المقالة الجامعة / الحلقة العاشرة

14 فبراير 2022
المقالة الجامعة / الحلقة العاشرة

مروان العمد

بقدر حبي للاردن ، وبقدر اعتزازي بجنسيتي الاردنية ، وبقدر انتمائي للاردن وثرى الاردن الطهور ، وبقدر ولائي لنظام الحكم في الاردن ، وبقدر ايماني ان الهاشميون هم صمام امن وامان للاردن ، وبقدر احترامي وتقديري لملوك ال هاشم من عبدالله الاول الى عبدالله الثاني ، مرورا بجلالة الملك طلال ، وجلالة الملك الحسين ، والذين عاصرتهم في حياتي الطويلة ، والتي اقتربت من خطواتها الاخيرة ، وبقدر ارتباطي بهذه الارض ، وعدم استعدادي للابتعاد عنها لدرجة دفعتني الى رفض فرص الانتقال للعمل خارج الاردن ، بالرغم من اغراء المادة وحاجتي اليها في ذلك الوقت .
وبنفس هذا القدر من الحب ، فأنني وبعد احداث الشهرين الاخيرين ، وفي اللحظات الفاصلة ما بين مؤية الاردن الاولى ومؤيته الثانية ، فقد اصبحت اخشى على الاردن بلد الامن والامان من ان يحترق بنيران الفتنة الداخلية . صحيح ( ان الاردن ولد في النار ولكنه لا ولن يحترق بها ) كما قال شهيد الاردن وصفي التل ، ومع ايماني بأن الاردن واجه نيراناً انصبت عليه من كل مكان وجهات الا انها لم تحرقه ، بل كان يخرج منها في كل مرة اقوى واشد عوداً . فقد خرج من نكبة عام 1967 وتابع مسيره بعد ان لملم جراحه . وفي العام الذي يليه هزم غطرسة وعنجهية المحتلين الصهاينة عندما اجتازوا نهر الاردن ممنين انفسهم بتناول طعام الغذاء في جبال عمان ، الا انه لم ينتهي يومهم هذا الا وقد تجرعوا اكبر هزيمة في تاريخ حياتهم ، و وقعت في صفوفهم اكبر الخسائر في الارواح والمعدات ، وانسحبوا من ارض المعركة وهم يجرون اذيال الخيبة والهزيمة ، وهم يحملون قتلاهم ويسحبون آلياتهم المحطمة والمحترقة على ايدي جنودنا الاشاوس من ارض الكرامة ، ويتركون على ساحتها الكثير من هذه الخسائر . كما خرج منتصراً من احداث عام 1970 ، وهزم التنظيمات التي رفعت شعار ان تحرير القدس يمر من شوارع عمان . وهزم معها القوات التي اجتازت الحدود لمساندة هذه التنظيمات والتي ولت الادبار ونيران قواتنا المسلحة تلاحقها . ثم انتصرنا لانفسنا وللامة العربية وللعراق الشهيد ، حين رفضنا ان نصطف ضمن جحافل جيوش ثلاثين دولة قدمت فقط لتدمير العراق واستباحة ارضه وسمائه ، وللقضاء على قوته بحجة حيازته لاسلحة الدمار الشامل الغير موجودة ، والانتقام من احداث 2001 في نيويورك والتي لم يكن له علاقة بها . وانتصرنا على الحصار الذي فرض بعدها على موانئنا وحدودنا ، وعلى صادراتنا و وارداتنا ، و وقف المساعدات عنا عقاباً لنا على موقفنا هذا . وانتصرنا عندما هبت رياح السموم والتي اسموها الربيع العربي ، وكان في ظنهم ان هذه الرياح سوف تحرق الاردن وتدمره كما احرقت ودمرت دول عربية اخرى اجتاحتها هذه الرياح . وانتصرنا في معركتنا ضد الارهاب الخارجي والداخلي ، ورددنا الى الارهابيين الصاع بصاعين . وها هو جيشنا العربي الهاشمي بما فيه حرس حدودنا الابطال يتصدون لسلاح المخدرات التي يريدون بواسطته ان يسمموا ويدمروا شعبنا الاردني البطل ، والشعوب العربية الاخرى المجاورة لنا .
وكان انتصارنا في معاركنا هذه بالرغم من عنف النيران التي كانت تطلق علينا ، نتيجة وحدة صفنا ، وهويتنا الاردنية الواحدة ، وقيادتنا الهاشمية التي اخلصنا لها البيعة والولاء ، واخلصت لنا القيادة والريادة . ولأن كل هذه النيران التي تعرضنا لها كانت تأتينا من خارج الحدود ، ومن اياد غير اردنية . ولأن الشعب الاردني تصدى لها من داخل الحدود وهم كالبنيان المرصوص ،
الا انني اصبحت الآن اخشى على الاردن لأن النيران اصبحت تأتيه من بعض ابنائه ومن داخله ، مستهدفة هويته بكافة مكوناتها المختلفة . ولانه وبدلا من العمل على تثبيت وتعزيز هذه الهوية ووحدتها ، اصبحت اجد من يمنح هذه الهوية للبعض ، ويطالب بحرمانها من البعض الآخر الى درجة انني اصبحت اخشي على هويتي الاردنية ، وان اصحوا ذات يوم واجد انني قد فقدتها وفقدها اولادي من بعدي ، وعدت لأحمل هوية الاغراب ، او على احسن تقدير النوابلسة .
وان خشيتي وخوفي هذا لم يأتي من العدم ، وانما مما طفى على سطح الاحداث في الشهرين الماضيين ، ومن ظهور بوادر شرخ وتصدع في الصخرة الاردنية من خلال ما ينشر على صفحات التواصل الاجتماعي . ومن مظاهر الخلاف والانقسام بين افراد الشعب الاردني في الرأي والمواقف المتعارضة ، ومن رفض كل شيئ ، ومن وضع العصي امام عربه الاصلاح . الامر الذي اشار اليه جلالة الملك عبد الله الثاني في ذكرى مولده الستين ، والذي كان محمور حديثي في الحلقة الماضية ، وعن مبررات خوفي سيكون حديثي في الحلقات القادمة ان شاء الله . ولا يقولن قائل نحن غير ، وما حصل في هذه الدول لن يحصل عندنا مثله ، فقد قالوا هم كذلك قبل ان يدمروا دولهم في اياديهم وبمال وسلاح غيرهم .

يتبع الحلقة الحادية عشر….