دقة قديمة ورايات اخفاق وكهانة المشير

9 نوفمبر 2021
دقة قديمة ورايات اخفاق وكهانة المشير

المحامي بشير المومني

روى لي احد المقربين من المشير حابس المجالي رحمه الله تعالى انه عندما جرى رفع علم امانة عمان لأول مرة غضب الباشا عندما شاهده وتناول هاتفه الارضي وبدأ يجري اتصالاته مع المسؤولين وكان يتساءل بمدعاة القلق الوطني عن سبب رفع علم خاص بامانة عمان !!

كان حابس باشا مصنفا كدقة قديمة في نظر المسؤولين ( المودرن ) الجدد وانه ضد ( الافكار الخلاقة ) وعاجز عن التفكير ( خارج الصندوق ) و أن زمنه قد ولّى ولم يعد الاردن بحاجة الى ( الاسد الرابض ) كما كان اطلق عليه الوصف جيش العدو الاسرائيلي لما ذاق من ويلات جيشنا العربي وقادته العظام ايام كان جنودنا من رعاة الدقة القديمة يتغنون باهازيج الحرب ويرددون بفخر ( كتيبة قايدها حابس تقش الاخضر واليابس ) ..

لم يفهم المسؤولون لغة المشير ولا ما يريده ولا كيف يفكر .. القضية كانت بالنسبة اليهم لا تعدو كونها شيء ( مبتكر ) .. انها اعلان عن تطور جديد .. انطلاقة نهضوية .. بينما كان حابس حزينا .. قلقا .. فهو يقرأ المشهد بطريقة مختلفة .. كان يقرأ الاردن بمفهوم الانتماء الجمعي .. هم كانوا يقرأونه بالقطعة .. بالبزنس .. ما يمكن للامانة كجهة مستقلة فعليا ان تحققه من انجازات .. انها لم تعد مقيدة .. يمكنها الان ان تقرر لنفسها بنفسها دون تدخل او وصاية ..

عندما سئل حابس عن سبب قلقه وحزنه وغضبه مما يحصل كانت اجابته عميييييقة بسيطة وواضحة لا تحتمل التأويل (( لا يوجد في الاردن غير الراية الاردنية .. )) هكذا اجاب رحمه الله .. كان المشير يدرك خطورة تعدد الرايات وتفرع الولاءات وتفسخ الانتماءات فالتقط الاشارة مبكرا في قضية ظاهرها خدمي وباطنها زرع ثقافة رفع راية اخرى غير راية الوطن وعلم الاردن ..

توفي حابس رحمه الله وكثرت الرايات .. واليوم وفي أي مشهد او فعالية سياسية بتنا نمر عليها مرور الكرام نرى ونشاهد الرايات الحمر والخضر والصفر والبرتقالية وغدا .. المثلية .. ستصبح الرايات تتجاوز نطاق الرمز لنطاق التمييز ونطاق الهوية لنطاق الهويات ونطاق الانتماء لنطاق تعدد المرجعيات .. كان حابس يرى ذلك بفطرته وعسكريته التي قضت عليه قدرا أن الارض هي الارض ولونها وحكايتها واحدة ..

بعد ايام سنشهد فعالية في يوم الجمعة تحت بند رفض قانون الدفاع .. تطورت الدعوة سريعا في تبديد وتسديد لترفع شعار مختلف ومنطلقات ودوافع اخرى تتزين بشعارات الغلاء ورفع الاسعار .. قريبا ستنتقل الى نطاقات اخرى سياسية ومطالبات غير مفهومة حتى لو كانت ضمن السياق الاقرب لمداعبة هموم الناس لكن ما لا يمكن فهمه ان بعض الجهات الراعية للفعالية كانت تشارك بالامس وتشيد بمخرجات لجنة التطوير والتحديث السياسي واليوم باتت تصدر الفرمانات للنيل منها !!

على أي حال وكأصحاب مدرسة الدقة القديمة نأمل من اصحاب الفعالية وتراجم اخفاقاتنا في كل راية يوم الجمعة القادم ان يتذكروا حابس ورفاق كتيبته وما قدموه وان يعملوا بنصيحة من جاهد في سبيل الله من اجل راية اردنية واحدة بكل ما تعنيه من قيم وتاريخ وتضحيات وان يتذكروا على الاقل تفجيرات عمان المحفورة في ٩/١١ وان لا يكونوا ترجمة ووجها آخر لنمطيات مسؤولي ( المودرن ) ومستحدثات التفكير خارج الصندوق ورهط البزنس لكن بشكل اعمق خطورة باعتبارها نتاج تفاعلات اللاوعي والعقل السياسي الباطن ففي نهاية اليوم سيكتشف الجميع انه لا يوجد اوضح من علمنا الاردني ..