الحكومة يمكن أن تفعل الكثير بين العين الحمراء والأدوات التي تمتلكها

28 مارس 2022
الحكومة يمكن أن تفعل الكثير بين العين الحمراء والأدوات التي تمتلكها

د.مصطفى التل

الحكومات في الاردن لها وظائف متعددة – كلمة (وظائف) تم استخدامها هنا ككلمة اصيلة وليست مرادفة – ليس اولها توفير الامن والآمان للمواطن والوطن , وليس آخرها سيادة القانون , وبينهما يقع تحقيق العدالة ومكافحة البطالة والفساد , انشاء وتحديث البنية التحتية من طرق آمنة وجسور , وتوفير الطاقة بمختلف أشكالها مع المياه ونظام اتصالات وصرف صحي وغيرها .

كما يقع على عاتقها كمسؤولية مباشرة , توفير سلع وخدمات للمواطن بأسعار تتناسب مع دخله , وذلك مقابل الضرائب المباشرة وغير المباشرة التي تدر مليارات على الخزينة العامة , والتي بدورها تمثل أكثر من 80 بالمائة من الايرادات العامة .

ليس من وظيفة الحكومات تحولها إلى تاجر يحقق الأرباح ويجمع العوائد على حساب جثث ملايين الفقراء في الأردن , أو أن تتحول الى مجرد سمسار وسيط بين أصحاب رؤوس الأموال وبين الفقراء لجمع أكبر قدر ممكن من الارباح لصالح رأس المال مقابل عمولة معلومة مسبقا تسميها ( ضرائب ) يزيد جمعها كلما زادت جثث الفقراء التي تسقط يوميا تحت وطأة وثقل قدم رأس المال المستورد .

من أولى مسؤوليات الحكومات الأردنية ومِن أولاها , معالجة الأزمات الطارئة التي تحدث في الوطن , سوآء أكانت أمنية لا سمح الله , أو سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية.

ولا يوجد أعنف من أزمة الغلاء الفاحش التي امتصّت بقية دماء شعبنا الأردني , والذي أصبح مجرد جثث ملقاة على قارعة طريق دولي عنوانه ( مزاد عالمي لامتصاص دماء هذه الجثث) بحجة الاستثمار وتشجيعه وخصخصة الخدمات المتعددة في الأردن , والتي يجب ان تكون من واجبات الحكومات لا من واجبات القطاع الخاص بمختلف تصنيفاته محلي أو مستورد عالمي .

الغلاء والتضخم الفاحش الذي اشتعل في الأردن تحت عنوان ( سوق حر ) أو ( اقتصاد مفتوح ) أو ( تعويم الأسعار) , والذي يعني ببساطة شديدة , ارتفاع الأسعار وحدوث قفزات في كُلف السلع والخدمات , من زيادة كُلف خدمات النفع العام مثل الكهرباء والماء والمشتقات النفطية والطاقة البديلة واتصالات وغاز منزلي , ارتفاع الأعباء المالية المباشرة وغير المباشرة من رسوم حكومية وضرائب , ومواصلات عامة , ويتبعها بشكل لازم ارتفاع الكلفة العامة للمساكن سواء الايجار او البناء , وارتفاع السلع الاستهلاكية التموينية حتى قبل ازمة الحرب الاوكرانية الروسية وقبل كورونا بكثير , رافق ذلك كله تصميم حكومي غير مبرر ومستغرب على إضعاف القدرة الشرائية والمالية للمواطن الأردني من خلال الاصرار على مجموعة قرارات ادت بالنتيجة النهائية الى إلقاء مزيد من جثث المواطنين الأردنيين على قارعة طريق الفقر المطقع و الدفن الاقتصادي المبكر تحت لافتة ( اصلاح اقتصادي ) .

اذا كان كل ما سبق تعتبره الحكومات الأردنية من صميم تكليفها , وتكليفها براء من هذا كله , وتعتبر نفسها سائرة في اتجاه الاقتصاد الإصلاحي ولا أقصد ( الإصلاح الاقتصادي ) , فإنه يتوجب عليها قبل هذه الخطوات القاتلة للشعب الأردني أن توفر خدمات وسلع وإنتاج بمختلف ألوانه وأصنافه مما تعده ضروريا للشعب الأردني المقتول بسيف القرارات الحكومية مثل السلع التموينية , والتعليم والصحة والمواصلات والكهرباء والماء والاتصالات , وتضرب بيد من حديد على الاحتكارات الخدمية والاقتصادية , وترتفع بالمواطن الأردني الذي ينازع في رمقه الأخير عن حافة الفقر المطقع على أقل تقدير , بأسعار تتناسب مع منازعته ورمقه الاخير , وليكن (إراحة الذبيح) على يد هذه الحكومات خيارا قبل قتله بخازوق الاصلاح الاقتصادي .

بعضاً من علية القوم وفي سؤال تهكمي , يستغبي به الفقير المقتول قبل الذي ينازع نزاعه الأخير المفارق فيه كرامة عيشه كمواطن أردني : ( ماذا بيد الحكومة أن تفعل ولم تفعله , الغلاء عالمي , والأزمات العالمية المشتعلة لسعتكم جميعا قبل أن يلسع لهيبها مقاعد وزراء الحكومات الموقرة ) ؟!

الحكومات بيدها الكثير لتفعله , وتستطيعه , فليس أول الفعل الشركات التي تمتلكها الحكومات نفسها في السوق الاردني , وليس آخر الفعل المشابهة للدول الرأسمالية التي تلهث الحكومات الأردنية خلفها مشابهة ونهجا ومُشاكلة , بدفع نقدي مباشر للمواطن والأسر الفقيرة التي نهشت جثثها نار الغلاء هذه الجثث التي قاربت على التحلّل تحت وطأة غلاء فاحش لا يرحم .

تستطيع الشركات التي تمتلكها الحكومات الأردنية في السوق الأردني أن تفتح باب توفير سلع وخدمات تتناسب سعرها مع قدرة هذه الجثث الملقاة في الطرقات , وعبر منافذها التي تعرفها الحكومات الأردنية , و بها تضرب أي احتكار لأي سلعة او خدمة في السوق , مع الحفاظ على نهج تقول عنه الحكومات الاردنية انه المخرج الأخير لأرواح المواطنين الاردنيين الذين ينازعون تجاه الرقي والازدهار الاقتصادي والخدمي , والتي جاهدت هذه الحكومات لترسم جنة الفردوس الاقتصادي لأرواح المواطنين الاردنيين الذين ينازعون في الرمق الأخير من كرامتهم الاقتصادية .

وعلى سبيل (اراحة الذبيح قبل ذبحه ) . لتشابه هذه الحكومات ما فعلته حكومات الرأسمالية التي تتخذها منهج أعلى ودستور مقدس لها , فعندما زادت أسعار المشتقات النفطية في الولايات المتحدة على سبيل المثال لا الحصر ، تحركت حكومة (جو بايدن ) سريعاً لمواجهة الأزمة وخفض الأسعار واللجوء إلى احتياطي النفط الاستراتيجي والضغط على الدول النفطية وتحالف “أوبك” لزيادة الإنتاج ، وقامت الدول الأوروبية وغيرها من دول العالم بتقديم الدعم النقدي المباشر لمساعدة المواطن على مواجهة ارتفاعات أسعار الوقود و الأغذية ، خاصة فواتير الكهرباء…!

كما انه تستطيع الحكومات تفعيل أدواتها السريعة لخفض الأسعار , منها زيادة الأجور , وتقديم الدعم النقدي المباشر لفترة وجيزة لتمويل دعم سلع اساسية ضرورية للمواطن كما يحدث في دول تتبنى النهج الرأسمالي القائم على نظرية العرض والطلب , هذه النظرية التي صدعت حكوماتنا رؤوسنا بها عند مواجهتها بأي اعتراض على ارتفاع سلع في السوق . كما تستطيع خفض الرسوم والضرائب غير المباشرة على مجموعة سلع ضرورية للمواطن وأسرته , مثل الزيوت النباتية والأرز والسكر واللحوم والألبان ومشتقاتها والحبوب والطاقة ايضا وخدماتها .

وعلى الحكومات الاردنية أن تتوقف عن سياسة خفض الدعم على السلع الضرورية للمواطن , على أقل تقدير في هذه الفترة الزمنية القاتلة للمواطن . مثل الطاقة والسلع التموينية , المطلوب هو زيادة الدعم في هذه الأزمة لا تخفيضها .

وكما ان الحكومات تستطيع ايقاف الزيادات الكبيرة في الرسوم المفروضة على مختلف الخدمات الحكومية نفسها , مثل رسوم العقارات وضرائبها , ور سوم الترخيص بمختلف انواعها , ومعاملات الاحوال المدنية والجوازات وغيرها , بل يجب خفض هذه الرسوم على الفور , مما يعني لزاما توفير سيولة نقدية مع المواطن يوجهها لشراء السلع الأساسية ومواجهة هذا الغلاء الذي عجزت عن كبحه الحكومات.

هذا بعض ما يجول في الخاطر …وللحديث بقية ان شاء الله ان بقي في العمر بقية …