بقلم: الدكتور قاسم جميل العمرو
ونحن نقترب من الولوج الى المئوية الثانية من عمر الدولة الحديثة يستدعي الامر وقوف المرء في لحظات تأمل بما جرى ويجري وسيجري على هذه الأرض المباركة مهد الحضارات المتعاقبة منذ بدء الخليقة حتى يرث الله الأرض وما عليها، لن أغوص في أعماق التاريخ لاستحضار الوقائع لتجميل هذا المقال، ولكن الشواهد الحاضرة تكفي والوطن؛ و الحمدلله مملوء بحكايات الماضي؛ التي جسدتها الحضارات المتعاقبة بجماليات الفن والعمران، وكل يوم نكتشف ما أخفته الأرض في باطنها ليحكي قصص الحضارات المتعاقبة في رحلة عبورهم الزمن على هذه الأرض المباركة.
دولتنا الحديثة التي ارسى بنائها عبدالله الأول بن الحسين وأيده جموع الناس المؤمنين بالحرية والعدالة والانعتاق من سيطرة بني عثمان على هذا الثرى الغالي وقدموا لذلك دماء غزيرة سفحها الغزاة على اسوار قلعة الكرك وفي كل سهول الأردن وبواديه في أواخر عهد الدولة العثمانية وجبروتها وسخطها على المواطنين العرب.
وصول الأمير عبدالله بعد نجاح الثورة بعامين كان مقدمة عملية لبناء الدولة ووضع أول مدماك في بناءها، ليلتف من حوله رجال أمنوا بالفكرة وايدوها في ظل اختلال موازين القوى، وانتصار الحلفاء في حربهم العالمية الاولى؛ وانتزعوا اعتراف عصبة الأمم بوضع يدهم على ربوع بلاد الشام الأردن وفلسطين وسوريا ولبنان.
تعقد المشهد وتضارب المصالح قيد الخيارات وبرز افضلها؛ وهو التعامل بحنكة مع هذا الواقع المرير وكان الهدف بناء نواة الدولة العربية التي حلُم بها العرب.
قبل مائة عام كان كل شيء في بداياته فلا طرق ولا مدارس باستثناء مدرسة السلط والكرك ولا جيش ولا امن ولا صحة ولا مؤسسات؛ فكانت الطريق شاقة وصعبة، رافق كل ذلك تداعيات وعد بلفور وخطط تنفيذه على ارض الواقع بتزايد الهجرة اليهودية الى فلسطين وشراء الأراضي وإقامة المستعمرات.
تنبه الأمير مبكرا وسارع الخطوات وانتزع اول اعتراف بريطاني بشرق الأردن تبعه تعديل صك الانتداب باستثناء شرق الاردن من وعد بلفور وتلك كانت الخطوة الأولى على طريق الاستقلال الرسمي.
مع بدايات التأسيس كانت الاحتياجات كبيرة والامكانيات قليلة والتحديات خطيرة فكانت المؤسسة العسكرية الانجح في توطيد معنى الوحدة الوطنية والوطن؛ فانصهر الأردنيون فيها وقد حملتهم وحملوها وساهمت في تحقيق التقدم المنشود امناً وتنميةً واستقراراً؛ وتعد بحق اعظم مؤسسات الوطن، واليها يعود الفضل في نشر الوعي والعلم إذ بدونها لا يمكن تحقيق ذلك فالجيش قبلة الأردنيين، عند الحديث عن الوطن، واستمر الأمير في كفاحه حتى نال الأردن استقلاله عام 1946 وعلى الصعيد القومي لم يتأخر الأردن عن الاشقاء فقدم كل ما يستطيع وجاد على الاخوة بالدم والموقف والمال وكان الحضن الدافئ والمقصد الامن للأشقاء في فلسطين والعالم العربي.
العقود الخمسة الأخيرة في القرن العشرين حملت كثيرا من الإنجازات والتطورات على المستوى المدني والعسكري فشيدت المدارس والجامعات والمستشفيات وأقيمت العلاقات مع الدول؛ وقد قدم الأردن في عهد الملك الباني كل ما بوسعه من اجل استيعاب كل التناقضات التي تمر بها المنطقة من كوارث وحروب وهجرات وحافظ على استقراره رغم الاستهداف من الصديق قبل العدو.
حديثنا عن المئوية الجديدة هي قراءة متبصرة وليست انتقائية لأحداث كبيرة وخطيرة مر بها الأردن واستطاع بفضل قيادته الحكيمة وإخلاص شعبه الذي قدم المصلحة العامة على المصالح الخاصة ان يحافظ على الاستقرار والامن، فالمسالة تتعلق بدولة صامدة تمارس أدوارا مهمة في ظل تعقيدات سياسية خطيرة وبنفس الوقت تحافظ على الثوابت الوطنية القومية
مسيرة المئوية الأولى ليست كلها إيجابيات بل رافق العمل البيروقراطي أخطاء كان لها نتائج سلبية أهمها فقدان الثقة بقرارات الحكومة، وفي عهد الملك عبدالله الثاني مئوية توالت الإنجازات ذات الرؤية الشمولية التي تأخذ بالحسبان مُجمل الاحداث والظروف الضاغطة والتي أدت الى عرقلة كثيرا من الخطط، كما ان تراخي الحكومات في تنفيذ البرامج والرؤى الملكية أدى الى تأخير استحقاقات كان يجب ان تتحقق بسرعة، وعلى سبيل المثال في مجال الاستثمار والديمقراطية كانت الحكومات تسير ببطء، اكثر من اللازم فلم نرى أحزاب فاعلة ولا انتخابات تعبر عن إرادة الشعب ولا استثمار يشفي الغليل، وحتى لا نكون متطرفين بآرائنا ندرك حجم الهزات الكبيرة التي اجتاحت العالم في العشرين عاما الأخيرة بدءا بأحداث 11 ايلول،2001، وانتهاءً بجائحة كورونا، ولكن مع استهلال المئوية الجديدة نامل ان تكون الأوراق النقاشية بكل محتوياتها القاعدة التي ننطلق منها الى المئوية الثانية حتى نحقق الهدف المنشود.
حمى الله الوطن وقائده وشعبه من كل مكروه
أستاذ العلوم السياسية جامعة البترا
ناشر موقع وطنا اليوم الاخباري