السياسة والتربية

2 ديسمبر 2021
السياسة والتربية

بقلم الدكتور محمود المسَّاد

في ساعة صفاء، بل في أسبوع تزاحمت فيه الهموم، وكما يقال: عندما تتراكم الهموم يتجلى الدماغ وينتج العقل بفعله النشِط بين ترابطات الخبرات وتفاعلاتها أفكارًا أصيلة قد توصل صاحبها لإنجاز مبدع وقد تثير عليه عش الدبابير. وهذا هو الحال عندما نتحدث عن السياسة والتربية، ويُثار التساؤضل غير البريء؛ من هو الأب ومن هي الأم؟ فإن كانت التربية هي الأم فقد نكون وضعنا اليد على تراجع التربية والتعليم، كونه وراثيا من زمرة أباء امتهنوا السياسة التي لا ترحم، واقتنعوا بأن التنوير التربوي وفائض العلم يهدد مصالحهم. وإن كانت التربية والتعليم هي الأب والأم معًا كما يقال فتكون السياسة هي الابن الأكبر الذي لم يفلح في تعلمه وأتقن فن الركض وتسلق الجبال، والقفز بين الأغصان، واللعب بكل الأوراق.

نعلم يقينًا أن التربية والتعليم هي الحياة والتمكّن من النجاح فيها، وبناء الفرد المقتدر على استمرارية دوام التعلم الناجز حيث يلزم في ميادين الحياة والعلم بما فيها السياسة. ودليلي على ذلك أن الفترات الذهبية من فترات التربية والتعليم في الأردن تميّزت في التركيز على بناء الشخصية والتفاعل مع المجتمع وقياداته، وكان الطلبة الذين يستمرون في التعليم هم الأجدر بذلك، والأقدر على متطلباته، حينها كانت كوادر وزارة التربية والتعليم المنبع لكل رجالات الدولة في جميع المجالات، إلى أن جاء التوجه للتعليم للجميع، فذهب المتميزون في مذاكرة محتوى التعليم وحفظه واستذكاره إلى الأعمال والمهن الفنية التخصصية، وذهب المتميزون في الذكاء الاجتماعي والعاطفي ليحتلوا المواقع السياسية والقيادية. وعندها تغير الحال.

وإننا نحن التربويين لا نفقد الأمل، فمسارات الحل كثيرة وواضحة، لا بدّ وأن نؤسس لتربية وتعليم تقوم على بناء الشخصية المفكرة المتشربة لمنظومة القيم المرغوبة الساعية للحداثة، وولوج عصر التفجر المعرفي والتقني بهوية وطنية راسخة لا تخشى رياح التغيير مهما اشتدت، إن الكوادر البشرية التربوية ذات الرؤية والبصيرة القادرة على اكتشاف ما حولها وما ينتظرها وما تركته خلفها بقدرات متفوقة فوق معرفية أكثر من الكثير، فهناك مئات الألوف منهم يغطون مساحة المملكة، ومنهم من يقود ويوجه وينتج خارج المملكة. وفيهم العدد الأكثر من الكافي قادر على أن يقود مؤسسات ووزارات ويرسم ويسوس بما يحقق غايات الدولة ورؤيتها في أردن مزدهر يتمتع بالمنعة والسيادة.

إن الفترات الذهبية للتربية والتعليم ستعود بمشيئة الله وسيتم التحول نحو التعليم النوعي، وسيتقن الطلبة المهارات المطلوبة في التفكير والحداثة، وسيتشربون القيم والاتجاهات المرغوبة، إن تدارس المستهدفين لهذه الأفكار، وتضافر جهودهم إلى التشبيك اللازم للعمل المشترك الذي سيفتح الآفاق رحبة مثمرة في هذه الفترة الآمنة من عمر الوطن الداعية للعمل الديمقراطي الوطني.