بقلم : الدكتورة مرام ابو النادي
إن كنت تظن بأنك بخير؛ بينما الآخرون حولك ليسوا بخير؛ فتأكد أنك لست بخير أيضًا.
إن كانت هذه العبارة تسير وفق الاستدلال البسيط؛ فعلينا أن نتنبأ بإجابة السؤال التالي: هل نحن بخير؟ والتنبؤ لا يمكن أن يتم إلا في ضوء أدلة علمية، وسأكون أكثر تحديدًا في سؤالي: هل منظومتنا التعليمية عن بعد بخير؟ سأعتمد القياس و الاستدلال؛ فإن كانت فئة أو طبقة من المجتمع تعيش الرفاهية وفقا لمستواها الاقتصادي فتستطيع أن توفر لأبنائها الطلبة بيئة للتعليم الجيد بدءا من المدرسة النموذجية ( المتكاملة من حيث الإدارة العليا، و المستوى التنفيذي الإجرائي ( كفاءة المعلمين ) ، البيئة المادية ( في ظل إزمة كورونا -الأدوات التقانية التكنولوجية) إلى بيئة المنزل التي لا شك بالنسبة إلى تلك الفئة أنها بيئة غنية بالأدوات التي ستمكّن الطلبة من متابعة عملية التعلم عن بعد براحة في ظل توفر مكونات البعد المادي عدا عن توفر مكونات البعد المعنوي و أهمها التعزيز و الدعم من قبل الأهل وهذا المكوّن الأساسي لنجاح عملية التعلم عن بعد بالنسبة إليهم؛ لأن البعد المعنوي القائم على التعزيز و الدعم يعكسالرؤية المشتركة التي تجمع بين الأهل و المدرسة ( ونتحدث هنا عن الطبقة الغنية) وبديهي أن نقول أن الرؤية المشتركة أو التوقعات المشتركة للأهل و المدرسة كلما كانت تقاطعاتها أكبر و توحّدت توقعاتهم و شكلت بذلك دافعا لأبنائهم الطلبة ليعملوا على تحقيقها.
نستطيع بناء على ما تقدم أن نستنتج الإجابة عن السؤال :هل منظومتنا التعليمية عن بعد بخير؟ نعم هي بخير ومثالية وتناسب الطبقة الغنية بل قد أثبتت فعاليتها وبمناسبة الفعالية لا بد من أوضح معناها فهي :العمل على بلوغ أعلى درجات الإنجاز وتحقيق أفضل النتائج بأقل التكاليف.
كل ما تقدم كان متعلقا بفئة أو طبقة لا تمثل الغالبية العظمى في مجتمعنا، ورجوعا لعبارةإن كنت تظن بأنك بخير؛ بينما الآخرون حولك ليسوا بخير؛ فتأكد أنك لست بخير أيضًا. لن يكون تعليمنا عن بعد بخير إن كانت المخرجات تتحقق لفئة قليلة بينما الأغلبية الساحقة تفتقر لأبسط مقومات التعلم عن بعد؛ نتحدث عن أجهزة إلكترونية حديثة.. حواسيب.. كهرباء… انترنت !! ولن أخوض في العامل الاقتصادي الذي يحول بين إبناء طبقة الأغلبية من أفراد مجتمعنا ( المتوسطة و الفقيرة) وبين تحقيق التوقعات من التعلم عن بعد؛ لأن مكونات التعلم عن بعد غير متوفرة لديهم .
تقدُّم الفئة القليلة من المجتمع لا يعني أن المجتمع بخير … فالعدالة و المساواة لا تتحققان علما أنهما حقان من حقوق الإنسان لا سيما في التعليم … ولن يحدث التقدم و التطور إلا بنشر المعرفة و تحقيق مخرجات تعليمية سارت في عملياتها كل فئات الشعب الطلابية.. فنظامنا الاجتماعي و التربوي ليس اقطاعيا و لا نخبويا .
معظمنا تابع المؤتمرات و الأبحاث التي نشطت في ظل جائحة كورونا و عناوينها مثل: فاعلية التعليم الإلكتروني في ظل انتشار فيروس كورونا .. و أثر توظيف الأدوات التكنولوجية في تحقيق التعلم عن بعد و الآثار النفسية المترتبة على عملية التعلم عن بعد… و الأخلاقيات و القيم المرتبطة بالتعلم عن بعد ….وغيرها من العناوين بمحاور مختلفة جهود ذهنية و تحضيرية واضحة؛ لكن هل تم اعتماد النتائج في تحسين الواقع ؟ أم هي موضة فالجائحة الصحية تعتبر أزمة و سنواجه العديد من الأزمات في حياتنا.. فهل وظيفتنا في البحث العلمي أن نركب موجات من الظواهر لتحقيق إنجاز علمي فقط؟ أم لنا دور أسمى يكمن بخدمة مجتمعاتنا بمعارفنا وما توصلنا إليه من نتائج لنرأب التصدعات التي خلفتها الأزمة الصحية العالمية في مجتمعنا قدر المستطاع.
* استاذة علم المعرفة بجامعة البترا