هل ستتمكن طالبان من السيطرة على أفغانستان؟

13 أغسطس 2021
هل ستتمكن طالبان من السيطرة على أفغانستان؟

 

 

 

وطنا اليوم –  منذ بدأت «طالبان» هجماتها العسكرية في مايو (أيار) الماضي، استولى المتمردون على أكثر من نصف المقاطعات الأفغانية البالغ عددها 400 منطقة، وفقاً لبعض التقديرات.

 

في الأسابيع الأخيرة، بعد اجتياح معظم مناطق الريف الأفغاني، بدأ المتمردون محاصرة عواصم إقليمية متعددة في وقت واحد لأول مرة خلال الحرب التي استمرت 20 عاماً. بعد ذلك، انكسرت خطوط المواجهة، الجمعة، واستولت «طالبان» على زرانج؛ وهي عاصمة إقليمية بالقرب من الحدود مع إيران، بعد أن واجهت مقاومة قليلة من قوات الأمن الأفغانية عند دخولها المدينة. وبعد يوم واحد، استولت الجماعة على عاصمة أخرى؛ شبرغان، المعقل الشمالي لأمير الحرب المارشال عبد الرشيد دوستم، الذي منيت ميليشياته بالهزيمة.

 

وسيطرت قوات «طالبان»، الأحد، على 3 عواصم شمالية أخرى؛ وهي تالقان، عاصمة مقاطعة تخار، وسار بول، عاصمة المحافظة التي تحمل الاسم نفسه، كما استولوا على قندوز، أكبر مدينة استولت عليها «طالبان» حتى الآن لأنها مركز تجاري حيوي لطالما أرادته المجموعة بوصفه جائزة تحمل أهمية استراتيجية ورمزية كبيرة.

 

وواصلت «طالبان» حملتها الحثيثة، الاثنين، واجتاحت أيباك، عاصمة مقاطعة سامانجان التي تقع على الطريق السريعة الرئيسية الرابطة بين كابل والمقاطعات الشمالية في أفغانستان، ثم استولى المتمردون، الثلاثاء، على 3 عواصم أخرى: مدينة فرح في المحافظة الغربية التي تحمل الاسم نفسه، وبول الخمري، عاصمة مقاطعة بغلان الشمالية، وفايز آباد، عاصمة مقاطعة بدخشان النائية والوعرة في أقصى شمال شرقي البلاد.

 

وفرض الحصار المتزامن على مراكز المقاطعات ضغوطاً خانقة على قوات الأمن الأفغانية واستنزفت مواردها العسكرية بشكل خطير، في وقت جرى فيه قطع خطوط إعادة الإمداد للقوات الحكومية، وتزداد المدن والأحياء التي لا تزال تحت سيطرة الحكومة عزلة يوماً بعد آخر، وتعاني قوات الأمن الأفغانية من الانهاك جراء الهجمات الشديدة.

 

وسط كل الهزائم، رفضت إدارة الرئيس أشرف غني الاعتراف بسقوط العواصم. وبدلاً من ذلك، واصلت وزارة الدفاع الأفغانية التأكيد على النقاط الأساسية في خطابها الرسمي، والتي أكدت وقوع قتلى في صفوف «طالبان» وقوات الأمن الأفغانية. واستقال القائم بأعمال وزير المالية خالد بايندا وغادر البلاد مع تدهور الوضع الأمني، رغم أنه أعلن عبر «فيسبوك» أنه سيغادر البلاد بسبب مشكلات عائلية. ورحيله كان مؤشراً من وجهة نظر كثير من الأفغان على أن قادتهم السياسيين أذعنوا تقريباً أمام فكرة استيلاء «طالبان» الكامل على السلطة. وتقوم استراتيجية الحكومة الأفغانية على إبطاء تقدم «طالبان»، مع الالتزام بالتوصيات الأميركية الصادرة منذ فترة طويلة بأن يقوم الأفغان بتوحيد قواتهم المتبقية حول الطرق الرئيسية والمدن والمعابر الحدودية، والتخلي عن معظم المناطق التي استولت عليها «طالبان» بالفعل، وفقاً لما أفاد به دبلوماسيون أميركيون ومسؤولون بالأمم المتحدة.

 

بيد أنه من غير الواضح بعد كيف ستتعامل هذه الخطة مع مسألة سقوط 9 عواصم إقليمية في جميع أنحاء البلاد الآن، أو حالة الاستنزاف التي تعانيها القوات الجوية وقوات الكوماندوز في البلاد.

 

على امتداد شهور، شكلت تلك القوات النخبوية العمود الفقري للدفاع عن البلاد ضد «طالبان». وعندما حاصر المتمردون المدن، انتقلت القوات من موقع إلى آخر لطرد «طالبان» من المراكز الحضرية، وتأمين السيطرة على الأراضي الخاضعة للحكومة واستعادة بعض المناطق من «طالبان». إلا إن هذه الاستراتيجية ليست سوى تدبير مؤقت، والواضح أنه ليس هناك ما يكفي من القوات للدفاع عن جميع العواصم الإقليمية البالغ عددها 34 والمقاطعات البالغ عددها 400 منطقة. وبعد شهور من القتال المستمر، تعرضت تلك القوات لهزائم شديدة.

 

وبحلول مساء الثلاثاء، لم تكن قوات الأمن الأفغانية قد نفذت أي عمليات جادة لاستعادة العواصم التي استولت عليها «طالبان». وفي قندوز، حيث تعهد القادة العسكريون ببدء عملية لاستعادة هذا المركز الاستراتيجي، فرضت قوات «طالبان»، الأربعاء، سيطرتها على مطار قندوز؛ آخر جيب كانت تسيطر عليه الحكومة في ضواحي المدينة. وفي محاولة لحشد القوات الحكومية وقوات الميليشيات، سافر غني إلى مزار الشريف؛ عاصمة مقاطعة بلخ الشمالية والمدينة الشمالية الرئيسية الوحيدة التي لا تزال تحت سيطرة الحكومة. وإذا تمكن المتمردون من الاستيلاء على المدينة، فسيكون ذلك بمثابة انهيار شبه كامل لشمال أفغانستان في يد «طالبان».

 

وأثارت انتصارات «طالبان» في شمال أفغانستان، على وجه الخصوص، مخاوف من أن يحاصر المتمردون العاصمة كابل؛ الأمر الذي يفتح الباب أمام احتمال حدوث انقلاب عسكري كامل.

 

يذكر في هذا الصدد أنه بعد ظهور «طالبان» في التسعينات، واجهت حركة التمرد الجنوبية وذات الأغلبية العرقية البشتونية مقاومة شرسة من مجموعات ميليشيات في الشمال معروفة باسم «التحالف الشمالي». وحتى عندما استولت «طالبان» على كابل في عام 1996، حرم «التحالف الشمالي» المجموعة من بسط سيطرتها الكاملة على البلاد طوال فترة حكمهم التي استمرت 5 سنوات. ومع ذلك، نجد اليوم أنه بعد الاستيلاء على 7 مدن شمالية في غضون 5 أيام فقط، يحذر الخبراء من أنه إذا تمكن المتمردون من احتلال الشمال – وبالتالي سحق أفضل أمل أمام البلاد في وجود مقاومة شعبية قوية بما يكفي لمواجهة «طالبان» ـ فقد تسقط البلاد بأكملها في أيديهم تماماً.

 

في هذا الصدد، أعرب راميش سالمي، المحلل السياسي في كابل، عن اعتقاده بأن الشمال يمثل منطقة استراتيجية لـ«طالبان»، وذلك لاعتقادهم أنه إذا كان بإمكانهم الاستيلاء على هذه المناطق غير البشتونية، فسيصبح بإمكانهم حينها السيطرة بسهولة على الجنوب والعاصمة كابل.

 

من ناحية أخرى، أفاد مسؤولون بأن الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان من المقرر أن ينتهي بحلول نهاية الشهر، وأن سلسلة الانتصارات العسكرية الأخيرة لـ«طالبان» لم تفلح في دفع الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إعادة تقييم هذه الخطة.

 

ولا يزال العنف المتصاعد معضلة أمام بايدن، الذي يصر على إنجاز انسحاب الولايات المتحدة من الحرب مع الإصرار على أنه لن يتخلى عن أفغانستان لصالح «طالبان».

 

وقال أحد المسؤولين إن الانسحاب الأميركي قد اكتمل بالفعل بنسبة 95 في المائة، لكن على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية، وفي الوقت الذي دفعت فيه «طالبان» خطوطها الأمامية إلى عمق المناطق الحضرية، نفذ الجيش الأميركي بعض الضربات الجوية في أفغانستان.

 

وذكر مسؤولون بالإدارة أن البنتاغون سيطلب على الأرجح تفويضاً من الرئيس لشن غارات جوية إضافية في الأشهر المقبلة، إذا بدا أن مدينة قندهار الجنوبية الرئيسية أو عاصمة البلاد، كابل، على وشك السقوط. ورغم ذلك؛ فإن الأحد شهد سقوط 3 مدن شمالية في أيدي المتمردين، بينما التزم الجانب الأميركي الصمت؛ الأمر الذي بعث برسالة شديدة الوضوح إلى القادة الأفغان: الحرب التي تخوضها الولايات المتحدة منذ 20 عاماً في أفغانستان انتهت، والآن بات لزاماً على القوات الأفغانية استعادة المدن التي سقطت في أيدي «طالبان» بمفردها، أو تركها لـ«طالبان» إلى الأبد.