بقلم : سهل الزواهره
“كلُّ مُنافق مَشروعٌ لِغادِر ، فمن يغدِر بِضميرهِ فكُل أمر بعد ذلك عليه أهين”
لم يكن الإعلام يومًا حُرًا موضوعيًا بالنسبة الكاملة تمامًا ككل أمر ، و قد يغفِر العقل تجاوزًا قليلًا من انحيازٍ خالٍ من الفظاظة الفاضحة التي تُهين حتى ما دون ذكاء الناس و يقظتهم ، أما أن يختلج صدر الإعلام سُيول من التزوير و الحرف و التدليس فيغدو كجسدٍ جُيِّر كل عضو منه لخدمةِ صورةٍ مُتوهَمة يُراد إركابها على رؤوسنا المُتعبة و يتم فيها حشدُ إبر الارتزاق لتوخز صباحنا و مسائنا بِحُقنٍ نِفاقية زرقاء لتجميلِ واقعٍ مغلول من عنقه إلى الأرض، و جعله فردوسًا لا نراه لزعمهم أننا امتلأنا سوادًا و شكًا بتلك العبقريات الفذَّة و التي يتمناها كل إنس الأرض إلا نحن الذين لا يعجبنا عجب و لا يقنعنا رقم ، مُبارك عليكم الأرض إنسها و جنها زيادة ، أفيدوهم مما أفضتم علينا من نِعمٍ و رفاه و لكن دعونا و شأننا فكل إبركم مُنتهية الصلاحية و فوق هذا امتلئت هواءً عدميًا لم يسِر بواقعنا النطيح إلا الى الخلف ….
لا رأي لمنتفع و ليس لناقم رأي و الارتزاق و الترزق من هذين البابين أضحى موضة تملكت الصورة فمن أقلام نِفاقية تتخصص في تزويق الصورة البائسة لإطالة عمر سُلطة ما و التفنن في تبييض طناجرها المحترقة و التي ما أنضجت طعامًا قط و لا باركت رزقًا و لا هي أغنت بطنًا انتهب أمعاءه الفساد و الفشل، إلى اقلامٍ أخرى تتدثر بثوب الحِرص على تضامنٍ يعربي لم يكن يوما زائرا لقومٍ قُدسهم مَصلوب ذبيح تحت أعينهم يصيح و هم بين مطبِّع صريح أو مجعجع طريح أو متناوم مُستريح ماتت نخوتهم في سبأ و غُسِّلت في دجلة و كُفِّنت في الغوطة و دُفنت في غزة بلا بيت عزاء و لا جبر خواطر …
و يَروح قلمُ الارتزاق مُعَملِقًا التوابع و يُملِكهم على اللغة و الدار فيؤكد ما لا يؤكد لأمور نرى أضدادها شاخصة، أبلهٌ من لا يراها، و ينعت بالعظمة صِغار الحيلة و الأثر عبيد العجز فراخ الحماية و لا يرتضي بهم و عنهم بدلًا مُثنيًا على إتقانهم أدوارهم المرسومة من أسياد لهم و له قفزًا عن معادلات الكرامة و التي قد يُعذر من قهَرهُ غيرُه فقاومهُ فتسيده أما من اختار عبوديته نظير الدراهم و إخوتها و جال الدنيا وطوَّفها في سبيلِ إسماعِ كفيلَهُ الاختياري مدحه و نشيده الموبوء إطالةً للرضى و طربًا لصوتِ رنين العُملات في ذلك الجيب الذي لا يشبع من العرق الحرام …
الوطن ليس ريبوتًا بعيار و لا هو بجاريةِ دار ، الوطن مظلة العاشق العذري يُعطيه فيُعطى ، لا يقول لهم موتوا فدائي و انا كفيل بالعيال ، فالأوطان لا تكون أوطانا إذا عم اليتم و انتشر الجُباة و لا هي تنظيرُ مُتنفعٍ أفَلتْ شمسه فأخرج أوراق حظه ليعود رقمًا بين المحظيين و لا هو مِنطاد يَملؤه النفخ و التبجيل فيُحلق بعيدَا مع نافخيه الى لهوِ الإثراء و البذخ تاركًا التراب قبرًا و الظلام قدرًا للمنهوبين أهل الزيتون و اللبن …
كان حُجرٌ الكندي ملكًا على بني أسد و فيه قال عبيد بن الابرص شاعرهم و مقدَمهم مادحًا له مُتشفعًا في قومه :
إما تركت تركت عفوا … أو قتلت فلا ملامة
أنت المليك عليهم … وهم العبيد إلى القيامة
ذلوا لسوطك مثلما … ذل الأشيقر ذو الخزامة
الغريب أن بعد هذا الشعر بأيام قليلة قتلت بنو أسد حُجرا ، فلم يكن ذلك التشفع و النفاق الاسطوري إلا مُقدمة لغدرٍ سطَّرته كُتبُ التاريخ و الأدب ، فلا يغتر صاحب حاشية بحاشيته و لا يأخذه زهو المدح و التزكية ففي كل زمان حُجر و أسد و تاريخ سيكتب ….