بقلم: الدكتورة مرام ابو النادي
المقولة المعروفة (اسأل مجرب و لا تسأل حكيم) علمتنا أن صاحب التجربة عاشها و عانى منها و قد قدّم تضحياته المرتبطة بتجربته.. صاحب التجربة في جائحة كورونا هو العالم أجمع .. بما فيه من عجائز و شباب و أطفال.. بما فيه من طواقم طبية، معلمين، موظفين، أصحاب المهن الحرفية و المياومات؛ إذن لدينا واقع عالمي وحّدنا في عيش التجربة و أقسى ما يمكن أن يصل إليه صاحب التجربة كان فقد أحبائه؛ فالجائحة كلمة لم تكن تعني الوباء فقط فهي لغة تعني: المصيبة المذهبة أو المتلفة للمال أو النفس!
تعريف قاس جدا … فكل جائحة تاريخية مرت و حصدت معها ما حصدت من خسائر في الأرواح و الأموال؛ ولكن ذلك لا يعني انتهاء الحياة بل هناك دائما أمل في الاستمرارية و التطور و التعلم من الخبرات فهذه التراكمية من خصائص المنهجية العلمية.. ولأننا ندرك أهمية العلم ها نحن ننتظر بل ونترقّب آلية وصول اللقاح و توزيعه .. إذن المسألة مسألة وقت وأعتقد أنه لن يستغرق أكثر مما استغرقته هجمة كورونا .. سيصل اللقاح و ستبزغ الشمس من جديد على العالم المتحفّز للانفتاح و التفاعل و استئناف نشاطه لا سيما الاقتصادي. وهنا بيت القصيد: عند معاودة العالم ديدنه المألوف ..هل سنطوي في دولتنا ملف الجائحة؟ أم سنتعامل معها كتجربة موجعة تعلّمنا منها جملة من الدروس و العبر القاسية وأول تلك العبر: أننا لن نقدم المزيد من القرابين لأي جائحة مستقبلية… ؟؟ و القرابين تقدم عادة للقوى التي يعتقد البشر بأنها تتدخل في حياتهم و ذلك خوفا أو حبَّا .. لن نسمح لأنفسنا بأن تقبع في جاهلية في القرن الحادي و العشرين لنسلم عالمنا لمن سيكونون مكاننا بعد ثمانين سنة يبدأون القرن الثاني والعشرين ليديروا الأزمات على طريقتنا .. أو كما ورثوه عنا … في إدارة أزمة ( جائحة كورونا ) قدمنا تضحيات أسميتها قرابين فالقربان هو استرضاء للقوى الخارقة كما ذكرت كأننا حاولنا التحايل على الجائحة لكن بخسارات مادية و معنوية و بشرية ولا ننسى أنها كلها تمثّل المتغيّر الحضاري للمجتمعات لا سيما تلك ذات الصلة بالقيم و الأخلاق و التربية و العلم .
لقد حاولنا التكيف مع الظروف التي فرضتها الجائحة بإدارتها لأن من خصائص الأزمة: أن تضعف إلى حد كبير في موقف الأزمة الحيل الدفاعية للذات، وشعور الإنسان تجاه الموقف باليأس و العجز، و وجود تركيبة من القوى التي تضغط على الإنسان، وأن ينظر الإنسان إلى هذه القوى على أنها تشكل تهديداً أساسياً لحياته أو لأمنه أو لأهدافه الأساسية في الحياة، وفقدان الثقة بالنفس في معظم الحالات، عدا عن ظهور أعراض سلوكية مرضية، و الخاصية الأخيرة : أن تظهر خلال الأزمة محاولات لاستعادة الإنسان للتوازن و اعتماد أساليب تكيفية جديدة تمكنه من التعامل بفاعلية أكبر مع مواقف الأزمات المقبلة، إذن هذه الخاصية ترتبط بنوع من الأزمات القابلة للتوقع أو التنبؤ و لا بد من التركيز منا جميعا على الأزمات القابلة للتنبؤ؛ لأننا بتنا قادرين على الاستعداد لها بسيناريوهات و اقتراحات لا سيما على الصعيدين التربوي و الاقتصادي.. تعلمنا جيدا من هذه التجربة القاسية أهمية حماية أنفسنا و قيمنا و مواردنا، و لكن لا بد أن ندرك و نعي جيدَا مفهوم الاستدامة – لمنظومتنا التربوية – لنسلم الراية للأجيال القادمة ليحيوا في عالم أقوى و أجمل في أزمنتهم.