على الاشارة الضوئية وفي محطة الوقود (الكازية

31 يوليو 2021
على الاشارة الضوئية وفي محطة الوقود (الكازية

الإعلامي  هاشم المجالي .

خرجت في هذا اليوم لأتجول في سيارتي محاولا تجنب ازمات الباص السريع وما صاحبه من ازمات اقتصادية واجتماعية ونفسية ، ولكنني توقفت عند احدى الإشارات الضوئية ، حيث كان على يميني سيارة حديثة الصنع تحمل لوحة خليجية مغمغمة ومضللة الشبايبك الجانبية وبطبيعة الحال كانت مكندشة ومكيفة ، باستثناء الزجاج الأمامي الذي كان غير مضللا ، لأنني شاهدت منه السائق وبجانبه إمرأه مخمرة بالكامل واطفال يلعبون .

وبنفس الوقت عندما نظرت الى شمالي شاهدت سيارة جيب فور ويل سياحية بها ثلاث فتيات شقراوات ويرتدن شورتات يكاد يصل اسفله الشورت الى صرة البطن ، وبلوزه قصيرة اسفلها لعند الرقبة ، وبطبيعة الحال كانت سيارتهن مكندشة ايضا لأن شبابيك السيارة مغلقة ولم تكن مضللة ، فاكتشفت انهن من ضيوفنا من القوات الأجنبية التي حضرت لتقيم في قواعدنا العسكرية التي تم منح حق استخدامها لهم مع الحصانة الكاملة المكملة من ايتها مسائلة على افعالهم .

فتحت الإشارة الضوئية فانطلقنا ثلاثتنا حيث توجهنا الى محطة الوقود ( الكازية ) ، فشاهدت الخليجي يخرج محفظته والفيزا كارت ويفلل سيارته بمبلغ مائة دينار ، والأجنبيات أيضا بنفس الطريقة يفللن سيارتهن بمبلغ مائة دينار ، وكان الجميع لا يلتفتون الى عداد التعبئة بالمحطة ولا لعداد سياراتهم ، في حين حضرت سيارة نمرة اردنية نوع كيا سيفيا موديل الثمانينات ، بها عائلة اردنية تتكون من عشرة افراد يتوزعون على الكراسي الأمامية والخلفية ، منهم من هو لابس ملابس مقطعة وغير مكتمله واخرون يلبسون ملابس محتشمة ، ولكن سائق الكيا كان لابسا بنطلونا من القماش تحت الثوب وزنوبة (حفاية) وشماغ او حطة بدون عقال ، حيث قام السائق بفتح محفظته وصار يبحث بأرجائها ويقلبها ويخرج هوياته ورخصته باحثا عن فلوس بين ثناياها ، شاهدته يبتسم حينما أخرج خمسة دنانير ، ونزل من السيارة منتصبا وواقفا عند العداد وهو يراقب حركة دواليب الأرقام ومؤشر عداد بنزين سيارته ، وعندما انتهى موظف المحطة من تعبئة الخمسة دنانير له ، صار الاردني يشكك بموظف المحطة ويقول له : انتوا بتغشوا والله يمكن انك عبيتلي باربع دنانير ولهفت مني دينار ، فرد عليه العامل الوافد ، الله يسامحك يا افندم هاي العداد وهاي الارقام ، فخرج الأردني اولا وهو متذمرا من عدم تحرُك عداد سيارته إلا شحطة بسيطة ادت الى اطفاء ضوء Al empty (فارغ) وغادر المحطة وهو متذمرا متهكما ومتمتما بمسبات عرفت انه كان يقصد بها الحكومة وذكر اسم وزيرة الطاقة ، بس كانت المسبات وسخة كثير ، وغير مؤدبة ولا أخلاقية.

وعندما نظرت الى الخليجي والأجانب الذين لم ينتبهوا للعامل الوافد ولا لعداد التعبئة بسياراتهم ولا بماكينات المحطة ، حيث غادروا وهم مبتسمون شاكرون بعبارت تحمل الود والمحبة للعامل الوافد مع اكراميات بسيطة له ، ثم قمت انا بتعبئة سيارتي بمبلغ عشرون دينار ، فحاولت ان انتبه للعداد بسرقة النظر كما فعل سائق الكيا ولكن ايضا دون لفت انتباه العامل الوافد كما فعل الخليجي والاجنبي بعدم الاهتمام بقراءة العدادات حيث غادرت المحطة .

لقد وصلت إلى نتائج مهمة من هذه المناظر التي كنت قد شاهدتها وهي على النحو التالي :
– ان العامل الوافد الذي يعمل بالمحطة كان مبسوطا ومرتاحا بعمله ورزقه ويأخذ أجرا يفوق اضعاف اجره بوطنه وخصوصا مع الاكراميات التي يحصل عليها .
-ان الخليجي كان مبسوطا ومرتاحا ومستمتعا برحلته الصيفية ولن يهكل هم الوقود اذا ارتفع سعره او ارتفاع الأسعار للمواد الغذائية او التموينية ، لانه سيعود الى دولته بعد انتهاء الصيف حيث النفط الشبه مجاني ورخص الأسعار ايضا .
– ان الاجانب العسكريين وهم ضيوف على الوطن ولهم سدر البيت في قواعدنا العسكرية ، كانوا ايضا مستمتعين ومبسوطين وكانوا خارجين في رحلة استجمامية واستكشافية في ربوع الوطن .
– ان الاردني صاحب السيارة الكيا سيفيا كان وحده متذمرا وظهر انه مسخمطا وملتعن سنسفيل أجداده ، وأنه مجبورا على الحركة بسيارتة التي تحتاج لتعبئة الوقود والذيى يكون مغشوش احيانا ،ويرتفع سعره بشكل جنوني وبدون أسباب حسب النظريات الزواتية ، ولأن رواتب الاردنيين منذ عشرين عاما على حالها لم تهتز او ترقص وتحرك خصرها ، بل بالعكس فإنها نقصت من قوتها الشرائية الى ما نسبته %90 بسبب ارتفاع الوقود والسلع والضرائب والخدمات الوهمية والضرائب السحرية الحكومية .

– أما انا فلقد تذكرت الحمامة التي حاولت ان تقلد النعامة فضيعت طريقة مشيتها ولم تستطيع ان تعود لمشيتها الأولى ولا تمشي مثل النعامة التي قلدتها ..
كل هذه المفارقات كانت فقط من الناحية الاقتصادية ، أما من النواحي الإجتماعية والسلوكيات الأخلاقية فلا استطيع التحدث عنها في هذه المقالة .

ولكنني اكتشفت ان الكل مبسوط ومستمتع في وطني الا المواطن الاردني الذي صار يبحث عن اسطح عالية لينتحر عليها من شدة الكآبة والبؤس والحرمان .