وطنا اليوم – وضعت الزَّميلة الصِّحفية ماري رانيا سابا قلم الصِّحافة، وغادرت الحياة راضية مرضية، بعد ثلاثين عامًا من حملها له في وكالة الأنباء الأردنية (بترا)، وتركت خلفها إرثًا كبيرًا من اللُّطف والمهنية والالتزام الأخلاقي بمبادئ العمل، وحافظت على مسافة متوازنة مع الجميع ولم تنقل إلا الواقع دون تحيز وبكلِّ حياد حصدت عليه عدَّة جوائز من بينها عربية.
سابا التي تخرجت من جامعة اليرموك قسم الإعلام في منتصف الثمانينات والتحقت بالعمل في (بترا) بداية التسعينيات، وُوري جثمانها الثَّرى ظُهر اليوم السَّبت في مثواها الأخير، وحتى أنفاسها الأخيرة لم تقرِّر ترك العمل الصِّحافي، وآخر ما كانت تعمل به هو عضويتها في لجان تحكيم جائزة الحسين للإبداع الصَّحفي هي وعدد من الزملاء في نقابة الصِّحفيين الأردنيين.
وتتبعت (بترا) سيرة الرَّاحلة على مدار ثلاثة عقود، عملت فيها متخصِّصة في التَّحقيقات الصِّحافية وغطَّت عدَّة قطاعات، وبرزت في عدَّة موضوعات نالت على إثرها عدَّة جوائز، وكانت تتقن مهارات التَّواصل الاجتماعي مع الجميع في بيئة العمل ومحبة وودودة بشهادة كل من رافقوها لعقود طويلة. قبل الالتحاق بالصِّحافة عملت سابا لدى وزارة الصِّناعة والتجارة لكنها كانت محبة للإعلام وانتقلت إليه واستمرت إلى أن بلغت السِّن القانونية في العمل وأحيلت على التقاعد عام 2018، وأكملت العمل بعد التقاعد ناذرة نفسها للعمل المهني والتدريب ليستفيد من خبرتها الجيل الذي يرث منها القلم.
وعلى الجانب الاجتماعي فإنَّ الرَّاحلة لديها شقيقتان هي ثالثهما وهي أكبرهما، وليس لديها إخوة ذكور، وتوفي والديها في وقت مبكر من حياتها، وقد شُيع جثمانها اليوم السَّبت، وحضره زملاء المهنة وأصدقاء الراحلة ومحبوها.
مدير وكالة الأنباء الأردنية (بترا) الزَّميل فايق حجازين قال” إنَّ هذه سُنَّة الله في خلقه، والرَّاحلة أمضت سنوات العمل بمحبة وتفان منقطع النظير ويشهد لها كل من مرَّ بها أو شاركها العمل وأنا منهم، ورحيلها يشكل خسارة كبيرة للوسط الصَّحفي بشكل عام ولبترا بشكل خاص.
وأكد أنَّ الرَّاحلة تركت إرثا يُدرّس سواء كان ذلك على مستوى بيئة العمل والعلاقة مع الزملاء في وسط إعلامي متعدد، وعلى مستوى المواد المهنية التي كانت تنتجها بكل حرفية ومهنية عالية ولا تقبل مرور مادة غير مكتملة الأركان.
وقالت الزميلة الصِّحافية صفاء الخصاونة لـ (بترا) إنَّها لم تتخيل أن تقوم بيوم من الأيام بنعي الزَّميلة الرَّقيقة رانيا التي اختطفها الموت وودعت الدنيا سريعا، فقد جمعتهما ذكريات جميلة وأوقات طيبة وكانت أول المعرفة بها عند دخولها قاعة تحرير الأخبار الأجنبية في (بترا)، مستأذنة بأدب جم “عندكم هدوء ممكن أجري اتصالاتي مع بعض المسؤولين…. عندي تحقيق بشكل مستعجل”.
وأضافت أنَّها أجرت الاتصالات ثم جلست وبدأ الحديث عن متاعب المهنة وأمور أخرى عديدة ومن يومها دأبت على زيارة القسم وتميزت بأنَّها مثل نسمة الهواء وأنيقة في كلِّ شئ ودمثة الأخلاق وراقية في تعاملها مع الجميع وأحبها كلَّ من عرفها، ومهنية لأبعد الحدود والجوائز التي حصدتها دليل على ذلك.
وعبرت عن حزنها الشديد على رحيل رانيا الموجع لكن ما يخفِّف المصاب هو الذكرى الطَّيبة الباقية في قلوب كل من عرفها، متمنية لها الرَّحمة والمغفرة.
الزميل السَّابق في (بترا) الصَّحفي مأمون بيضون قال إنَّه زامل الراحلة لأكثر من ثلاثين عاما، بدأت منذ دخولهم قسم الصِّحافة والإعلام في جامعة اليرموك مطلع ثمانينيات القرن الماضي، وكانت – كما ظلت طوال حياتها- متسلحة بالأخلاق النَّبيلة والتَّهذيب واحترام الجميع والجدية والالتزام.
وأضاف أنَّها وبعد تخرجها عام 1985 من الجامعة عملت في عدة مجالات، قبل أن يتمَّ تعيينها في وزارة الصِّناعة والتِّجارة، وانتقلت منها إلى (بترا) عام 1996، حيث برزت موهبتها في ميدان التَّحقيقات الصِّحفية، وحصلت على عدة جوائز أهمها جائزة اتحاد وكالات الأنباء العربية عام 2007.
وأكد أنَّ الرَّاحلة حرصت على أداء عملها بأفضل صورة، رغم ظروفها العائلية بعد وفاة والديها وتعرضها لبعض المصاعب الصحية، وأحيلت إلى التقاعد عام 2018 بعد بلوغها السِّن القانونية، وكانت محطتها الأخيرة قبل عدة أسابيع، عندما تم اختياره معها كعضوين في لجنة التحكيم لجائزة الحسين للإبداع الصحفي التي تنظمها النقابة كلَّ عام، وكانت ملتزمة بالتعامل بمهنية وشفافية لدى تقويم الأعمال الصحفية المقدَّمة من الزملاء المشاركين، وصولا إلى وضع العلامات بدِّقة شديدة.
وقالت الزَّميلة الصِّحفية السابقة لدى (بترا) فلحة بريزات والتي رافقت الرَّاحلة لسنوات طويلة إنَّ خسارة شخصية مثل رانيا أمر كبير لكنَّ إرادة الله فوق الجميع، متذكرة بأنَّها كانت تملك كمية كبيرة من الدقة والوضوح والتكامل في عملها، ولا ترضا بأن تكتب ما لا يخدم المجتمع والمصلحة العامة وينفع النَّاس ويمكث في الأرض.
وأضافت أنَّ الرَّاحلة تميزت بانَّها ودودة وقريبة وصديقة للجميع، وعلى المستوى الاجتماعي كانت حريصة على مشاركة كل شخص بأفراحه وأتراحه، ولا تُقدِم على عمل صحافي لا يكون له الأثر، مشيرة إلى أنَّ مثل هذه النَّماذج يتركون أثرهم وسيرتهم الصِّحافية حتى بعد رحيلهم ويكونون قدوة لمن يرثون العمل من بعدهم.
وقالت الكاتبة الصِّحفية سهير جرادات “رحلت رانيا بصمت لكن عملها بقي حاضرًا وكان وسيكون فقدها موجع جدًا خاصة وأنها زاملتها على مدى سنوات في (بترا)، حيث كانت مثالا في اللطف والأخلاق وحُسن المعاملة”.
وأضافت أنَّها كانت زميلة محبة لمهنتها مخلصة في عملها ومتميزة بإنجازاتها، شغوفة ودقيقة في عملها، وتعمل بكل هدوء، وعشقت مهنة الصحافة وحصدت الجوائز وقبل ذلك نالت احترام وتقدير جميع الزملاء وأصحاب الاختصاص ممن تعاملت معهم.
وأكدت أنَّ رانيا لم تتميز فقط في مهنتها فقط، بل لزملاء مهنة المتاعب أيضا، وكانت تحرص على أن لا تزعج أيٍ منهم في أيِّ شأن يخصهم وبعيدة عن أيِّ تدخلات، وكانت تشاركهم، وتسأل عن أحوالهم في حال شعرت أنَّهم يشعرون بضيق.
ونعى وزير الإعلام النَّاطق الرَّسمي باسم الحكومة فيصل الشبول ومدير وكالة الأنباء الأردنية (بترا) فايق حجازين الرَّاحلة متذكرين مناقبها وإرثها الكبير الذي تركته وسيرتها العطرة التي رافقت عملها في المجال الصَّحفي على مدار ثلاثة عقود والتي كانت مثالا وانموذجا في كل شيء.
–(بترا)