هل يجوز أن لا يعرف الطالب الجامعي رسم خارطة الأردن؟

9 يناير 2023
هل يجوز أن لا يعرف الطالب الجامعي رسم خارطة الأردن؟

زيدان كفافي

خاطرة كتبتها ونشرتها  قبل أكثر من عشر سنوات، ولأهمية موضوعها وجدت أنه من الواجب تعميم المعرفة بموضوعها. قد يقول من يقرأ الخاطرة أن لا حاجة لنا بمعرفة رسم الخرائط خاصة بعد سهولة الحصول عليها من الإنترنت، لكني والله لا أعذر أي مواطن حريص على مواطنته، لا يعرف أن يقرر بدقة موقع اسم مدينة أردنية أو مظهر طبيعي أردني على الخارطة. لا يجوز أن يرسم الأردني نهر اليرموك في وادي عربة، وأن يضع الطفيلة مكان أم الجمال على الخارطة. وماذا عن معرفة خارطة الوطن العربي؟ حدِّث بلا حرج.

شاء القدر أن أُدرّس في ثلاث جامعات أردنية مواد في تخصصات الآثار، والتاريخ القديم، والسياحة، أي أنني كنت على تماس مباشر مع جيل يعدّ هو مستقبل الوطن. وبطبيعة الحال فإن من واجب أي طالب يضع رجليه على عتبة التخصصات المذكورة أعلاه أن يعرف تضاريس، ليس فقط، الأردن، بل على الأقل العالم العربي، إن لم يكن العالم أجمع. هذا ما درجنا عليه ونحن طلبة نحبوا في مدارس المملكة الأردنية الهاشمية.

ولجت في أحد الفصول الدراسية ، وقبل تقاعدي من التدريس الجامعي، إلى داخل الصف… وجدت أمامي عدد كبير من الطالبات، ونفر قليل من الطلبة الذكور… استبشرت خيراً أن الناس في الأردن بدأوا لا يهتمون فيما إذا كان ابنهم أو ابنتهم يدرس الطب أو الهندسة، أو المحاسبة، بل لقيت تخصصات (كانت لا تطال كتف التخصصات العلمية البحتة) مثل الارشاد السياحي طريقاً إلى قلوبهم…لعل وعسى أن يجد من يتخرج من هذا التخصص فرصة عمل مستقبلية…خاصة وأن السياحة تلقى اهتماماً خاصاً من ذوي الشأن في الأردن لأنها أصبحت مكوناً رئيساً من الدخل القومي. وحيث أن من يتخرج من هذا التخصص يجب أن يكون عارفا بثلاثة أمور هي سلاحه العلمي: لغة أجنبية، معرفة علمية في تاريخ وآثار الأردن، وأحواله الأخرى، وأخيراً حسن الإدارة والمظهر واللباقة، وكيفية التعامل مع الناس. وبطبيعة حال أي مدرس جامعي.. كانت المحاضرة الأولى تقديم للمادة العلمية التي سيتناولها المساق في الفصل…وحيث أنني وأنا على مقاعد الدرس في االمدارس الابتدائية تعلمت رسم خارطة المملكة الأردنية الهاشمية، وخارطة الوطن العربي، وحتى خارطة العالم، كما أنّ من واجب من يدرس الارشاد السياحي أن يعرف خارطة بلاده كما يعرف تضاريس يده…قلت في نفسي لماذا لا أطلب من الطلبة أن يرسموا خارطة الأردن….و يا لهول الصدمة… لم أعثر من بين جميع الخرائط المقدمة إلي من الطلبة أي خارطة استطاع أحدهم، أو إحداهن اسقاط المدن الأردنية الرئسية، ولا حتى التضاريس الطبيعية على الخارطة…ضربت كفاً بكف، وولولت … وأسمعتهم كلاماً ظننت أنه أخذ من سامعي مأخذه، خاصة إذا ما علمنا أن الانسان إذا كانت لديه معرفة جغرافية بوطنه، وتاريخه فهذا يزيد الولاء والانتماء لديه…وحيث أن أحدهم لم يستطع رسم خارطة الأردن، قلت لهم “اسمعوا سيكون رسم خارطة الأردن أحد أسئلة الامتحان النهائي”، وهذا ما كان، وأرفق أدناه نموذجاً لخارطة رسمها طالب/طالبة من طلبة السنة الأولى في إحدى الجامعات الرسمية…هذا المثال لا ينسحب على طلبة هذه الجامعة فقط، بل على طلبة الجامعات الاردنية الأخرى التي درّست بها…إذن تلاميذ مدارسنا…نجحوا بمعدل 99% في امتحان التوجيهي، لكنهم لا يعرفون رسم خارطة وطنهم. إذن هذه مشكلة وطنية لا بد من مناقشتها في هذه الخاطرة علّها تكون محركاً لدى أصحاب القرار لاعطاء العلوم الانسانية والاجتماعية نفس الاهتمام الذي تلقاه علوم الحاسوب، والعلوم البحتة الأخرى. لذا اسمحوا لي أن أبدأ بطرح سؤال على من يقرأ ما ورد أعلاه، والسؤال هو: لماذا لا يعرف طلبة المدارس والجامعات الأردنية رسم خارطة الأردن؟ وللإجابة على هذا السؤال، أقدم أدناه أفكاراً، واجتهادات سريعة قد تصيب الهدف أو تخطأه، وهي:

  1. يبدأ مشوار معظم الأطفال الأردنيين (خاصة من يعمل آباؤهم) في الحضانة، وهناك يلقن الطفل الأحرف اللاتينية، ويتعلم ألعاباً على الحاسوب، كما لا بد في هذه الأيام من استخدام ال I-Pad. ويفغر الأهل أفواههم فرحاً عندما تخرج من أفواه أبنائهم كلمات أجنبية، أو يرونه يجلس خلف الحاسوب يعمل أصابعه على مفاتيح الأحرف (طبعاً الأجنبية).
  2. بعد الحضانة ينتقل الطفل إلى مرحلة الروضة (مرحلة ما قبل المدرسة)، ويصبح همّ المعلمين والمعلمات في هذه المرحلة استطاعة الطفل تركيب جمل باللغات الأجنبية، ويعرف بعضاً من الحساب، وبطبيعة الحال الحاسوب. من هنا ينشغل الطفل بألعاب الحاسوب، وينسى كل المعارف الأخرى. لذا نرى أن الطفل وحتى يبلغ سن السادسة من العمر لم يسمع كلمة عن وطنه، فكيف له أن يتعلم رسم خارطته.
  3. يدخل الطفل المدرسة الاساسية، ثم الثانوية، ويتخرج منها حاملاً معدلاً يؤهله لدخول الجامعة. وحيث أنني لا أستطيع أن أجزم أن ما يدرّس هذه الأيام من مبحث الاجتماعيات لا يوازي كتاب “جغرافية الوطن العربي” أو حتى حصة “الرسم، ومنها رسم الخرائط” في مدارس زمن مضى، فكيف للطالب أن يتعلم رسم الخرائط ، على افتراض، لم يطلب منه ذلك.
  4. بعد النجاح في امتحان التوجيهي، يوزع الطلبة على التخصصات حسب معلاتهم في التوجيهي، وحيث أن الجميع يرغب أن يرى ابنه طبيباً، أو مهندساً، أو في أي تخصص من تخصصات العلوم، أو علوم الحاسوب، فإن اصحاب المعدلات العليا (70% فما فوق) يذهبون إلى هذه التخصصات، أما من حصلوا على معدلات متدنية (تقديراً 65 – 70%) فهم من يجبروا على دراسة العلوم الانسانية والاجتماعية، ومن هنا لا نجد تفاوتاً كبيراً في مستوى التحصيل العلمي للطلبة الذين يدرسون هذه التخصصات.
  5. يرى الناس أن من يدرس تخصصات العلوم الانسانية (مثل التاريخ، والجغرافيا، والآثار، والفلسفة والعلوم الاجتماعية الأخرى) ستسد أبواب الحياة في وجهه، لأنه في نظرهم لن يجد وظيفة في المستقبل ليعتاش منها، فأدبر الناس عن دراستها. ولو كان هناك اجبار للمدارس الحكومية والخاصة على إعطاء العلوم الانسانية والاجتماعية نفس الفرصة في المدارس لكانت حصيلة الطلبة المعرفية أفضل، ولفتحت أبواب الرزق لخريجي هذه التخصصات، وتزداد الرغبة والاهتمام بها بين الطلبة.
  6. قال لنا الشيخ المعلم “الأستاذ الدكتور عبد الكريم الغرايبه ” ونحن على مقاعد الدراسة في الجامعة الأردنية “أن مادة التاريخ هي مادة متفجرة”، فهل يعرف أبناء الأردن تاريخ بلدهم؟ وعوضاً  عن هذا زرع  نفرٌ قليلٌ الأهل في أذهان أطفالهم أمثالاً (من وجهة نظري) تزرع البغضاء بين الناس ومنها على سبيل المثال لا الحصر “أنا وأخي على ابن عمّي، وأنا وابن عمّي على الغريب”.  ومن هنا أرى أن البيت هو المكان الذي يجب على الأهل فيه تعليم أبنائهم الحب وليس البغضاء والكره والتفرقة.
  7. لو قمنا بعمل جردة  حساب لأقسام التاريخ، والجغرافيا، والفلسفة، والاجتماع، والآثار والتي على شاكلتها في الجامعات الرسمية، والخاصة، لوجدنا أنها مهزومة شر هزيمة أمام العلوم البحتة. وبرأينا أن الانسان قبل أن يكون عالماً يجب أن يكون مفكراً، بل من الأولى أن يجمع بين الأثنين.
  8. اعتقد غير جازم أن كثيراً من التلاميذ وطلبة الجامعات لايعرفون من حدود وطنهم إلاّ حدود قريتهم، أو حتى مدينتهم، وفي كثير من الحالات لو طلبت منهم تحديد موقعها على الخريطة لما عرف. من هنا أرى من الضرورة بمكان أن يعلّم كل أردني ومنذ الصغر أطفاله حدود الأردن، وحتى ألوان العلم الأردني وترتيبها. لأن في هذا زيادة حبه وانتمائه له. ويظهر لي أن الجامعات الأردنية تنبهت إلى هذا الأمر لتخفيف العنف الجامعي فيها، فكانت مادة “التربية الوطنية”. لكن السؤال: ما هو محتوى هذه المادة؟ وهل هو موحد في كل الجامعات الأردنية. 

برأيي أن الانتساب إلى الأردن ، الوطن، يخفف من وطأة وضرر التمترس خلف بقعة جغرافية صغيرة من الوطن. من هنا يجب أن يعلم أطفالنا ومنذ الصغر أنك “أردني” لا “عمّاني” أو “شمالي” أو “جنوبي”. لكنني بهذا لا أدعو إلى أن لا ينتسب الناس إلى مساقط رؤوسهم، لكنهم يجب أن يعلموا أن هذا المكان الصغير الذي ولدوا فيه هو جزء من مساحة أكبر تضم قبيلة وعشيرة وأهلاً ،هم على الدوام صفاً واحداً. وفي هذه الحالة نكون قد وضعنا أصبعنا على جرح التمنطق خلف إدعاءات لا طائل من ورائها إلاّ التفرقة، وفي التفرقة الذل والهوان. يجب أن يتعلم أطفالنا ومنذ نعومة أظفارهم نسيج الأردن الاجتماعي، وأن يعرفوا أنهم جزء من كل، وأن خارطة الأردن هي جزء من بلاد الشام، والذي هو جزء كبير من العالم العربي،  يتبعه الاسلامي.

أيهاالناس “علموا أبنائكم رسم خارطة الأردن” ، وأعلموا أن الناس قد عاشوا فوق تراب هذا البلد قبل أكثر من مليون سنة، وعلى أرض الأردن سار الأنبياء، ألا يستحق أن نعلم أبنائنا أن الناس عاشوا فيه متشابكي الأيدي في سبيل رفعته والمحافظة عليه. لقد عاش على هذه الأرض الطهور وبشهادة المادة الأثرية المكتشفة، والنصوص التاريخية المكتوبة أناس انتسبوا لاعراق وأجناس متعددة، عاشوا في تصالح ووئام فكان ولا يزال الأردن والأردنيون فوق كل المشاكل الصغيرة، وبقي الناس فيه في عيشة هانئة.

أليس من المستهجن ألا يعرف ابني من هم الكنعانيين، والعمونيين، والمؤآبيين ، والأدوميين، والغساسنة، وأين تقع مؤتة والكرامة. وأن على أرضه يرقد شهداء مؤتة واليرموك والكرامة.

حمى الله أردننا في ظل الأسرة الهاشمية، وزادنا معرفة به رقعة عربية تحتضن أهلاً وعشيرة واحدة تشكل جزءا من قبيلة عربية تمتد من المحيط إلى الخليج لها نفس اللسان، وطبيعة العيش والعادات والتقاليد، والقيم. أتمنى أن يعرف أبنائي الطلبة في المدارس والجامعات الأردنية رسم خريطة الأردن، جزءاً من خارطة الوطن العربي، فهم مستقبل وأمل البلاد.

اختم نهاية الحديث حول موضوع الخاطرة بسؤال:  هل هذه الظاهرة خاصة بالأردن؟ أم عامة تعم جميع أقطار الوطن العربي. 

زيدان كفافي

عمّان في 9/ 1/ 2023م

مراجع للتثبت مما كتب أعلاه:

 رجاء أنظر الخرائط المرفقة أدناه.

نموذجان من خريطة المملكة الأردنية الهاشمية التي حدد عليها الطلبة مواقع ومظاهر طبيعية أردنية

زيدان كفافي

عمّان في 9/ 1/ 2023م