والمنشورة بتاريخ 5/5/2013 كنت قد طالبت فيها بإعادة هيكلة قطاع التعليم العالي وإعادة توجيهه لتلبية احتياجات القطاع الخاص، القوة المحركة للاقتصاد الوطني، وتحدثت عن التدريب المستمر لأعضاء الهيئة التدريسية، واشرت الى انه قد تسرب للجامعات عدد من أعضاء الهيئة التدريسية ما كان يجب ان يكونوا فيها.
في مقابلة أخرى مع جريدة الغد المنشورة بتاريخ 31/1/2016 اشرت الى ان الأردن وبما يحتويه من طاقات بشرية ووفرة في مؤسسات التعليم العالي يجب ان يكون في مقدمة الدول النامية في تحقيق اهداف التنمية المستدامة، الامر الذي لم يتحقق بعد.
من خلال عملي في القطاع العام (الأكاديمي والحكومي) والخاص، قد أستطيع ان اصنف الباحثين في الجامعات ومراكز الأبحاث الى ثلاث مجموعات، الأولى تضم نخبة من الأساتذة المتميزين والمحترفين والذين يعتز بهم، قادرين على النهوض بالبحث والتطوير والابتكار، الا انه لمن المؤسف ان عدد منهم تسللاليه الإحباط، بسبب بعض القيادات الاكاديمية الفاقدة للنزاهة الاكاديمية (سأتحدث عنها في المجموعة الثالثة)، والمجموعة الثانية من الباحثين غير المحترفين، الا انهم يقدرون البحث ويسعون باستمرار للتطور، وهم بحاجة للتدريب والمساعدة لنقلهم الى المجموعة الأولى، اما المجموعة الثالثة، جل همهم حمل الرتب الاكاديمية وباي طريقة (شراء البحوث، سرقتها، استلالها او عن طريق التحميل مع الاخرين)، وهم لا يهمهم المعنى الحقيقي للرتبة الاكاديمية،بل جل همهم قرار مجلس العمداء الذي يمنحهم الزيادة في الراتب، وحمل لقب برفسور (وهو لقب عظيم يجب ان يثقل كاهل من يحمله) .كما انه لمن المؤسف ان عدداً منهم قد تسلل الى اعلى المواقع الاكاديمية وأصبحوا من راسمي سياسة القطاع او من منفذيها او من المنظرين للنهوض بالبحث والتطوير والمطالبين بتطبيق النزاهة الاكاديمية على العكس مما تقول الوثائق عنهم.
كما انه ومن خلال عملي الأكاديمي ومديراً عاماً لصندوق دعم البحث العلمي، والذي قدته لمدة تجاوزت الأربع سنوات، كنا قد وضعنا حداً للتطاول على أمواله من بعض أصحاب القرار، الذين حاولوا جاهدين تمرير بعض القرارات بملايين الدنانير، او حاولوا التخلص من إعادة أموال كانوا قد حصلوا عليها لدعم مشاريع لهم، لم تنفذ بالشكل الصحيح ولم تحقق أهدافها. كما اننا وجدنا بان مشكلة دعم البحث العلمي الرئيسية ليست بالموارد المالية المقرة وفقاً لإحكام القانون، والتي لم تنفق من قبل الجامعات الوطنية، والتي قدرت بالملايين، ولقد كانت لدينا الجرأة الكافية لتحصيلها، رغم المعارضة التي وجهناها من بعض أصحاب القرار ومحاولة الالتفاف على النصوص القانونية وتطويعها لتكون نسبة 3℅ من الموازنة التشغيلية بدلاً من3℅ من الموازنة الكلية. وهنا لا يسعني الا ان اذكر الموقف المشرفلمعالي الدكتور احمد زيادات وزير الدولة في عام 2015 ووزير العدل الحالي الذي وقفهفي جلسة مجلس الوزراء والتي كنت قد دعيت لحضورها في اول أيام رمضان من عام 2015 والذي دافع عن قرارا لصندوق ورفض تفسير الموازنة الكلية بالموازنة التشغيلية، مؤكداً بان المطلق يجري على اطلاقه.
في تلك الفترة قمنا بالتواصل مع المؤسسات الإقليمية (السعودية وقطر والكويتومصر وتونس) والدولية (الامريكية National Science Foundation (NSF)والألمانية DFG واكاديمية العلوم الأوروبية وغيرها) بهدف النهوض بالبحث والتطوير والابتكار. كما عملنا على تنفيذ استراتيجية واضحة المعالم، وكنا نسعى لإنشاء هيئة وطنية للبحث العلمي والتطوير والابتكار(ال انه تم معارضة الموضوع)، على غرار الهيئات المستقلة (للنهوض بقطاع البحث والتطوير الوطني). كما كنا قد ركزنا فيها على دعم مشاريع البحوث التطبيقية وبحوث المعرفة (الا ان ذلك اغضب الباحثين عن دعم مشاريع بحوث الترقية وطلب المكافآت المالية). كنا في ذلك الوقتمعتمدين على حجم الأموال المتوفرة في حساب امانات الصندوق والتي كانت تتجاوز الثلاثين مليون دينار.
في الجزءالثاني سنناقش تطبيق نتائج بعض البحوث والدراسات