.
د.مصطفى التل
الفرقة الضالة المبتدعة التي بعض الناس يتردد في هذا الزمان في تسميتهم خوارج، على الرغم من قتلهم الأنفس البريئة المعصومة، وجرأتهم على عباد الله، وهم يقرؤون القرآن ويتكلمون بالقرآن ويتشدقون بالقرآن؛ ولكنه لا يجاوز حناجرهم وتراقيهم؛ لأنهم- والعياذ بالله- لا يتحركون إلا وفق أهوائهم، فلا يفهمون القرآن، ولا يؤمنون بالسنة، ولا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمة.
كانوا على هذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وصدر الخلافة الراشدة، فهي أول فرقة ظهرت في الإسلام, و أول بذرة خرجت على المسلمين , وكان خروجهم بدايةً باللسان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم , عندما ظهر ذو الخويصرة التميمي، واعترض على قسمة النبي صلى الله عليه وسلم يوم حُنين؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قسَّم غنائم حنين في أناس حديثي عهد بالإسلام؛ بل ربما أعطى بعض غير المسلمين ، كما أعطى صفوان وغيره ، عندها اعترض ذلكم الشقي على قسمة النبي صلى الله عليه وسلم وقال : إنها قسمة ما أريدَ بها وجه الله! اعدل يا محمد فإنك لم تعدل! قال: (ويحك ومن يعدل إن لم أعدل؟! ألا تأمنوني وأنا أمين من السماء؟ ).
فهمَّ عمر و خالد رضي الله عنهم بقتله, لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوافق على قتله، فقال: ( دعوه فإنه يخرج من ضئضئه؛ -أي: من صلبه – هذا قوم تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم وعبادتكم إلى عبادتهم يقرئون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرَّمِية لا يعودون إليه حتى يعود السهم إلى فُوقه ) أي: إلى قوسه والمكان الذي أُطلق منه.
وذكر من أوصافهم في أحاديث أخرى : أنهم قوم سفهاء الأحلام، حدثاء الأسنان، سيماهم التحليق، وأنهم يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، وأنهم يخرجون في كل زمان كلما ظهر منهم قرن قُطع, حتى يظهر في عِرَاضهم الدجال، وأن في قتلهم أجرًا عظيمًا, كما قال صلى الله عليه وسلم: (فإن لمن قتلهم أجرًا) وقال: عليه الصلاة والسلام: (خير قتيل مَن قتلوه) , وهم شر قتيل تحت أديم السماء، وهم شر الخلق والخليقة , ويبَشّر صلى الله عليه وسلم أن مَن قتلوه فهو على خير, لأن النبي صلى الله عليه وسلم: قال ( خير قتيل مَن قتلوه).
وقد خمدوا في عهد أول الخلافة الراشدة، والنبي صلى الله عليه وسلم وصف ذلكم الرجل بأنه هذه أوصافه, ولذلك بحث عنه علي -رضي الله عنه- فوجده بين القتلى يوم النهروان. بعد وفاة أمير المؤمنين عمر -رضي الله عنه- وبعد أن انكسر باب الفتنة, حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يُكسر بموته باب الفتنة , فتنفتح الفتنة على مصراعيها، عندها بدأ الخوارج يدبون في جسم الأمة، وثاروا على الخليفة الراشد ذي النورين، مُجهزِ جيش العسرة، ولفَّقوا أقاويل لا حقيقة لها، أو أمورًا هو معذور فيها، وأثاروا ما أثاروا ضد هذا الخليفة الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم (إنه لا يضره شيء بعد اليوم) , وأنه مبشرٌ بالجنة , على فتنة تصيبه -رضي الله عنه وأرضاه، وأخزى الله من أبغضه وقلاه- ، عثمان بن عفان من السابقين الأولين إلى الإسلام، خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحد العشرة المبشرين بالجنة، زوَّجه النبي صلى الله عليه وسلم ابنتيه، فخرجت عليه الخوارج ومن المألِّبين عليه بعد عبد الله بن سبأ اليهودي، عبد الرحمن بن مُلجم الذي قتل بعد ذلك عليًا -رضي الله عنه-، وكان قد أرسله عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إلى مصر ليُقرئ الناس القرآن؛ لكنه لم يتفقه في القرأن ولم يفقه القرآن بل سار يتشدق بهواه، فاستحل الدماء المعصومة، وسار في هذا النفق المظلم، فألَّبوا على عثمان -رضي الله عنه- فقتلوه بعد أن منع -رضي الله عنه- الصحابة أن يدافعوا عنه، وعلى رأسهم علي والحسن والحسين -رضي الله عنهم وأرضاهم-، وفاوضهم وحاول أن يبين لهم الحق غير أنهم مُقدِمون على باطلهم، وفي يوم الخميس هجموا عليه وأحاطوا به وأخافوا أهل المدينة ومن أخاف أهل المدينة أذابه الله كما يُذاب الملح في الماء ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، واقتحموا عليه بيته وكان في ذلك اليوم صائمًا، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (أفطر عندنا يا عثمان) ، ثم تقدم هؤلاء الأوغاد وأحاطوا به، وقتلوه ومثَّلوا به وكان أحدهم يركل جمجمته الطاهرة برجله، ويقول: والله ما وجدت يوماً من أيام الله ولا يوماً من أيام الجهاد في سبيل الله أعظم من هذا اليوم!! “قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا” .
وما أشبه الليلة بالبارحة ! النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنهم يخرجون حتى يخرج آخرهم مع الدجال، وفعلاً ظهروا في عهد جميع الدول الإسلامية المتعاقبة، وقد ظهروا في هذا الزمان منذ أن قرر لهم بعض الجهلاء هذا الفكر , وهو تكفير المسلمين، فأفتوهم بأن الناس كلهم قد ارتدوا عن الإسلام، وأنه لم يبقَ على الإسلام إلا هم هؤلاء الخوارج، وأخذوا يفتون الشباب، وأنه ليس بينهم وبين الجنة إلا أن يقتلوا فلانًا وعلانًا من أهل الاسلام , وأن يقتلوا رجال الأمن في بلاد أهل السنة! وأن يقتلوا كل من خالفهم! أفتاهم جاهل ، أفتاهم منافق يقبع في الدهاليز المظلمة وعلى الاوراق الصفراء ، يفتونهم وهم كالنعام الذي يدس رأسه في التراب؛ حتى أفسدوا كثيرا من شباب الأمة .
شهدائنا هنيئا لكم شهادتكم ..وهنيئا لكم شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنكم ( خير قتلى ) . والخوارج ( شر قتلى ) .