بقلم: الدكتور سداد عوني الرجوب
في زمن تتكاثر فيه الانقسامات، وتتصاعد فيه التحديات الداخلية والخارجية، يطلّ سمو الأمير الحسن بن طلال بصوته الحكيم ليعيد التذكير بالثوابت الوطنية والإنسانية التي يحتاجها الأردنيون اليوم أكثر من أي وقت مضى. فحديثه لإذاعة صوت الجنوب في جامعة الحسين بن طلال لم يكن مجرد كلمات عابرة، بل رؤية متكاملة تحمل رسائل عميقة للدولة والشعب على حد سواء.
لقد وضع سموه إصبعه على الجرح حين أكد ضرورة تجاوز الانقسامات المصطنعة بين الحراك الشعبي وأبناء النظام. فالفتنة لا تفرق بين منتمي لهذا أو ذاك، بل تضرب الجميع إذا ما وجدت بيئة خصبة. وكم نحن بحاجة اليوم إلى هذه المصالحة الوطنية الصادقة التي توحّد الصفوف وتعيد الثقة بين المكونات الاجتماعية والسياسية، بعيدًا عن لغة التخوين والتصنيف.
الأمير الحسن ذكّرنا كذلك أن العدو يتربص بالمنطقة، وأن أخطر ما يمكن أن نصنعه بأيدينا هو أن نغذي الشقاق والفرقة التي تسهّل على المتربصين تحقيق أهدافهم. هذه الكلمات تختصر بوعي شديد معادلة الأمن الوطني: لا استقرار داخلي من دون وحدة داخلية، ولا حصانة وطنية من دون وعي جماعي.
وفي جانب آخر، حمل حديثه بعدًا إنسانيًا عميقًا حين تحدث عن مفهوم الصحة بمعناه الشامل، الذي لا يقف عند حدود المستشفيات والخدمات الطبية، بل يمتد ليشمل الصحة النفسية والاجتماعية. لقد لامس سموه حقيقة مؤلمة حين ربط انعكاسات الأحداث الكبرى، مثل مأساة غزة، بانتشار مشكلات خطيرة في مجتمعنا كالمخدرات والاضطرابات النفسية. هذه دعوة صريحة لإعادة النظر في أولوياتنا الاجتماعية والتربوية، ومؤشر على عمق بصيرة سموه في قراءة التحديات.
أما تأكيده أن الهاشميين لم يسعوا يومًا لبناء مُلك أو جاه، بل سعوا لترسيخ “الجدار العربي” القائم على التكافل والهوية الجامعة، فهو تذكير صادق بتاريخ طويل من الإخلاص للأمة. وهو قول يتجاوز اللحظة ليضع أمامنا رؤية للمستقبل: بناء وطن قوي بهويته، متماسك بتضامنه، صامد بجدارته في مواجهة التحديات.
إن كلمات الأمير الحسن ليست مجرد خطاب سياسي، بل هي وثيقة وطنية وفكرية تؤكد أن مستقبل الأردن لا يُبنى إلا بالوحدة والوعي، وأن حرمة الوطن لا يصونها إلا شعب مؤمن بكرامته وقيادته، رافض للفتن والانقسامات