بقلم الدكتور محمد الفرجات
ملاحظة: جزء كبير من هذه القصة من وحي الخيال، والنواة حقيقية، حيث شاهدت عائلة تزور العقبة بباص مخصص لنقل الموتى.
الشيخ حسن براية سائق باص الموتى يعمل مع جمعية تعاونية، تقدم خدمات بسعر التكلفة، من ضمن الخدمات تجهيز ونقل ودفن الموتى.
الشيخ حسن زنبرك الحركة في الجمعية، ويكاد أن لا يخلو موبايل من رقمه، خاصة من سكان الحي الشعبي الكبير الذي يسكنه في عمان.
رئيس الجمعية المختار حماص كفتة يرغب بخدمة الناس، ولا يمانع من خروج باص الموتى خارج عمان لتقديم خدماته، والشيخ حسن يطير بباصه بسرعة الصوت لأن إكرام الميت دفنه، وأحيانا لأن هنالك ميت آخر ينتظر، فترى باقي السيارات التي تتبع الجنازة تتبعثر بين تقاطعات وأنفاق وجسور وإشارات عمان، فيتشتت جمع المشيعين.
جاء الربيع باسما، وقد كان قبله صيفا موسم الموت مع الوباء كورونا قد كثر، والشيخ حسن لطالما سابق الصوت وشتت شمل مشيعين، وقد آن للمختار أن يكافيء الشيخ.
كما وعد المختار حماص كفتة، يستطيع الشيخ حسن براية إستقلال الباص مع أطفاله وزوجته لقضاء خميس وجمعة في العقبة، والعودة سبتا ودون تأخير، فموسم الجنائز لا يتوقف، والشيخ براية سيد من قاد مواكب الموت.
جاء الخميس بصباحه الجميل وأعلنت الجموع تعب الأسبوع، وإنتهى دوام الشيخ حسن عصرا، وكان حصاده من الفجر ثلاثة جنازات فقط، ووصل بيته ليجد زوجته أم عتبان قد جهزت عتبان وروحي وملاك وسميرة وجلال ووسيم والرضيعة إيناس، وخرجوا وقفلوا الباب بعد أن أمنوا المنزل وأغلقوا أسطوانة الغاز والحنفيات جيدا.
يا لسعادتهم، الباص ذو الضوء الأخضر ينتظر، ولكن هذه المرة ليقوم بمهمة سعيدة، فيحمل السعادة والسعداء إلى البحر، نعم إلى البحر ليركبوا القارب الزجاجي، ويشاهدوا الأسماك والقرش والحوت والمرجان، وقد يشتروا ملابس ومعدات مطبخ صينية الصنع من قرية الصواينة.
أزاح الشيخ حسن نقالة الموتى المنهكة جانبا في صندوق الباص، وصرخت أم عتبان “يا رجل بلاش فال عاطل، حطها في حوش الدار عبين ما نرجع”، نظر إليها بسخرية “هاي لقمة عيشك وسعدك، ما بتفارقني”،،، سكتت على مضض المسكينة.
ملأ الشيخ مساحة الباص الخلفية (الصندوق) بالفرشات وشنط الرحلة والحرامات، والغاز الصحراوي المستعار من الميكانيكي زاردية، ورتب الطناجر والسلة الأغذية والخبز في الزواية بالداخل، وصعد الأطفال والفرح يسود المشهد إلى صندوق الباص، وسرح فجأة وأغلق عليهم، وصاح بصوت خاشع “في رحمة الله تعالى”، ثم صحى من سرحانه على صوت أم عتبان “يكف عنا شرك يا زلمة، هظول ولادك مش جنازة”، همهم وقح وتنحنح، ثم تعذر بأن حب المهنة طغى عليه.
ركبت الزوجة العزيزة ودنياها فرح على كرسي بجانب السائق، على مقعد يركبه عادة إبن مكلوم أو ما شابه.
الجارات يسترقن النظرات من الشبابيك، والغصة في أنفسهن، فأم عتبان الليلة ستبات في العقبة على أنغام موج البحر وهدوء المجرة وعتمة غياب القمر.
… يتبع بعون الله تعالى في الجزء الثاني