في الوقت الذي تموتُ فيهِ سيدة كُل 50 ثانية من مُختلف أنحاء العالم بسبب سرطان الثدي ،هُناك سيدات يضمن حياتهن بفحصهن المبكر، والهاجس والخوف الذي يصيب السيدات اللواتي يعشن حول كل مصابة كفيلْ ليجعلهن يلتزمن بالفحص المستمر كدانا محمود السعايدة ابنة المحاربة الراحلة سوسن محمد نصار، والتي مثلت نموذج القوة والثبات لسيدات العائلة فرحلة هذه السيدة مع السرطان دفعت السيدات اللواتي يعشن حولها بالخضوع للفحص المستمر دورياً .
إذا لماذا تنتظرن أن تحل غيمة سرطان الثدي السوداء على سيدة منكنّ حتى تلجأن لضمانة الفحص المبكر ؟
بدأت قصة الراحلة سوسن عزيز نصار من عمر السابعة والثلاثين لتتحول ابنتها دانا محمود السعايدة إلى فتاة أخرة لا تشبه نفسها قبل ذلك الوقت هذا ما قلته والدتها من منتصف أرض معركتها مع سرطان الثدي ، ففي ذلك اليوم الذي اكتشفت فيه والدتها المرض حسب ما قالت لم يكن يوماً عادي بل يوماً مفصلياً في حياتها، ففترة مرض والدتها كانت مرحلة تغير مستمر لها لتبدو ما هي عليه اليوم إنسانة قوية ،و واعية، وصاحبة مسؤولية عالية ،ففي اللحظة التي شعرت فيها والدتها بوجود شيء غريب بدأ باستيطان ثديها ولدت قوة حملتها في هذا المسير الشائك ومدت ابنتها بهذه القوة أيضاُ ، مكالمة هاتفية من خالة دانا في يوم جامعي شتوي لطيف بثت لها أنغاماً حزينة رافقتها لسنين ،فحين أخبرتها بإصابة والدتها تكاثفت هذه الأنغام على شكل ضبابة سوداء أنهت أيامها السهلة لتصنع لدانا أياماً صعبة جعلت منها إنسانة أكثر وعي ولا تمد للضعف بصلة ،أما عن والدتها فاصطحبت دانا بعد هذه المكالمة لشرب القهوة تحت سحاب الشتاء البارد، وكما تذكر دانا بأن والدتها اختارت أغنية ” كنا بأواخر الشتاء قبل إلي كان مثل اليومين دول عشنا مع بعض حكايات” ، وكأنها كانت تودع أيامها اليسيرة مستقبلة الصعب على أنغام إليسا الحزينة لتخبر ابنتها عن مرضها ،وهي لا تعلم أن الغيمة حلت فوق رأسها ،وانتهت ، وأن الكتمان الذي صنعته دانا خوفاً من أن لا تكون والدتها على دراية بالأمر كان يخنقها ،ومن المهيب جداً هي قدرة والدة دانا على نشر عبق القوة ، والتهوين على الجميع ،فحسب ما قالت دانا بأن والدتها كانت دائماً تنظر بعيونهم الدامعة لتقول بأن هذا مرض كأي مرض سيكف شره عن جسدها يوماً ويرحل ، دانا مع هذه الظروف اختارت تخصصاً آخر من المالية والمصرفية إلى أدب الإنجليزي حسب ما تقول دانا كان هو الأسهل بالنسبة إليها لتستطيع اللحاق بأمها بمركز الحسين لسرطان بعد الجامعة للوقوف إلى جانبها ، إن هذا يذكر دانا بذكريات بشعة جداً لا تحب تذكرها من يدري عن حجم معناتها في ذلك الوقت ،وهي ترى والدتها تبتعد عن الأشياء التي تحبها بسبب مناعتها فما عادت تشتم رائحة عطر والدتها المميز الذي كان يعطر روحها ،وصديقاتها أيضاً ما عدن يستمتعن بتذوق الأطعمة التي كانوا يتناولها مع بعضهن وحتى أن بعضهن لم يستطعن إعداده، وهن يدركن أن صديقتهن لن تستطيع الإستمتاع معهن كالسابق، وعلى حسب ما وصفته دانا كانت والدتها أقوى من القوة ذاتها تحاول دائماً أن لا تشعر أحداً بألمها إلا أن وصفها للكيماوي كان نيراناً تسير في دمها ،ثماني جلسات من الحريق الذي كان يشتعل في داخلها ، وداخل أمها حاولت دانا منع دموعها أن تنزف أمام والدتها ولكن حجم وجعها حين رأت ضعف أمها ، وهي تلتقط شعر رأسها الساقط منها كان أكبر فما أن وجدت نفسها مرمية في حضن والدتها مع انهيار الدنيا في قلبها وعقلها، وتقول دانا أن رغم حجم هذا الألم إلا أننا كنا نحاول التخفيف عنها بالمزاح ،وخاصة والدي وكان دائماً يقول لها: ” راسك مسمسم مثل رأس حماي “،ففقدان شيء من معالم الأنوثة ليس بالشيء السهل أبدا، وأن ترى ألم ذلك بأم عينيك ليس بالشيء الهين مطلقاً، فما كان عليهم سوى محاولة مداعبتها اعتقاداً منهم بأن ذلك سيخفف عنها، وعندما جاءت المرحلة الأصعب، وهي عملية الاستئصال هنا ما من أحد استطاع تخفيف حجم الألم الذي كانت موجاته تبث في قلوب من حولها الجمر هنا خسرت والدتها شيئاً كبيراً كإمرأة ،وما عادت بحجم تلك القوة ،ولكنها تعافت ،ولكن للأسف ما أن لبثت والدتها على طريق الشفاء حتى ظهر المرض مجدداً في عمر 46 ،وعودة مرض كهذا مجدداً لا ينذر بالأمل أبداً ، فمجرد التفكير فيه مميت، ودانا وسيدات العائلة وصديقات والدتها عادت لهم حالات التأهب الذي بات يحدثهم دوماً بأن هذا المرض لا مزاح فيه، وأنه لعين بشكل لا يمكن تصديقه ،وحُدد هذا اليوم لوالدة دانا ، يوماً لتغادر هذا العالم، ولكن قوة هذه المحاربة منعتها من إخبار أحد، ودانا عرفت ذلك بصدفة سعقتها لتغادر أمها هذا العالم بعد عام من الوداع الكتوم فاضح الدموع تاركة خلفها قوة علمتها لهؤلاء السيدات، ورهبة جعلتهن يخضعن دوماً للفحص المستمر ،و رشداً يجعلهن يقدمن النصيحة للسيدات اللواتي حولهن .
فدانا توجه اليوم رسالة إلى كل سيدات العالم “لا تنتظري ضبابة هذا المرض أن تستقر في محيط حياتك لتخضعي للفحص بل اخضعي للفحص المستمر دون سبب أو رهبة لتضمني حياتك ،ولتعيشيها بسلام بعيداً عن سرطان الثدي الخبيث”
حياتك بتعيشيها… بفحصك المبكر بتضمنيها .
بقلم لين عطيات