د. منذر الحوارات
لماذا تفعل إسرائيل كل ذلك؟ الجواب ببساطة: لأن الأردن حين ينقذ آلاف العائلات من الجوع لا يقوم بعمل إنساني فقط، بل بعمل سياسي هدفه تعزيز صمود الغزيين على أرضهم، وهذا ما تسعى إسرائيل إلى تقويضه، إنها لا تريد أن يرتبط اسم الأردن بالإنقاذ، بل بالفوضى والاتهامات، حتى يفقد مصداقيته ويصبح متهما بدل أن يكون منقذاً، لهدف قادم في ذهن قادتها، فهم يدركون أن كثيراً من الأردنيين لهم أقارب في غزة، وبالتالي يراهنون على أن يظهر الأردن مقصراً في أعينهم لغايات مستقبلية، كما تسعى إلى إفقاد الشركاء الدوليين ثقتهم في قدرته، فلا يعودون للتعاون معه، وفي الوقت الذي تُعرقل فيه شاحنات الإغاثة، تمر شاحنات التجار بسهولة تامة، لتُباع بضائعها في الأسواق بأسعار خيالية، هذا التمييز المقصود ليس صدفة، بل سياسة مدروسة تهدف إلى زرع الهزيمة في نفوس الفقراء، وإقناعهم أن الهروب أشرف من الصمود، بمعنى آخر، فإن عرقلة الجهود الأردنية ليست تفصيلًا إدارياً، بل جزء من حرب إسرائيلية شاملة تستهدف ضرب الأردن وغزة معاً.
رغم كل ذلك، يملك الأردن ما يفاخر به: إنقاذ الأرواح وصون كرامة الأهل في غزة عبر الصمود والبقاء، قد يرى البعض أن على الأردن أن يتجاوز الإغاثة إلى مواقف سياسية أو عسكرية، لكن الواقعية تفرض حدوداً صارمة، وأي مغامرة في هذا السياق ستكون انتحاراً لا دعماً، ومع ذلك، فإن إنقاذ طفل من الموت جوعاً سواء كان براً أو جواً، هو فعل مقاومة في ذاته، ومن يقف ضد هذا الدور يلتقي موضوعياً مع الهدف الإسرائيلي: قتل الغزيين أو تهجيرهم.
بالنتيجة فإن إسرائيل لا تحارب الأردن بالسلاح المباشر، لكنها تعمل على تشويه دوره وتكسير صورته كفاعل إنساني موثوق، لأنها تدرك أن ما يقوم به الأردن اليوم سيبقى ورقة قوة في المستقبل، ولذلك تُخطط لإضعافه، وبينما تهندس إسرائيل للجوع، يقاوم الأردن بهذا الدور الإنساني النبيل، ممثلًا بالهيئة الخيرية الهاشمية، إن الدفاع عن هذا الدور ليس واجبًا أردنياً فقط، بل واجب فلسطيني وعربي ودولي، فالمعركة ليست على الشاحنات وحدها، بل على الوعي وكرامة الإنسان وحقه في الغذاء والبقاء على أرضه، بالتالي فإن كل من يشتركون في هذه الحملة الظالمة يلتقون مع إسرائيل في هدفين، الأول إضعاف صمود أهل غزة والثاني تهيئة المناخ الأردني لأهداف إسرائيلية مستقبلية.