يا قدس، يا مدينة السلام، إليك أصلي…. “قصة مدينة ترفع كفيّها للسماء”

22 فبراير 2023
يا قدس، يا مدينة السلام، إليك أصلي…. “قصة مدينة ترفع كفيّها للسماء”

 

 

زيدان كفافي

ينصرف كلام هذه الخاطرة عن مكان  مدينة القدس الحالي، لنسلط الضوء على أهميتها الدينية عبر العصور المختلفة منذ بدايتها وحتى الحاضر. وحتى يكون للكلام منطق لا بد من الاعتماد على المصادر التاريخية المكتوبة ، إضافة للشواهد الأثرية إن وجدت. وعلماً أننا لا نأخذ الروايت التورتية المتعلقة بالدينة على محمل التسليم بها، إلاّ أننا نوردها للتعريف بها من بدأ “العلم بالشيء ولا الجهل به”.

 كانت بداية المدينة بتواجد مجموعة من الناس خلال الألف الرابع قبل الميلاد في منطقة الظهورة ووادي الربابه (سلوان)، بعد أن جالوا في المنطقة واستقروا قبلها في منطقة أبو غوش وبنوا لأنفسهم هناك قرية زراعية قبل حوالي تسعة آلاف عام وأكثر.  ويظهر أن قرية وادي الربابة الصغيرة التي بنيت بالقرب من عين ستنا مريم قد تطورت مع  مرور الزمان وتوسعت لتحتل منطقة واسعة من الحيز الجغرافي المجاور مع بداية الألف الثاني قبل الميلاد.  وهذا الأمر  (التطور الطبيعي) ينسحب على نشوء المدن في بلاد الشرق الأدنى القديم، ونذكر أن للمدينة صفات  تختلف عن القرى من حيث مكوناتها الإقتصادية والإجتماعية والعمرانية.  

صحيح أن بداية الكتابة والمدينة، ونشوء المدينة- الدولة  كان في جنوبي وادي الرافدين في النصف الثاني من الألف الرابع قبل الميلاد، إلاّ أن منطقة جنوبي بلاد الشام لم تشهد ظهور  أولى المدن إلاّ مع بداية الألف الثالث قبل الميلاد.  لقد كان النصف الأول من الألف الثالث قبل الميلاد حاسماً في حضارة بلاد الشرق الأدنى القديم عام، إذ استمر نظام الدولة- المدينة السومرية  في وادي الرافدين، لكن اختلف الحال في وادي النيل إذ وحّدَ مينا الوجهين القبلي والبحري، وأما بلاد الشام فتوزعت فيها مجموعة من المدن والتي حكمت كل منها نفسها بنفسها. والمدينة لا تكون فقط بالمكان، وإنما أيضاً بالسكان أصحاب هذا الحيز الجغرافي. أين مكان مدينة القدس الحالية من هذا الكلام؟

بناء على المعطيات الأثرية فإن مكان مدينة القدس الحالية قد شهد التحول إلى مكانة المدينة في حوالي 1900/1800 قبل الميلاد بسبب ذكرها لأول مرة في المصادر الفرعونية/ نصوص اللعن. ومن أسماء أمراء القدس في هذه الفترة “يقار-عمو” الذي يجادل بعض الباحثين أنه أموري من مهاجري الجزيرة العربية.  أي أنها كانت ضمن النظام السياسي المعروف باسم المدينة -الدولة.  أما خلال النصف الثاني من الألف الثاني قبل الميلاد (حوالي 1550 – 1200 قبل الميلاد) فقد سقطت  المنطقة الواقعة للجنوب من مدينة حلب الحالية تحت النفوذ الفرعوني، تمتعت خلاله المدن الكنعانية بالحكم الذاتي، لكن تحت اشراف فرعوني. وكان لكل مدينة حاكم  محلي يحكمها، وكان اسم حاكم أور-سالم (القدس الحالية؟) “عبدي -حيبا” في فترة العمارنة (حوالي 1400 – 1350 قبل الميلاد).  إذن تمتعت المدينة خلال الفترة بين حوالي 1800 – 1200 قبل الميلاد بنظام سياسي، كغيرها من المدن الكنعانية.

تعرضت الامبراطوريات في وادي النيل ووادي الرافدين والأناضول في حوالي 1200 قبل الميلاد  للتدمير، واتفق الباحثون على أسباب الدمار، وما نتج عنه من هجرة شعوب البحر واستقرار شعب البلست على الساحل الفلسطيني، كما راهنوا على أن خروج الاسرائيليين من مصر قد حصل في هذه الفترة. ونتفق على هذه الأحداث، لكننا لا نتفق وما ذكرته النصوص التوراتية حول عدد الاسرائيليين الذين خرجوا من مصر (حوالي ستمائة ألف شخص)، ولنا رأي آخر حول الموضوع نشرناه في مجلة “أدوماتو” التي تصدر عن مركز عبدالرحمن السديري بالرياض بالمملكة العربية السعودية.

ذكرت التوراة وصفاً كاملاً للخروج من مصر، وكيفية دخول الاسرائيليين لفلسطين، وبعدها كيف احتل داود أور-سالم من اليبوسيين في سردية لا تزال تلقى رواجاً بين دارسي اللاهوت ومن سار بركبهم. علماً أن هناك تناقض بين الروايات التوراتية في كيفية قيادة واحتلال المدينة من قبل داود. ونود غلإشارة إلى أن الاسرائيليين لم يسيطروا على فلسطين كاملة، هذا إن كانوا قد دخلوها عنوة كما يذكر كتاب العهد القديم، بل كان هناك مدن كنعانية لا تزال قائمة منذ آلاف السنين، وشعب جديد (البلست) سكن الساحل. وربما يكون الأمر برمته قصة اخترعتها كاتبها، ولا نستبعد أن يكون الأمر أن ماحدث هو إعادة قصة ملك “شكيم” الذي سمح ليعقوب وأهله أن  يرعى غنمه ويفلح الأرض التابعة لهذه المدينة، فما كان منه وأهله إلاّ أن غدروا بأهلها. بكلمة أخرى أن الأمر يتكرر على مدى العصور، على الرغم من أن الباحثين قد قدموا عدداً من الفرضيات والنظريات حول دخول الاسرائيليين إلى أرض الميعاد.

لعب الدين دوراً بارزاً  وأساسياً في الفكر الصهيوني، وهذا الدين يقوم على أساس توراتي مزور.  ويمكن للدارس للنصوص التوراتية التثبت بأن دين موسى (عليه السلام) ضرب من العبادة الربوبية (رب والدي، والدك، والده). لا ندخل في هذا الجدل السياسي-اللاهوتي لكننا نتابع سرد قصة المدينة التي ترفع يديها للسماء داعية لخلاصها من الاحتلال. للأسف فإن المصادر التاريخية مجتمعة تصمت عن التحدث حول الفترة بين حوالي 1200 – 923 قبل الميلاد، أي هناك تعتيم تاريخي حولها. لذا يضطر الكاتب في شؤون المدينة الرجوع للكتب الدينية مجبراً ليغطي هذا الفراغ المعرفي من خلال روايات كتبت حول فترة هامة حشر فيها كاتبوها قصة خروج بني اسرائيل من مصر وتأسيس الدولة الموحدة. وإليكم هذه الرواية الوراتية:

اتفقت القبائل الاسرائلية في حوالي 1004 قبل الميلاد على أن يرأس عليها الشيخ طالوت “شاؤول” ، وتبعه بعد وفاته داود الذي لا صلة عرقية له بيعقوب، علماً أنهم يخترعونها في الوقت الحاضر. وبعد وفاة الملك داود الذي تصفه الذي تصفه التوراة بأنه كان عظيماً ،خلفه ابنه سليمان الذي كان مبذراً وعاشقاً للنساء حسب التوراة.. وأن هذين الملكين اتخذا من مدينة  أور – سالم (أورشليم) عاصمة للمملكة الموحدة.  لمدة تتجاوز السبعين عاماً بقليل. وهالني أنني لم أجد في النصوص المكتوبة أي ذكر “لأورشليم” عاصمة لهذه المملكة خارج النص التوراتي، كما أن مجموعة كبيرة من الباحثين يرون أن المدينة في القرن العاشر قبل الميلاد لم تخرج عن كونها عزبة صغيرة.  وأزعم أن القدس في هذه الفترة  سكنها شعب محلي ديانته اليهودية إضافة لأعراق وأجناس أخرى كما هو حال بلاد الشام على الدوام. ليس هذه فقط، فإن النصوص التوراتية تذكر أن داود سمح لليبوسيين بالاستمرار بالعيش في المدينة جنباً إلى جنب مع اليهود.  ومن أراد أن يعرف نسب داود عليه مراجعة سفر صموئيل الأول 16: 1، وهو من تمرد على شاؤول في يوم من الأيام، وتعاونه مع شعب البلست ضد قومه (صموئيل الثاني2 : 1-4).  وكما نعلم أن المملكة المتحدة قد انقسمت بعد وفاة سليمان في حوالي 920 قبل الميلاد إلى مملكتين، وأضحت أورشليم عاصمة للمملكة الجنوبية “يهوذا” وبقيت هكذا  حتى تدميرها وسبي أهل البيت الحاكم والكهنة والصناع منهم إلى بابل على يد الملك البابلي “نبوخذنصر” في عام 586 قبل الميلاد (سفر الملوك الثاني 24: 14 – 16). للأسف أن السبي البابلي أصبح اسطورية للهوية الاسرائيلية ومطبوع بالذاكرة، على الرغم  من أن كثيراً من اليهود قد بقوا في فلسطين لكنهم ذكروا في المصادر وكأنهم من المسبيين.

استطاع الاسكندر المكدوني هزيمة فارس في  معركة إبسوس/ قرب الاسكندرون عام 333 قبل الميلاد، وسيطروا على جميع المناطق التي كانت تحت السيطرة الفارسية ومنها فلسطين. لكن وبعد وفاته قسمت امبراطوريته بين قادته،  وخضعت فلسطين تحت حكم البطالمة في مصر  بين حوالي 301 – 198 قبل الميلاد،  وشكلت يهوذا جزء من مقاطعة مستقلة اسمها “يهود” تابعة لسوريا. لكن وبعد عدة معارك استطاع السلوقيون الانتصار على البطالمة وضم فلسطين لأملاكهم. وبدأت المدينة بالانتعاش، لكن هذا لم يكن محبباً لليهود، خاصة أن المدينة لبست الطابع اليونانية ، إذ حوّل إسمها إلى “إنطاكية” نسبة إلى الملك السلوقي “أنتيوخس الرابع” ، وتطبّعت الطبقة الاستقراطية اليهودية في المدينة بالطابع اليوناني، وبنيت فيها المباني على الطراز اليوناني، وأصبح “يهوه” مساوياً لكبير آلهة أولمبوس “زيوس”. كل هذه الأمور أدت إلى قيام ثورة محلية  في عام 164 قبل الميلاد،  نتج عنها ما يعرف بالدولة الحشمونية التي قضى عليها الروم  بقيادة بومبي في عام 63 قبل الميلاد واتبعوها للامبراطورية الرومية. لكن الصراع على الحكم بين القادة الروم أدى إلى  تعيين عدد من الحكام على أورشليم ومنهم “هيرود” الأدومي أصلاً، الذي أسس في عام 37 قبل الميلاد أسرة حلت محل الأسرة المكابية واتخذ أورشليم عاصمة له وبنى فيها كثير من العمائر الضخمة على الطراز اليوناني. ومما يذكر أن السيد المسيح (عليه السلام) ولد في أواخر أيام “هيرود”. لكن بعد وفاته قامت مجموعة من الثورات مما أدى إلى طلب الوالي الرومي في المدينة لطلب المساعدة في إخمادها  من والي سوريا ومن الملك النبطي الحارث الرابع. وبعد إخماد الثورات ألحقت يهوذا بولاية سوريا ونقلت عاصمتها من أورشليم إلى قيسارية، وتحولت إلى مركز ديني. وظل اليهود في المدينة يحيكون الدسائس والفساد ، وقاموا في عام 66م بالثورة على الروم مما أجبرهم على إرسال حملة عسكرية بقيادة تيطس في عام 70 م الذي دمرها عن بكرة أبيها وأحكموا السيطرة على يهود بالكامل. لكن اليهود بقوا يثيرون القلاقل،  إذ قام شخص يهودي اسمه بار -كوخبّا في عام 135م بثورة على الحكم الرومي مما أدى إلى أن يرسل الامبراطور الرومي حملة عسكرية أدت إلى هزيمة اليهود الثائرين. وبعد أن هدم “هدريان” أورشليم  أصدر مرسوماً في عام 139م بأن يبنى فوق ردمها مدينة جديدة  على الطراز اليوناني/الرومي وأن تسمى “إيليا – كابيتولينا”. كما أمر اليهود بعدم دخول المدينة الجديدة، وحتى عدم النظر إليها من بعيد.

بدء السيد المسيح دعوته للنصرانية  بالخفاء ومن ثم العلانية، وتنصر على يده مجموعة من أهالي المنطقة. وبرأينا أن دعوة السيد المسيح للخير والسلام كانت تصحيحية للديانة اليهودية. ذكرنا أن جميع اليهود تم طردهم من أورشليم بعد ثورة بار – كوخبا، لكن سمح لأولئك السوريين واليونانيين الذين اتبعوا الديانة المسيحية بالبقاء فيها. لكن المدينة فقدت أهميتها السياسية والدينية في الفترة بين عامي 135 إلى 324 م لصالح  مدينة قيسارية. وبقوا الحال على ما هو عليه حتى أصبحت الديانة المسيحية دين رسمي للدولة الرومية في عام 324م. 

وصل الصراع بين الوثنيين والمسيحيين  إلى ذروته في عهد الأمبراطور الرومي مكسيمينوس (303م)، فقد قبض على عدد من مسيحي ايليا -كابيتولينا  وعذبوا وقتل عدداً كبيراً منهم تحت التعذيب. وعندما توفي هذا الامبراطور تولى قسطنطين الأمر من بعده في عام (314م)، فأوقف النشاط العدائي ضد المسيحية والمسيحيين، وسمح بحرية الأديان.  

بعد أن انقسمت الامبراطورية الرومية إلى مملكتين ، هما: غربية وثنية وعاصمتها روما، وشرقية مسيحية وعاصمتها بيزانطا (بيزانس)، ايتطاع قسطنطين إعادة توحيدهما  في مملكة واحدة واتخذ من بيزانطا عاصمة له. بعدها تنصر الامبراطور قسطنطين في عام 324م وسمح بانتشار المسيحية في الغرب.  بعدها دخل المسيحية خلق كثير ومن بينهم والدته هيلانه التي زارت القدس عام 326م وبنت فيها كنيسة القيامة. وكما نعلم فإن السيد المسيح (عليه السلام) كان قد حكم عليه بالاعدام من قبل الحاكم الرومي (بيلاطس)، وكان من عادة الروم أن يصلبوا المحكوميين عليهم بالاعدام.  ويقال بأن السيد المسيح سيق إلى مكان خارج أسوار المدينة يسمى “الجلجلة”، لكن قريباً من المدينة، ويعتقد المسيحيون أنه دفن في مغارة  بنيت فوقها كنيسة القيامة في عام 335م. بعدها بنيت في إيليا عدة كنائس منها “كنيسة الجلجلة ” و “كنيسة الشهادة”.  

عاد اليهود خلال الحكم البيزنطي إلى ثوراتهم حتى تولى الحكم الامبراطور “جستنيان” في عام 527م الذي أنهى هذه الثورات  وشتت شمل اليهود، وبنى عدداً من الكنائس والأديرة في القدس وما حولها، ومنها “كنيسة العذراء الجديدة”.  كما تقرر في عهده  (عام 534م) أن تكون القدس مركزاً للبطريركية.  لكن وبعد أن دبت الخلافات بين المسيحيين  حول صفات السيد المسيح ، تأثرت إيلياء كثيراً بهذه الانقسامات. 

استغل الفرس بقيادة كسرى الاضطرابات والانقسامات في الامبراطورية البيزنطية، فزحفت جيوشه على سوريا واحتلت القدس في عام 614م.  ويذكر العارف (2005: 146) أن عدد من قتلوا من المسيحيين في القدس قد بلغ 90000 ألف شخصاً، ويضيف بأن اليهود هم الذين حرضوهم وساعدوهم في هذه الحملة. كما قام الفرس بهدم عدداً من الكنائس والأديرة ومنها كنيسة القيامة. لكن الامبراطورية البيزنطية استطاعت وبقيادة الامبراطور هرقل الانتصار عام 627م في معركة  نينوى على الفرس وإعادة إيلياء إلى حكمهم في عام 629م. وخلال هذه الفترة من الزمان  ظهر النبي العربي المصطفى محمد داعياً الناس إلى الاسلام، في هذه  المرحلة التي كانت  القوتان العظمى في فارس وبيزنطة في قمة صراعهما. ومن المعلوم أن الامبراطور البيزنطي انتصر على كسرىملك فارس في عام 625م، ففرح  المسلمون فرحاً كبيراً لأنه مسيحي  (من أهل الكتاب) والآخر وثني.  وفي ذلك نزلت الآية الكريمة : “الم ﴿1﴾ غُلِبَتِ الرُّومُ ﴿2﴾ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ﴿3﴾ في بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ﴿4﴾ بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴿5﴾” صدق الله العظيم (سورة الروم: 1- 5).

وكان هرقل من بين  الملوك (كسرى الفارسي، والمقوقس القبطي والحارث الغساني، ونجاشي الحبشي)  الذين أرسل إليهم الرسل لدعوتهم للدخول في الدين الإسلامي. وعندما تسلم هرقل الدعوة، لم يغضب، ورد حامل الدعوة رداً حسناً. ومن الواجب ذكره، أنه وفي زمن هرقل (610- 641م) جرى حادث الاسراء والمعراج، وعرج النبي المصفى من إيلياء (القدس) إلى السموات العُلى. كذلك فإن المدينة ظلت قبلة المسلمين حتى السنة الثالثة من الهجرة، عندما تحولت لمكة. ويذكر العارف (2005: 149) أن بعض الصحابة إرتأى أن يدفن النبي (صلى الله عليه وسلم) في بيت المقدس من كثرة ما جاء على لسانه في مدحها.

عندما ولي أبو بكر الصديق الخلافة سيّر جيشاً بقيادة عمرو بن العاص إلى فلسطين قوامه سبعة آلاف مقاتل، ثم التحق بهم خالد بن الوليد  قائد جيش العراق، وولوه المر ووقعت معركة اليرموك عام 636م والتي انتصر فيها المسلمون على الروم، وخرجوا من سوريا إلى الأبد. بعد تولي عمر بن الخطاب الخلافة بسبب وفاة أبي بكر الصديق، وبعد الانتهاء من فتح الشام، كلّف أبا عبيدة بن الجراح بقيادة الجيش الاسلامي لفتح إيلياء. وبهذا ، توجه عمرو بن العاص لفتح باقي المدن الفلسطينية، بينما قام جيش أبي عبيدة بمحاصرة إيلياء. وبعد حصار وقتال  استسلمت المدينة ، وتقدم “صفرونيوس” حاملاً على صدره الصليب المقدس ، وحوله القساوسه والرهبان، وطلب الصلح شريطة تسليم المدينة للخليفة عمرو بن الخطاب.  وسار الخليفة عمرو بن الخطاب  باتجاه إيلياء، ونزل في طريقه بالجابية حيث جاء إليه وفد من أهل إيلياء  وأخبروا الخليفة حالة المدينة البائسة من حصار المسلمين لها، وإنهم خائفون من انتقام المسلمين  إذا سلموها لهم.   ونتيجة لهذه  المقابلة مع خليفة المسلمين دخل عمرو المدينة وكان في استقباله صفرونيوس، وكانت العهدة العمرية، المذكورة أدناه:

“هذا ما أعطى عبدالله  عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان. أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها. أنه لا تُسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينتقص منها ولا من حيزها، ولا من صلبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود.

وعلى إيلياء أن يعطوا الجزية كما يُعطي أهل المدائن، وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوص، فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم. ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه مثل ما على إيلياء من الجزية، ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعهك وصلبهم ، فإنهم آمنون على أنفسهم حتى يبلغوا مأمنهم، ومن كان بها من  أهل الأرض فمن شاء منهم قعد، وعليه مثل ما على إيلياء من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن شاء رجع إلى أهله، لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم. وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليه الجزية”.

شهد على ذلك: خالد بن الوليد، عمرو بن العاص، عبدالرحمن بن عوف، معاوية بن أبي سفيان، عمر بن الخطاب.

ويمكننا القول أن  بلاد الشام عامة، وإيلياء خاصة، حافظ على الأماكن المقدسة لأهل الكتاب عامة، إذ بقيت تلك في أيدي أصحابها يمارسون فيها عباداتهم كما كانت قبل احتلالها من قبل الجيش الاسلامي، كما وفد إلى البلاد عدداً كبيراً من عرب الجزيرة  وأصبح العنصر العربي الإسلامي هو الطاغي في المدينة. والأهم من هذا وذاك، أن تحالفاً عربياً إسلامياً- مسيحياً  قد بدأ في بلاد الشام منذ ذلك الوقت.

أنتهى الصراع بين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)  ومعاوية بن أبي سفيان  إلى مبايعة الأخير بالخلافة في عام  40 ه/660 م في بيت المقدس بعد  أن تنازل الحسن بن علي عنها (الدباغ 9/102).  اهتم خلفاء بني أمية اهتماماً كبيراً بالمدينة المقدسة ، إذ بويع فيها معاوية بن أبي سفيان  بالخلافة، وأقام فيها الخليفتان سليمان بن عبدالملك وعمر بن عبدالعزيز مددأ طويلة وبنوا فيها قصوراً لهم. كما شغف بها عبدالملك بن مروان  الذى بنى  قبة الصخرة المشرفة (691 م) وابنه الوليد الذي بنى المسجد الأقصى(92 هجرية/711 م).

ورثت الدولة العباسية القدس الشريف من  الأمويين، وتابعوا اهتمامهم بالمدينة  فرمموا مباني قبة الصخرة المشرفة والمسجد الأقصى. كما زارها عدد من الخلفاء العباسيين من أمثال أبو جعفر المنصور، ومحمد المهدي والمأمون.  وعندما ضعفت الدولة العباسية دخلت فلسطين ومن ضمنها القدس  في ولاية أحمد بن طولون  ولاة مصر (878- 905م) ومن بعدهم الاخشيديون (939- 969م) الذين  أوصوا [ان يدفنوا في أرضها لمنزلتها الخاصة لديهم. وبعد استيلاء الفاطميون على الحكم في مصر من الاخشيديين دخلت القدس تحت حكمهم في عام 969م، وعاش أهل القدس من مسلمين ومسيحيين بتحاب، كما كان عهدهم على الدوم.   ثم استولى عليها السلاجقة  في عام 1072م ، وثار أهل القدس عليهم في عام 1077م. 

ونتيجة للصراع الفاطمي السلجوقي ضعفت بلاد المسلمين واستطاع الإفرنج  محاصرة مدينة القدس  واحتلالها في عام 1099م  وذبحوا أهلها ذبح النعاج.  بعدها أقام الإفرنج فيها في 17 تموز (يوليو) عام 1099م “الدولة اللاتينية” بزعامة غودفري دو بوبون الذي اتخذ لنغسه لقب “حامي القبر المقدس”. وبعد وفاته خلفه أخوه بلدوين  الأول (1100 – 1118 م)، وحكم من بعده مجموعة من الملوك الإفرنج. حاول الإفرنج أثناء حكمهم للمدينة تغيير معالمها فوضعوا صليباً فوق مبنى الصخرة المشرفة، وحولوا المسجد الأقصى ألى مقر للفرسان، ونصبول بطريركاً  لاتينياً عوضاً عن البطريرك الأرثوذكسي، وبنوا عدداً من المباني منها نزلاً يتسع لعدد كبير من الحجاج المسيحيين. وبقي الحال على حاله حتى معركة حطين في عام 1187مالتي نتج عنها تحرير المدينة.  وقد أولى الأيوبيون للقدس اهتماماً شديداً فبنوا فيها المدارس والأربطة  والمعاهد والمستشفيات، وانتعشت الحركة التجارية فيها. لكن وفي عام 1228م نجد أن الملك الكامل يوقع هدنة مع الإفرنج يتنازل فيها عن القدس شريطة أن يظل الحرم القدسي بيد المسلمين، لكن استطاع خلفاء الكامل استعادتها حتى آلت للمماليك بموجب اتفاق وقع في عام  1253م. أصبحت القدس في العهد المملوكي مركزاً علمياً مرموقاً فتوافد إليها طلبة العلم والدين من كل حدب وصوب فبنيت المدارس بكثرة.  

أنهى العثمانيون حكم المماليك في بلاد الشام ، واستولى السلطان  العثماني سليم الأول على القدس في عام 1517م بعد معركة “مرج دابق” التي انتصر فيها على المماليك. وقام ولده من بعده السلطان سليمان القانوني ببناء السور حول المدينة خلال مدة استمرت ما يقارب الخمسة أعوام (1536 – 1540م). كما قام ببناء الكثير من المنشآت المعمارية  كالمساجد والتكايا  والمدارس ، وإعادة ترميم بناء مسجد الصخرة المشرفة وتبليط ساحات بنائها. ومن تاريخ القدس أن إبراهيم باشا  وفي عام 1831م استطاع السيطرة على فلسطين ومن ضمنها القدس، فتبعت السلطة في البلاد لمصر لمدة عشر سنوات عادت بعدها تحت الحكم العثماني.

صدر في عام 1882م القانون العثماني الذي يحرم هجرة اليهود لفلسطين ، ويحرم شراء الأراضي فيها ، لكنه عُدذِ بعدئذ وسمح لهم للدخول من أجل العبادة فقط. وعندما حاول أعضاء جمعية “تركيا الفتاة” تتريك الدولة العثمانية  دبّ الخلاف بين العرب والأتراك، وكانت الثورة العربية الكبرى. وبعد أن خسر العثمانيون  الحرب العالمية الأولى انتقلت القدس إلى أيدي الانجليز، فدخلها الجنرال اللنبي في التاسع من شهر كانون الأول  عام 1917م، وقال الجنرال اللنبي قولته المشهورة “ها قد عدنا يا صلاح الدين”. وقعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني الذي سهل قيام دولة اسرائيل الصهيونية، وقام أهل فلسطين بثورات عدة  خلال مدة الانتداب (1917- 1947م)، وللأسف  أجهضت جميعها . سقطت القدس الغربية في أيدي الصهاينة عام 1948م، تبعتها الغربية عام 1967م. ما زالت القدس مدينة السلام ترفع كفيّها للسلام داعية لرب العالمين للخلاص من محتليها.

الإسم التاريخ الوصف ملاحظات
لا يوجد

(لعدم  معرفة الناس للكتابة)

الألف الرابع قبل الميلاد بداية لتواجد الناس  جماعة من الرعاة جاءت إلى منطقة الظهورة واستخدمت الكهوف وتركت خلفها كسر فخارية
لا يوجد

(لعدم معرفة الناس للكتابة)

الألف الثالث قبل الميلاد تأسيس قرية بسيطة جماعة استقرت حول نبع عين سلوان (ستنا مريم)، حيث عثر على بقايا لمنزل
أورشاليموم

(المصادر الفرعونية)

النصف الأول من الألف الثاني قبل الميلاد

(حوالي 2000 – 1550 قبل الميلاد)

مدينة كنعانية ذكرت في نصوص اللعن الفرعونية المؤرخة لحوالي 1900-1800 قبل الميلاد مجموعة من أسماء حكامها  الأموريين الذين هاجروا من الجزيرة العربية ، ومنهم “يقار -عمّو”.
أور- سالم 

(المصادر الفرعونية)

النصف الثاني من الألف الثاني قبل الميلاد)

(حوالي 1550 – 1200 قبل الميلاد)

مدينة لها حاكم.

واحدة من مدن دولة – المدينة الكنعانية. 

سكانها  اليبوسيين

أرسل حاكمها (عبدي-حبّا) رسالة من رسائل تل العمارنة.

أور-سالم، يبوس، أورشليم حوالي 1200  قبل الميلاد – 139 ميلادي تذكر التوراة أنها كانت عاصمة لداود وسليمان (المملكة الموحدة)  (حوالي 1004 – 923 قبل الميلاد).

من بعدها عاصمة لمملكة يهوذا (حوالي 923 – 586 قبل الميلاد). 

سمح ملوك الفرس قورش وقمبيز للمسبيين اليهود للعودة إلى فلسطين، لمن يرغب.

بعد الثورة المكابية في عام 164 قبل الميلاد ، وقيام الدولة الحشمونية أصبحت مقراً لها حتى عام 37 قبل الميلاد، حين تسلم الحكم فيها الأسرة الهيرودية. 

بعد أن عين الروم في عام 37 قبل الميلاد هيرود حاكماً عليها، وهو من أسرة أدومية ويهودي بالاسم فقط، اتخذها مقراً له

لم تذكر في أي نص رافدي أو فرعوني بهذه الصفة خلال فترة العصر الحديدي  الأول والثاني أ (حوالي 1200 – 923 قبل الميلاد).

يرى بعض الباحثين أن المكان لم يخرج عن مستوى قرية صغيرة خلال القرن العاشر قبل الميلاد (فترة المملكة الموحدة).

 

كان هيرود كارهاً للتعصب، ومؤمناً بتعدد الديانات والثقافات. وكان شغوفاً بالحضارة اليونانية (الهيللينية) لذا كانت هناك كراهية متبادلة بينه وبين اليهود المتشددين.

إيليا -كابيتولينا  135 –  324 ميلادي مدينة  تبعت للحكم الرومي مباشرة.

فقدت طابعها السياسي للأبد.

بعد أن دمر القائد الرومي هدريان أورشليم في عام 139 ميلادي أمر بتغيير اسمها إلى “إيليا-كابيتولينا”.
إيليا 324 –  638 ميلادي مدينة لها أهمية دينية مسيحية الاعتقاد بصلب السيد المسيح في موقع “الجلجلة”.

بعد مجيء الملكة هيلانه وبناء كنيسة القيامة والكنائس الأخرى أخذت طابعاً دينياً مسيحياً

بيت المقدس 638 – 750 ميلادي

(ذكرها الأعشى قيس باسم أورشليم في ديوانه)

كانت مدينة اللد هي عاصمة جند فلسطين في العصر الأموي..

بويع فيها معاوية بالخلافة.

أقام فيها الخليفتان سليمان بن عبدالملك ، وعمر بن عبد العزيز فترات طويلة خلال حكمهم.

مدينة طابعها ديني  إسلامي- مسيحي

عرج منها النبي محمد.

القبلة الأولى للإسلام.

بُني فيها مسجد عمر بن الخطاب.

اهتم بها الأمويون وبنوا المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة.

القدس 750- الوقت الحاضر مدينة ذات طابع ديني خلال الحكم العثماني،

حتى  اتخذها الحاج أمين الحسيني عاصمة لفلسطين 

استمرت تحت حكم المسلمين  من عام 638 ميلادي حتى الحاضر.

 إحتلها الفرنجة من 1099 حتى 1189م.

نظراً لأهميتها الدينية وارتباطها بالهاشميين ابتداء من المعراج، دفن فيها الشريف الحسين بن علي ، واستشهد على أرضها الملك عبدالله المؤسس.

 

زيدان كفافي

عمّان في 21/ 2/ 2023م

مراجع لمن يرغب في مزيد من المعرفة:

– أبو الشعر، هند 2022؛ القدس في أواخر العهد العثماني 1908 – 1914م.  عمان: مؤسسة التراث العربي.

الدبــاغ، مصطفــى مــراد 2018؛ بلادنا فلســطين. الجــزء العاشــر ، بيــت المقــدس (1). تقديــم وليــد الخالــدي. بيــروت مؤسســة الدراســات الفلســطينية 

-العارف، عارف 2005؛  المفصّل في تاريخ القدس. الطبعة الثالثة.  بيروت :المؤسسة العربية للدراسات والنشر.

-كفافي، زيدان 2021؛ القدس قبل الإسلام : بين النصوص التوراتية والوثائق التاريخية والآثار “دراسات وأبحاث منشورة  وغير منشورة”. عمان: دار الشروق..