وطنا اليوم:إقدام رئيس الوزراء الهولندي مارك روته اليوم الاثنين على الاعتِذار الرسمي باسم الحُكومة عن دور الدولة الهولنديّة في العُبوديّة، مُعتَبِرًا أنها جريمة ضدّ الإنسانيّة خطوة شُجاعة تستحق التّقدير ولكنّها جاءت مُتأخّرة علاوةً على كونها ليست كافية.
فالدولة الهولنديّة، وخاصَّةً في عصرها “الذهبي” في القرنين السّادس والسّابع عشر مارست العُبوديّة في أبشع أشكالها، حيث تاجرت بأكثر من 600 ألف إفريقي، وباعتهم كرقيق إلى العُنصريين البيض في أمريكا الجنوبيّة والكاريبي.
في أوج الإمبراطوريّة الهولنديّة الاستعماريّة كانت لهولندا مُستَعمرات مِثل سورينام وجزيرة كوراساو الكاريبيّة، وجنوب إفريقيا، وإندونيسيا التي كانت مقرًّا لشركة الهند الشرقيّة في القرن السّابع عشر، وقد عُومِل مُواطني هذه المُستعمرات بطريقةٍ شرسةٍ ودمويّةٍ من قبل المُستعمر الهولندي الأبيض وجرى نهب ثرواتها الطبيعيّة.
اللّافت أن هولندا تعتذر لمُواطني مُستوطناتها في جنوب شرق آسيا والكاريبي، وفرنسا وفي شَخصِ رئيسها تعتذر لرواندا عن المجازر التي لحقت بها على أيدي قبيلة التوتسي التي دعمتها وأدّت إلى مقتل ما يَقرُب المِليون إنسان، ولكن جميع الدّول الاستعماريّة الكُبرى شريكة هولندا في العُبوديّة مِثل بريطانيا وأمريكا وإسبانيا والبرتغال وألمانيا، لم تُقدِم على هذه الخطوة، أيّ الاعتِذار مُطلقًا، ولا تُوجد أيّ نوايا لمُراجعة هذه الغطرسة مُطلقًا.
فرنسا التي اعتذرت لرواندا لم تعتذر مُطلقًا للشّعب الجزائري الذي استعمرت أراضيه لأكثر من 130 عامًا، وارتكبت مجازر أودت بحياة الملايين من أبنائه، وكُل ما تكرّمت به على هذا الشّعب هو إعادة بعض الجماجم للمُجاهدين من متاحفها.
الشّيء نفسه يُقال عن بريطانيا التي تقف خلف كُل نكبات العرب، وأبرزها خلق أبشَع الأزَمات في التّاريخ، أيّ تقسيم الوطن العربي بينها وبين فرنسا وِفق اتفاقيّة سايكس بيكو، وسان ريمو، وتشريد أكثر من 800 ألف فِلسطيني من وطنهم، والأخطر من ذلك استِمرار دعمها للكيان المُحتل حتّى كتابة هذه السّطور.
نحن لا نلوم الدّول الاستعماريّة وحدها بعدم الاعتِذار للعرب عن مآسي ومجازر حقبتهم الاستعماريّة لأراضينا وإنّما دُولنا وحُكوماتنا التي لم تُمارس الضّغوط الكافية لفرض هذا الاعتِذار بالوسائل كافّة، خاصَّةً في هذه الأيّام.
خِتامًا، نوكّد أن الاعتذار وحده لا يكفي، وحتى يكون شِبه مقبول لا بُدّ من تقديم تعويضات ماليّة عن جرائم هذه الفترة الاستعماريّة القانيّة الاحمِرار بسبب الدّماء التي سُفِكَتْ، والثّروات التي نُهِبَت، وتجارة العُبوديّة التي مُورِسَت على أوسَعِ نطاق.
مُؤسف أن تتوقّف دول العالم الثالث عن المُطالبة بحُقوقها كاملة بالاعتِذار والتّعويض بكُلّ الطّرق والوسائل المشروعة، والأخطر من ذلك استِمرار حُكومات هذه الدّول، والعربيّة على وجْه الخُصوص، في خدمة “العم” الاستِعماري، والانخِراط بحماس في تنفيذ مُخطّطاته القديمة المُتجدّدة بأساليبٍ جديدةٍ من العُبوديّة والنّهب.