وطنا اليوم – من الواضح أن الموسم الرمضانيّ الحالي، خصوصاً في الدراما السورية أو المشتركة، لم يتأثر كثيراً بالتغيرات التي شهدها العالم في ما يخص تمثيل النساء وحقوقهن. صحيح أن المسلسلات تضم شخصيات نسائيّة، لكن الأكثرية كانت لبطولة الرجال، فهناك “الإمام الشافعي” و”الزند: ذئب العاصي” و”العربجي” و”قرار وزير” و”المداح” و”الأجهر” و”سفربرلك” و”ابتسم أيها الجنرال”… والقائمة تطول. وكأن المخيلة ملكٌ للأبطال الرجال فقط.
اللافت للانتباه أن الشخصيات الرجولية والبطولات التي تقدمها تركز على قدرات “الرجل الواحد”، وما يواجهه من صعوبات، خصوصاً تلك التي تعتمد على القوة الجسدية، كما في مسلسلي “الزند: ذئب العاصي” و”العربجي”، في حين أن هناك نوعاً من الحنكة في “الإمام الشافعي” و”قرار وزير”. الرجل الواحد هنا يواجه ما حوله في سبيل تحقيق “ذاته”، بصورة ما، إما الانتقام، أو الدعوة، أو تحقيق العدالة، وغيرها من المطالب النبيلة. الفرد هنا والتركيز على الشخصية يتركنا أمام حكايات مغلقة، لا يمكن سوى لهذا الرجل تحديداً أن يغير ما حوله أو يحقق ما حوله، وكأننا أمام أحد أشكال البطل التراجيدي الذي لا يمكن استبداله بغيره، وإلا تنهار الحكاية.
الرغبة في التغيير وإحقاق الحق، إن صح التعبير، تركز السلطة بيد الرجال. لكنهم ليسوا رجالاً عاديين، هم أبطال، محط أنظار الجميع، يأسرون من حولهم، بالكاريزما أو القوة، وربما يفسر ذلك بمفهوم البطولة الفرديّة في المسلسلات. لكن على صعيد الحكاية نفسها، البطل لا يمتلك “ألف وجه”، إن أردنا اقتباس عنوان كتاب جوزيف كيمبل الشهير، بل له وجه واحد، يتكرر على الشاشات، ليس في هذا الموسم وحسب، وإنما في المواسم الرمضانية السابقة أيضاً.
من جهة أخرى، نشاهد بطولة نسائية مبتذلة في الجزء السادس من مسلسل “ًصبايا”. ويمكن القول إن شخصية كاريس بشار في “النار بالنار” استثناء، لكنها وحيدة بين قبيلة من الرجال.
يمكن ببساطة رصد الأدوار الرجولية وتقديم دراسات من نوع “صورة المرأة العربية في دراما رمضان”، واعتبار ما نشاهده شكلاً من أشكال الهيمنة الذكورية. والمشكلة ليست بغياب ممثلات قادرات على لعب دور البطولة، بل تكمن في الميل نحو حكايات الرجال، والحفاظ على التقليد القديم بأن البطولة للرجل، رجل واحد فقط، حوله شخصيات ثانويّة، في قالب تقليديّ، يتعرض إلى الهجوم حول العالم منذ عشر سنوات. وهنا بالضبط يمكن فهم الاختلاف بين الإنتاجات العالميّة وتلك العربيّة، وقرار تغيير أسلوب تقديم الشخصيات والأبطال الذي أغضب السوق العالميّة، كما حصل في أفلام شركة مارفل مثلاً، لكن يبدو أن الصناعة الثقافية العربية لم تتخذ هذا القرار بعد.
على الرغم من تقديم شخصيات نسائية في العديد من المسلسلات، كزعيمة الغجر في “الزند: ذئب العاصي” مثلاً، فإن الحكايات لا تتمحور حول هذه الشخصيات. هن مجرد أدوات لدفع الحبكة ورسم طريق البطل أو إعاقته. بصورة ما، يمكن استبدالهن بشخصيات نسائية أخرى، لا بطولة مميزة لهن، حتى كاريس بشار في “النار بالنار” يمكن أن تنطبق حالتها على آلاف اللاجئين والمهاجرين، في حين أن شخصية عابد فهد هي الفريدة والقادرة على التنقل بين كل الفضاءات.
قد يبدو الكلام السابق مجرد تعميمات أو تنميطات، لكن يمكن النظر إلى رسائل الماجستير والدكتوراه في كليات الإعلام في أنحاء المنطقة العربيّة لاكتشاف تفاصيل هذه الصورة التي يبدو أنها لم تتغير بعد. ما زالت البطولة للرجال على الشاشة، ليس فقط كممثلين، بل كأبطال بالمعنى الحكائي. هنا نقول ربما على هذه الصناعة إعادة النظر في كوادرها وأسلوب الإنتاج الذي تتبعه، خصوصاً أمام وضعية المرأة في العالم العربي التي تكفي إطلالة على وسائل الإعلام لمعرفة ما تشهده من عنف في سورية ولبنان والأردن ومصر، فهل المرأة محرومة أيضاً من أن تكون بطلةً في المخيّلة؟ في الترفيه واللاجد؟