المنصات الافتراضية، وعي المجتمعات، والمطالبة بالديموقراطية

13 يناير 2021
المنصات الافتراضية، وعي المجتمعات، والمطالبة بالديموقراطية

 

 

رلى السماعين

 

يتفق معي كثيرون بأن الثورة التكنولوجية الحديثة ألقت عَلِينا ثقلاً، فرضت علينا أن نعيش في عالم افتراضي تأثيره مباشر وكبير على حياتنا اليومية من كافة النواحي. فكثر عدد الاصدقاء الذين أكثرهم وهميون، منهم من يترصد ضعفاء النفوس والجهلة ليجذبونهم خلف اجنداتهم الخفية، الذين انتشروا بذكاء على المنصات الافتراضية المتعددة الشهيرة. بتنا نعلم- وباتت المعرفة ضرورية لان الجهل عبء على المجتمعات كلها- بأن هذه المنصات اصبحت تميل نحو التحكم في المجتمعات لتغيير النمط الفكري وللتحكم العقلي كهدف اساسي، وفِي ظاهرها إجتماعي وترفيهي. كل من هذه المنصات الافتراضية تستهدف فئة عمرية محددة. فالفيسبوك بعد اكثر من اثنا عشر سنة من توفره كمنصة اجتماعية، يُعرف الان بأنه منصة “كبار العمر” لذلك له خصوصية معينة في التحكم. منصة توتير تعرف بأنها المنصة السياسية أي يرغبها القادة وأصحاب القرار والمؤثرون لانها سريعة بايصال المعلومة القصيرة الذكية. انستجرام وسناب تشات منصات تجمع كافة الفئات العمرية كوسيلة ذكية لتجميع الصور في كل الحالات، وفي كل الامكان الذي يرتادها المشترك. وأما الاخطر فهي التيك توك الذي منع الان في أكثر من دولة لتأثيره المباشر السيء على الاطفال كونه يستهدف الاعمار الصغيرة وعمر المراهقة. كبار العمر من المشتركين من الفنانين والمشاهير فقدوا هيبتهم عند المتابعين لانهم باتوا “مضحكة”.

 

يجمعنا وطن واحد به ومنه نعيش. لذلك نفرح عندما ندرك بأنه على عاتقنا تقع مسؤولية تطور مجتمعنا، بمعنى نحن المسؤولون عن كل ما يدور حولنا من تقدم. ولكن إن غاب مفهوم المواطنة عند المواطن وضعفت هيبة الدولة عنده فمن الملام! الاعلام ليس لصف الكلام، والخطابات ليس للشهرة، والقادة ليسوا لارضاء العامة، بل الاعلام للتغيير نحو الافضل، والخطابات للتوعية والتشجيع، والمسؤولون هم من يخدموا العامة وكلها تصب نحو المصلحة الوطنية والمصلحة العامة.

دعونا لا نفرح بالحرية التي وهبتنا اياها المواقع الافتراضية، بينما نحن في الواقع نعيش ادماناً من نوع آخر يفرض نوعاً من العبودية. الاحداث السياسية العالمية حولنا، إن تنبهنا لها، تكون قد وُجدت لانذارنا. فالديموقراطية المنشودة هي حرية المجتمعات في حدود الرقي واحترام النظام والقوانين واحترام الاخر، وفيها تكون حرية التعبير عادلة خادمة للجميع، لانني أستطيع أن أقول كل الكلام ولكن ليس كله يُوافق، أو أكتب كل الافكار وليست كلها للبناء، لان ليس كل ما يُنطق به هو عدل، ولا كل ما يُكتب هو للمصلحة العامة، فما رايناه مؤخراً في السياسة العالمية وتابعناه، وجدنا أن الديموقراطية تتمسك بها مجموعات عدة، بحجة مختلفة، لتنفيذ سياسات محددة.

مع تقدم الوقت وتطور الاحداث، صعب تحديد الديموقراطية أو وضع مقياساً لها، لان الديموقراطية المنشودة متوفرة في المدينة الفاضلة، التي هي الاخرى خيالية. فمع غياب الوعي، وسيطرة منصات وهمية باجندات مدروسة على الحياة الواقعية، كيف إذاً نتأمل بغدٍ ونقرأ المستقبل؟

*صحافية مختصة بالحوار والمصالحة المجتمعية